كشف تبرّؤ منظمة بدر بزعامة هادي العامري من موقف عضوها البارز قاسم الأعرجي من القصف الصاروخي الإيراني الأخير لموقع سكني في أربيل مجدّدا عن مدى حدة الخلافات داخل ما يُعرف بمعسكر الموالاة لإيران في العراق.
وتدور الخلافات داخل الأحزاب والفصائل المسلّحة المشكّلة لمعسكر الموالاة، كما تدور بين كبار قادة تلك القوى حول مصالح سياسية ومكاسب مادية وبسبب اختلاف الآراء بشأن قضايا مهمّة على غرار طريقة إدارة العلاقة مع كل من إيران والولايات المتّحدة، والموقف من وجود القوات الأميركية على الأراضي العراقية.
وأخرج الموقف من قصف الحرس الثوري لأربيل إلى العلن الخلاف المكتوم بين العامري والأعرجي الذي يدين بالفضل لمنظمة بدر في إيصاله إلى مواقع أمنية كبيرة في الدولة العراقية وشغله منصب مستشار الأمن القومي، بعد أن كان قد شغل منصب وزير الداخلية في حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.
كذلك أعاد الموقف من إخراج القوات الأميركية من العراق تسليط الأضواء على الخلاف العميق داخل الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل لحكومة محمّد شياع السوداني، وتحديدا بين زعيم ميليشيا عصائب أهل الحقّ قيس الخزعلي وزعيم حزب الدعوة الإسلامية قائد ائتلاف دولة القانون رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.ورغم أنّ المالكي يعلن موقفا متناغما مع حكومة السوداني وباقي قوى الإطار التنسيقي بشأن وجوب إخراج تلك القوات، إلاّ أن اتصالاته مع الولايات المتّحدة ممثّلة بالسفيرة ألينا رومانوسكي تثير شكوك شركائه ضمن الإطار في أنّه يضمر عكس ما يظهر وأنّه يتعاون مع واشنطن بشأن ملف الوجود العسكري الأميركي في العراق، وذلك لكسب تأييدها لعودته إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات التشريعية القادمة.
وقال السياسي العراقي غيث التميمي في تعليق عبر منصة إكس إن الإطار التنسيقي (يقوده المالكي) يرفض عمليا أن يطلب من الأميركيين سحب قواتهم بصورة رسمية وإنّه يطلبه في الإعلام فقط.
وعمليا يأتي المالكي في مقدمة قادة الأحزاب العراقية الذين التقهم رومانوسكي خلال الأشهر الماضية.
وتعود الخلافات بين الخزعلي والمالكي إلى بداية عمل حكومة الإطار، عندما تجاوزت العصائب سلطة وزير النفط المنتمي إلى ائتلاف المالكي حيان عبدالغني وأحالت عقودا نفطية كانت تريد إسنادها لشركة تابعة لها مباشرة إلى رئيس الوزراء دون المرور بوزارة النفط.
وتعمّقت الخلافات بعد ذلك عندما منع المالكي حصول العصائب على مناصب أمنية هامّة، وذلك للحؤول دون تغوّل ميليشيا الخزعلي واكتسابها سلطات كبيرة ضمن حكومة الإطار.
وتجد شخصيات حزبية عراقية مشاركة في حكومة السوداني صعوبة في التوفيق بين مواقف أحزابها والولاءات الخارجية لتك الأحزاب من جهة، وما يقتضيه وجودها في مواقع حساسة تفرض عليها تقمّص دور رجال الدولة، من جهة مقابلة.
الموقف من قصف الحرس الثوري لأربيل أخرج إلى العلن الخلاف المكتوم بين العامري والأعرجي
وينطبق ذلك على قاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي الذي لم يمنعه انتماؤه إلى منظمة بدر، إحدى أكثر الفصائل العراقية ولاء لإيران، من تكذيب الرواية الإيرانية بشأن قصف الحرس الثوري لأربيل بعبارات واضحة لا لبس فيها، مصطفا بذلك إلى جانب الموقف الرسمي لبغداد.
ونفى الأعرجي ادعاءات إيران التي تتحدث عن استهداف مقر للموساد في عاصمة إقليم كردستان العراق. وقال في تدوينة على موقع إكس “اطلعنا ميدانيا برفقة أعضاء اللجنة التحقيقية على منزل رجل الأعمال المستهدف في أربيل، وتبين أن الادعاءات التي تتحدث عن استهداف مقر للموساد لا أساس لها من الصحة”.
وأحرج ذلك التكذيب منظّمته الأمّ التي سارعت إلى إصدار بيان أكّدت فيه ارتباطها المصيري بإيران، متبرّئة ممن سمّتهم “بعض البدريين العاملين في مؤسسات الدولة (الأعرجي)”، ومعتبرة أنّ “خطابهم وتصريحاتهم قد تمثل رؤية الدولة والسلطات الرسمية التي يعملون في إطارها أو رؤيتهم الشخصية”.
وأضاف بيان المنظمة “نؤكد هنا أنّ موقف بدر تجاه الجمهورية الإسلامية موقف منطلق من وحدة العقيدة والولاية والمرجعية والارتباط المصيري وفتاوى مراجعنا بوجوب الدفاع عن الجمهورية الإسلامية لأنها أمل المستضعفين وهي الدولة التي وقفت مع الشعب العراقي وشعوب المنطقة في أصعب الظروف، وأبناؤها هم الذين جاهدوا وآووا ونصروا”.
بيان بدر الذي تأخر بضعة أيام عن صدور موقف الأعرجي، عكس غضب إيران التي وجّهت توبيخا لهادي العامري
وأكّد أنّ “هذا الموقف لن يتغير من أجل إرضاء الأشرار والمعتدين. أما موقفنا من الاحتلال فهو موقف الرفض القاطع للهيمنة الأجنبية وندعو بقوة إلى إخراج القوات الأجنبية من العراق لأن بقاءها يعني فقدان الأمن والاستقرار”.
واختتم بالتأكيد على أنّ “هذه ثوابت منظمة بدر وجمهورها وشعبها الصابر المجاهد ولا يمكن لأحد أن يزايد عليها في صدق الانتماء وصدق الموقف والاستعداد للتضحية لأجل الدين والوطن”.
كذلك حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بردود شخصيات ذات صلة بالأحزاب والفصائل الشيعية، على مستشار الأمن القومي العراقي. وخاطب الإعلامي المقرّب من ميليشيات الحشد الشعبي عباس العرداوي الأعرجي بالقول “كنا نتمنى أن نراك في مقرات الحشد التي تم استهدافها في وسط محافظة بابل، وفي موقع استشهاد أبوتقوى وهو مقر حكومي”، وأضاف في تعليق عبر منصّة إكس “لا أعتقد أن إيران التي تعرفها تشتبه بين وكر إرهابي وبين مسكن مدني”.
وقال الصحافي حسين الصافي عبر موقعه في منصة إكس “شكرا إلى كل زعيم شيعي رفض ترشيحك إلى رئاسة الوزراء”، وذلك في إشارة إلى تداول اسم قاسم الأعرجي عندما كانت قوى الإطار التنسيقي تدلي بترشيحاتها لمن يتولّى منصب رئيس الحكومة قبل أن تتفق لاحقا على السوداني.
وقالت مصادر عراقية إنّ بيان بدر، الذي تأخر بضعة أيام عن صدور موقف الأعرجي، عكس غضب إيران التي وجّهت توبيخا لهادي العامري وحذّرته مع باقي قيادات الإطار التنسيقي من العجز عن ضبط الوزراء والمسؤولين المنتمين إلى أحزابهم ومراقبة مواقفهم حتى لا يتم توجيهها ضدّ طهران ولمصلحة أعدائها ومنافسيها وعلى رأسهم الولايات المتّحدة الأميركية.