تزداد المخاوف الأميركية من انعكاسات استنجاد حكومات دول الساحل الأفريقي بقوى أجنبية مثل روسيا، لحلحلة مشاكلها الداخلية، بالموازاة مع تزايد المخاطر على أمن واستقرار المنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب والتطرف وانتشار السلاح.
الجزائر- حذرت وزارة الخارجية الأميركية من تداعيات استعانة دول من الساحل الأفريقي بقوى أجنبية، معتبرة استقواء مالي وبوركينا فاسو بمجموعة فاغنر الروسية تأجيجا لأعمال العنف المسلح والانفلات الأمني، كما يغذي نشاط الإرهاب في المنطقة، ما يعكس قلق الأميركيين، وتصاعد صراع النفوذ بين القوتين في الساحل الصحراوي، الأمر الذي يدفعه إلى أن يكون بؤرة توتر إقليمي مفتوح.
واعتبر وزير الدولة للشؤون الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، استعانة حكومات دول الساحل الصحراوي بقوى أجنبية لمعاجلة مشاكلها الداخلية، أمرا مثيرا للقلق وينمي مخاوف بلاده، قياسا بالتداعيات الخطيرة على أمن واستقرار المنطقة.
وذكر في تصريح لمجلة “جون أفريك” أن “عندما تدعو السلطات المالية والبوركينابية، قوى خارجية مثل فاغنر الروسية لمحاولة معالجة المخاوف الأمنية، ترى الولايات المتحدة الأميركية أن المشاكل أصبحت أكثر خطورة وأكثر صعوبة، وأن العنف والتطرف والإرهاب ستتفاقم في المنطقة”.
ويقود رئيس الدبلوماسية الأميركية جولة إلى عدة دول أفريقية، تحمل في طياتها مخاوف واشنطن من تنامي النفوذ الروسي خاصة في الآونة الأخيرة، حيث تحولت ذراعه العسكرية “فاغنر” إلى آلية لإحداث تغيرات إستراتجية في المنطقة، لاسيما في ظل صعود نخب عسكرية في سدة الحكم في عدد من العواصم الأفريقية، وظهور خطاب مناوئ للنفوذ الغربي والإقليمي، خاصة فرنسا وأميركا ثم الجزائر.
وكان الوضع الأمني في عموم القارة ومنطقة الساحل، محور المحادثات التي أجراها أنتوني بلينكن مع عدد من قادة الدول الأفريقية، على غرار كوت ديفوار، والرأس الأخضر وأنغولا ونيجيريا، كما حمل قلق بلاده على مصير الديمقراطية والحريات والشراكة الاقتصادية مع القارة السمراء، في ظل الانقلابات العسكرية التي عرفتها عدة دول، وعدم ظهور أجندات دقيقة لعودة السلطة إلى المدنيين.
وأصبح أنتوني بلينكن هو المتحدث باسم “الإستراتيجية الأفريقية” للرئيس جو بايدن، حيث ركز في العواصم التي زارها على ما أسماه بـ”الجهود الأميركية في أفريقيا، وفضائل الشراكة بين واشنطن والقارة على المستوى الاقتصادي، لاسيما خطة النمو والفرص في أفريقيا (أغوا)”.
ولم يفوت الفرصة للتحذير من مخاطر استقواء أنظمة سياسية أفريقية، في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، بقوى أجنبية، في تلميح إلى “التعاون الأمني والعسكري القائم بين عواصم الساحل الأفريقي وروسيا عبر بوابة مجموعة فاغنر”.
وحث الأنظمة الانتقالية الحاكمة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر على الاستماع إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، والإسراع في العودة إلى النظام الدستوري ضمن إطار زمني واضح للغاية ومحدود للغاية.
ويبدو أن المسألة لم تعد تتعلق بالتواجد التاريخي لفرنسا في دول المنطقة، بل تسير في سياق يناهض النفوذ الغربي والقوى الإقليمية، فتصاعد الاستقواء بمجموعة فاغنر وتغلغل روسيا، يهدد النفوذ الأميركي، وبدرجة أقل الجزائر التي باتت منبوذة من طرف حكومات المنطقة، فالأزمة مع مالي يرافقها شحن سياسي وإعلامي غير مسبوق ضدها.
◙ مخاوف من تحول الرمال المتحركة في الساحل الصحراوي إلى بؤرة توتر، تنقل إليها القوى الدولية والإقليمية آليات الصراع
وفي هذا الشأن، كان المجلس العسكري الحاكم في مالي قد أعلن “إنهاء العمل باتفاق السلم والمصالحة الوطنية الذي ترعاه الجزائر منذ العام 2015”، وجدد اتهامها بارتكاب أعمال عدائية والتدخل في الشؤون الداخلية لبلاده، وذهب أبعد من ذلك لما اتهمها أيضا بـ”رعاية المجموعات الإرهابية التي تستهدف أمن ووحدة مالي”، في إشارة إلى الفصائل الأزوادية.
وتسير وتيرة فك الارتباط بين حكومات المنطقة وقوى النفوذ التقليدي في القارة بشكل متسارع، حيث أعلنت حكومات مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الأحد، عن انسحاب بلدانها من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس)، مقابل الإعلان عن ميلاد تكتل جديد لها.
وذكر بيان مشترك أن “زعماء دول الساحل الثلاث، مع تحملهم كافة مسؤولياتهم في مواجهة التاريخ والاستجابة لتوقعات واهتمامات وتطلعات شعوبهم، يقررون بسيادة كاملة الانسحاب الفوري لبوركينا فاسو ومالي والنيجر من المنطقة الاقتصادية لغرب أفريقيا”، الأمر الذي يوحي بأن المجموعة ماضية في مخططها، ولا تراعي الرسائل التي أطلقها أنتوني بلينكن.
ويرجح أن تدفع المواقف الأخيرة إلى قبضة حديدية، ستتغذى من قيم الديمقراطية والانتخابات والسلط المدنية في المنطقة، أمام تمسك النخب العسكرية بتنفيذ مقاربة إستراتجية جديدة تعيد ترتيب موازين القوى، مقابل بداية القلق الأميركي من التغلغل الروسي في أفريقيا.
رئيس الدبلوماسية الأميركية يقود جولة إلى عدة دول أفريقية، تحمل في طياتها مخاوف واشنطن من تنامي النفوذ الروسي خاصة في الآونة الأخيرة
ولا يستبعد مراقبون أن تتحول الرمال المتحركة في الساحل الصحراوي إلى بؤرة توتر معقدة، تنقل إليها قوى الصراع الدولية والإقليمية آليات الصراع والمواجهة، لكن تداعياتها ستكون نيرانا حارقة لدول المنطقة، وعلى رأسها الجزائر التي تقتسم مع مالي والنيجر حدودا برية تفوق 2400 كلم.
وليس بعيدا أن يتحول الساحل الصحراوي إلى حاضنة لمختلف أشكال الانزلاق الأمني، بداية من المجموعات الجهادية إلى شبكات الاتجار في السلاح والتهريب والهجرة السرية.
وفي خطوة لاحتواء المآخذ التي يمكن أن يتسلح بها الغرب لمناهضة التغلغل الروسي، والمتصلة بالديمقراطية والسلط الدستورية، قرر المجلس العسكري في مالي تشكيل لجنة لتنظيم حوار سلام وطني، لتكون بديلا لاتفاق السلم والمصالحة الوطنية الملغى.
وصرح رئيس الوزراء المالي شوكيل كوكالا مايغا، في تسجيل له على شبكات التواصل الاجتماعي، “من الآن فصاعدا، لا مفاوضات خارج باماكو. لن نذهب بعد الآن إلى دولة أجنبية للحديث عن مشاكلنا”، في إشارة إلى الوساطة التي تقودها الجزائر منذ العام 2015.
العرب