زليتن، مدينة غرب ليبيا مهددة بالغرق نتيجة اندفاع مياهها الجوفية

زليتن، مدينة غرب ليبيا مهددة بالغرق نتيجة اندفاع مياهها الجوفية

تواجه مدينة زليتن الواقعة غرب ليبيا ظاهرة غريبة منذ سنوات تتمثل في اندفاع المياه الجوفية إلى أعلى لتلحق أضرارا بالمباني والزرع. وزادت حدة الظاهرة خلال الأسابيع الأخيرة ما دفع عائلات إلى النزوح من المدينة التي تعد مركزا للصوفية في البلاد حيث يوجد فيها المقام الصوفي المعروف على مستوى المغرب العربي “سيدي عبدالسلام الأسمر”.

وفي حين ينكب المختصون على البحث عن حل للأزمة، لا يستبعد البعض أن يكون سبب الظاهرة مشروع النهر الصناعي العظيم الذي تم إنجازه في عهد العقيد الراحل معمر القذافي والمتمثل في جلب المياه الجوفية من الجنوب إلى الشمال.

ويرجح هؤلاء أن يكون النهر الصناعي قد زاد من مخزون المياه الجوفية في الساحل وهو ما تسبب في تشققات في طبقات الأرض.

وأكد رئيس لجنة إدارة الأزمات والطوارئ ببلدية زليتن مصطفى البحباح أن أزمة ارتفاع منسوب المياه الجوفية في بعض المناطق ببلدية زليتن مازالت مستمرة، وأن هناك عائلات تركت منازلها بسبب هذه المشكلة، لافتا إلى أن حجم الكارثة كبير جدا.

وتابع البحباح أنهم مستمرون في عمليات سحب المياه، لاسيما أن بعض المناطق التي تبعد عن البحر نحو 3 كيلومترات يصل ارتفاع منسوب المياه فيها إلى مترين، مشيرا إلى أنهم طالبوا الحكومة بتخصيص ميزانية عاجلة وطارئة لمواجهة المشكلة.

وتواجه المدينة، التي يصل عدد سكانها إلى 230 ألف نسمة، جملة من المخاطر من بينها غرق وتصدع المباني واختلاط المياه الصالحة للاستعمال بمياه الصرف الصحي، وكذلك حدوث تغيرات في التربة الزراعية.

ووفق دراسات متخصصة، فإن منطقة زليتن هي إحدى المناطق التي تقع في شمال غرب ليبيا على ساحل البحر المتوسط، والتي تعتمد على المياه الجوفية بشكل كبير في أغلب المجالات، بحيث تعتبر المصدر الرئيسي للمياه فيها. ويتم استخراج هذه المياه بواسطة حفر الآبار، سواء السطحية التي لا تتعدى الطبقة المائية الأولى التي تتجمع فوق أول طبقة صماء، ويصل عمق هذه الآبار إلى 30 مترا، أو الآبار العميقة التي يزيد عمقها عن 30 مترا. وقد أثبتت التحاليل المعملية التي أجريت على العناصر التي عادة ما تكون مؤشرا على تداخل مياه البحر مع المياه الجوفية وجود تركيزات عالية لبعض هذه العناصر بالمياه الجوفية في أغلب الآبار، سواء السطحية منها أو العميقة.

وظهرت الأزمة في السابع والعشرين من ديسمبر الماضي، فيما أبرز مدير مكتب الإصحاح البيئي بالمدينة محمد أبوقميزة أن الكارثة ليست وليدة اللحظة وإنما تعاني منها المدينة منذ عام 2018، مشيرا إلى أن الأزمة أكبر من قدرات المجلس البلدي، ويجب أن يكون هناك تحرك من الحكومة للتوصل إلى حل جذري لهذه الأزمة.

وسعت حكومة الوحدة الوطنية لحلحلة الأزمة التي تواجهها المدينة الواقعة على الساحل الغربي لليبيا، وعلى مسافة 150 كيلومترا تقريبا شرق العاصمة طرابلس، وقرر رئيسها عبدالحميد الدبيبة تشكيل لجنة مركزية برئاسة وزير الحكم المحلي بدرالدين التومي لمتابعة أوضاع بلدية زليتن جراء الارتفاع في منسوب المياه الجوفية، ومعالجة الآثار المترتبة على ذلك، ومساعدة المواطنين على مواجهتها.

كما وجّه الدبيبة مدير عام المركز الوطني لمكافحة الأمراض ووكيل وزارة الصحة لشؤون المستشفيات العامة بزيارة المناطق المتضررة في زليتن للوقوف على الأوضاع الصحية للمواطنين ودعم المستشفيات والمراكز الصحية بالأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية وموافاته بتقرير عن نتائج الزيارة، ودعا وزير الحكم المحلي إلى التنسيق مع عميد بلدية زليتن وتوفير سيارات شفط المياه بشكل عاجل للمساهمة في دعم البلدية لمعالجة موضوع مشكلة ارتفاع منسوب المياه.

وكان الدبيبة قد تفقد المناطق المتضررة من ارتفاع منسوب المياه الجوفية في عدد من المحلات ببلدية زليتن، وطالب الجهات المختصة بمعالجة جميع المطالب المقدمة من أهالي المدينة المتمثلة في حصر الأضرار وتعويضها ودفع بدل إيجار للعائلات المتضررة من ارتفاع منسوب المياه الجوفية. وكلف لجنة من مجلس الوزراء بمتابعة الإجراءات المتعلقة باستكمال الدراسات الفنية من قبل استشاري دولي وتنفيذ نتائجها.

ويرى مراقبون أن الظاهرة تحتاج إلى دراسة عملية مستفيضة، وأن حل الأزمة يبدأ بتفسير أسبابها كظاهرة طبيعية غير مسبوقة في البلاد، فيما قال عضو المجلس الأعلى للدولة عبدالسلام الصفراني إن إهمال مشكلة ارتفاع منسوب المياه الجوفية في زليتن يذكّر بالإهمال الحكومي الذي أدى إلى كارثة درنة، وحذر في تصريح صحفي من تفاقم مشكلة المياه الجوفية وارتفاع الكميات المتسربة إلى السطح، مضيفا أن الكارثة باتت تهدد الآلاف من السكان دون تدخل ناجع حتى الآن. وأشار إلى أن حجم المساحات المتضررة من المدينة بلغ أكثر من 4000 هكتار، وهو ما يعد ضعف مساحة المخطط الحضري للمدينة.

وبحسب مصادر محلية فإن أغلب المساكن في مناطق مثل النشيع تسبح في برك من المياه، وجميع أساسات المساكن الآن هي بوسط المياه التي تسببت في تصدع جدرانها وهبوط الأرضيات وتكسر الأساسات والخرسانات نتيجة تشبع الأرض بالمياه الجوفية الفائضة وتحول خزانات الصرف الصحي إلى آبار تفيض منها المياه، وتسبب ذلك في كوارث بيئية وأمراض نتيجة انتشار الجراثيم، مشيرة إلى أن أغلب الأسر لا تستطيع أن تسكن هذه المنازل، ما اضطرها إلى مغادرتها.

ونقلت المصادر عن جيولوجيين ليبيين، يعملون في شركات نفطية استعانت بهم البلدية، قولهم إن هذه المياه تنبع من طبقة تبعد 600 متر عن مستوى سطح الأرض وتحتوي على مياه عذبة تندفع من أسفل إلى أعلى.

العرب