«سوريا»: خلافات المصالح تقوّض جهود الحرب ضد «الدولة الإسلامية»

«سوريا»: خلافات المصالح تقوّض جهود الحرب ضد «الدولة الإسلامية»

تميم-والسيسي-واردوغان

لا يبدو أن هناك حد في الأفق للصراع السوري، ويستمر استدراج المزيد من الدول إلى أتون المعركة. استجابة للضغوط الأمريكية، وحرصا منها على اكتساب المزيد من التأثير على اتجاه الحرب الأهلية السورية، فإن المملكة العربية السعودية تحاول تنسيق نشر قوات على الأرض في سوريا إلى جانب حلفائها.

أعلن نائب ولي العهد السعودي ووزير الدفاع «محمد بن سلمان» عن تشكيل التحالف العسكري الإسلامي خلال مؤتمر مفاجأة صحفي في الساعات الأولى من صباح 15 ديسمبر/كانون الأول في الرياض. يتكون التحالف من 34 دولة، ويسعى لتنسيق عمليات مكافحة الإرهاب ضد جماعات مثل «الدولة الإسلامية». في وقت لاحق من ذلك اليوم، قال وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» إن نشر القوات البرية، وخاصة قوات العمليات الخاصة، لمحاربة «الدولة الإسلامية» ما زال ممكنا. هذه التصريحات في أعقاب بيان 30 نوفمبر/تشرين الأول من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قالت إنها على استعداد للمشاركة في أي جهد دولي يتضمن تدخل بري لمكافحة الإرهاب.

العديد من الدول الأخرى، وأبرزها، الولايات المتحدة وتركيا، تريد أن ترى انتشارا للقوات العربية في سوريا. مدفوعا بالانتقادات بسبب وجود تقدم في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن البيت الأبيض يبدو حريصا على إدخال المزيد من القوات في المنطقة. ودعت الولايات المتحدة بالفعل حلفاءها في حلف الناتو بما في ذلك إيطاليا وألمانيا، إلى تكثيف مساهماتهم في المعركة. ومع ذلك، فإن وزارة الدفاع الأمريكية حريصة خصوصا أن ترى المزيد من المشاركة الإقليمية، لاسيما في مجال القوات البرية، نظرا لأنها تحاول تجنب المزيد من التورط في الحروب البرية المحفوفة بالمخاطر في الشرق الأوسط.

بالنسبة لأنقرة، فإن إضافة قوات عربية إلى المزيج سوف يكون تطورا مرحبا به نظرا لأنهم سيسهم في إضفاء الشرعية على تدخل تركيا في سوريا في عيون جيرانها العرب الذين يتهمونها بالسعي إلى هيمنة عثمانية جديدة في المنطقة. الأتراك قلقون بشدة من تعزيز التواجد الروسي والإيراني في سوريا وبالتالي يسعون إلى ضمان غطاء أوسع لأي توسيع محتمل للعمليات في سوريا.

انقسام القوى

ومع ذلك، عندما تصبح الدول العربية أكثر انخراطا في الحرب الأهلية السورية، فإنها يمكن أن تقوض أي محاولة لتشكيل جبهة موحدة ضد «الدولة الإسلامية» في سوريا. هذا هو ربما أحد الأسباب لكون التحالف الإسلامي قد أعلن عنه بعيدا عن الولايات المتحدة. وقد نفى المسؤولون في ماليزيا وأندونسيا وباكستان قبولهم دعوة للانضمام إلى التحالف. بالإضافة إلى ذلك، تحمل قائمة عضوية التحالف بعض الأخطاء الفاضحة، بما في ذلك غياب بعض الدول الإسلامية الكبرى مثل إيران.

الحرب المستعرة بين الحكومة السورية والمعارضة تقوض باستمرار الجهود العالمية في مواجهة «الدولة الإسلامية»، وغالبا ما تحل محل القتال ضد «الدولة الإسلامية» من حيث استنفاذ الجهود والدعم من الفاعلين الرئيسيين على الطرفين. وقد توجت هذه الانقسامات في مواجهة متوترة في شمال حلب، حيث منع الانتشار الروسي الكثيف بشكل فعال العملية التركية الأمريكية المزمعة ضد «الدولة الإسلامية» في ممر عزاز. وعلاوة على ذلك دعمت إيران تحذير دمشق من أي تدخل عسكري في سوريا يتم بدون تنسيق أو دعوة مباشرة من الحكومة السورية. بالنسبة إلى طهران، فإن وجود القوات السعودية على أرض الواقع في سوريا سيكون مقلقا لها بشكل خاص. وبالنظر إلى أن إيران هي مساهم فعلي بالقوات في الصراع في طرف الحكومة السورية، فإن خطر الاصطدام مع القوات السعودية والقوات الحليفة لها سوف يكون مرتفعا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن القتال بين الأتراك ووحدات حماية الشعب الكردي عبر الحدود في سوريا يقوض بدوره آفاق الجهود المشتركة ضد «الدولة الإسلامية». إلى الشرق من نهر الفرات في سوريا، حيث نشرت الولايات المتحدة مؤخرا نحو 50 من قوات العمليات الخاصة لمساعدة القوى الديمقراطية السورية في سعيها نحو الرقة، فإن نشر المزيد من القوات العربية داخل صفوف هذه القوى بإمكانه أن يثير شكوك الأكراد. هذا ينطبق بشكل خاص نظرا للصراع المزعوم مؤخرا بين العرب والأكراد حول بلدات شمال سوريا الرئيسية مثل تل أبيض.

وهناك أيضا مسألة ما إذا كان السعوديون وشركاؤهم من دول مجلس التعاون الخليجي سوف يكونون قادرين على جمع قوة كبيرة للانتشار في سوريا. السعوديون وحلفاؤهم بالفعل متورطون الآن في الحرب في اليمن وعلى الرغم من أنهم سوف يتجهون إلى نشر أعداد أقل من قواتهم البرية، فإنهم سوف يتوجهون إلى بطبيعة الحال إلى الحلفاء العرب الرئيسيين الآخرين لتقديم الدعم. مصر والأردن في مقدمة المرشحين: مصر بسبب جيشها الكبير والقوي، والأردن بسبب موقعها الجغرافي وقواتها جيدة التدريب. في الواقع، فقد أجرت كل من مصر والأردن تدريبا عسكريا مشتركا في 18 ديسمبر/كانون الثاني من أجل إظهار استعدادهما للمشاركة في أي بعثة مشتركة لدعم الاستقرار والأمن في المنطقة. كلا الدولتين تتلقيان مساعدات اقتصادية ومالية وافرة من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، وهم حريصون على الحفاظ على تلك العلاقات المربحة.

ومع ذلك، فإنه نظرا لأن الحكومة في مصر تواجه تمردا محليا وعداء مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد جاء موقف مصر مساندا للحكومة السورية في حربها ضد المتمردين، وهو الموقف الذي زاد من توتر علاقاتها مع تركيا. تتطلع مصر أيضا على نحو متزايد لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والعسكرية مع روسيا، وهي قوة أخرى لديها تحفظات على أي عمليات عسكرية تنفذ في سوريا من دون التنسيق مع دمشق. على سبيل المثال، فقد علمت «ستراتفور» أن المصريين حريصون على تجنب أي دور في سوريا يمكن أن يؤدي إلى حل تفاوضي يتضمن دمج المتمردين المعتدلين مع القوات الموالية السورية.

السعوديون يعملون بجد لتغيير هذه الظروف ومواءمة موقف مصر مع بلادهم. من خلال مجلس التنسيق المصري السعودي، فإن السعوديون قد وثقوا علاقاتهم مع مصر من خلال عدد من المشروعات الاقتصادية ويتطلعون لإصلاح العلاقات المصرية التركية من خلال اجتماع مشترك للدول الثلاث في 5 يناير/كانون الثاني الماضي.

الأردن، من ناحية أخرى، عملت بشكل وثيق مع المملكة العربية السعودية وقطر والولايات المتحدة في جهودهم الرامية إلى دعم الثوار في سوريا، وخاصة متمردي الجيش السوري الحر في الجبهة الجنوبية. ومع ذلك، فقد كان الأردنيون حذرين في دعمهم للمتمردين بسبب مخاوف عمان من أي انهيار مفاجيء ومزعزع للاستقرار للحكومة السورية وهو ما قد يعطي القوى المتطرفة فرص للعمل خارج الفوضى.

ولا تزال أهداف ومصالح الأطراف الإقليمية والعالمية المختلفة تلعب بعنف في الحرب الأهلية السورية، وبينما تبدو هناك المزيد من الدول على استعداد لزيادة مساهماتها ضد خطر «الدولة الإسلامية»، فسوف تستمر مواقفها المتباينة في تقويض أي جهود أوسع نطاقا. يتركز اهتمام أطراف الصراع على مصالحهم في المقام الأول، كذا فإن التركيز الكبير من المتمردين والحكومة السورية لا يزال على بعضهم البعض، وليس على «الدولة الإسلامية». ولا تزال معظم الضربات الجوية الروسية موجهة لضرب الجماعات المتمردة الأخرى أكثر من تركيزها على الدولة الإسلامية. وتوجه العمليات القتالية الرئيسية في تركيا حاليا ضد حزب العمال الكردستاني، والعمليات الرئيسية لإيران جنوب حلب موجهة ضد وحدات من الجيش السوري الحر ومجموعات أحرار الشام وجبهة النصرة. في ضوء ذلك، على الرغم من أي قوة إضافية تشارك ضد «الدولة الإسلامية» يمكن أن تزيد من الضغوط عليها، فإن الخطر الأكبر ضد المجموعة المتطرفة يتمثل في التفاوض الفعال على طريق لإنهاء الحرب الأهلية السورية ولكن من غير المحتمل أن يكون الأمر كذلك في الوقت الراهن.

ترجمة: فتحي التريكي

موقع الخليج الجديد