سورية حيوية بالنسبة لإيران.. رغم الخسائر الثقيلة

سورية حيوية بالنسبة لإيران.. رغم الخسائر الثقيلة

23261

يبدي كبار المسؤولين الإيرانيين رغبة في دفع ثمن باهظ من أجل الحفاظ على هيمنتهم على سورية، لكن اتجاه المد ينقلب بكثافة.
*    *    *
بين رئيس الحرس الثوري الإيراني، محمد علي الجعفري، بوضوح لا لبس فيه يوم 17 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أن دمشق كانت لتسقط منذ وقت طويل لولا تدخل إيران في سورية. وتلقي هذه الحقيقة الضوء أيضاً على الأهمية الحيوية الحاسمة التي تشكلها سورية، التي كان مسؤولون إيرانيون كبار قد وصفوها بأنها المحافظة (الإيرانية) الخامسة والثلاثين بالنسبة للملالي في طهران. وهم راغبون في دفع ثمن باهظ للمحافظة على هيمنتهم على البلد، لكن اتجاه المد أخذ ينقلب بشكل كبير.
في إحياء ذكرى اليوم الأربعين لمقتل جنرال الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين همداني؛ أعلى شخصية عسكرية إيرانية في سورية، قال الجعفري: “من دون شك يستطيع المرء القول إن دمشق كانت لتسقط قبل عامين أو ثلاثة أعوام لو أن همداني لم يكن موجوداً في سورية”.
ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن إيران تدفع ثمناً باهظاً على الأرض في مقابل الحفاظ على بشار الأسد على رأس السلطة في سورية.
وأضاف الجعفري، في إشارة إلى تداعيات مقتل العسكريين الإيرانيين في سورية: ” بالتأكيد… لو أن الأمور لم تتجسد لصالح المواطنين في سورية، فإن ذلك كان سيسفر عن تأثير مباشر على أمننا، ويفهم الجميع كيف أن هذا الموضوع يرتبط بنا بعمق”.
في هذه الأثناء، تقدم وسائل الإعلام المحلية في المنطقة صورة واضحة جداً عن الكيفية التي تمنى بها إيران بخسائر على أساس يومي في بلاد الشام.
كان قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، قد أصيب بجروح خلال اشتباكات اندلعت مؤخراً ضد مقاتلي المعارضة السورية في شمالي سورية، وفق صحيفة الشرق الأوسط يوم 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
وكان قاسم سليماني قد جرح قبل بضعة أيام خلال هجوم مضاد في جنوب حلب، كما من جهته، أكد مصدر أمني في نظام الأسد.
وقال رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية “أجانس فرانس برس”، إن سليماني كان قد جرح بالقرب من بلدة العيس، إلى الجنوب من حلب.
وكان العميد في الحرس الثوري الإيراني، الذي يعرف باسم عبد الرضا مجيري، قد قتل في اشتباكات بالقرب من مدينة حلب، وفق ما ذكرته فضائية الجزيرة التي تبث من دولة قطر يوم 28 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، نقلاً عن وكالات أنباء إيرانية.
ومنذ أن بدأ عدد أعضاء الحرس الثوري الإيراني في سورية بالتزايد بشكل كبير في تزامن مع التدخل العسكري الروسي، وصل عدد أفراد الجيش الإيرانيين الذين قتلوا في سورية إلى 63 جندياً.
وكان مقاتلو “جيش الفتح” المعارض في سورية قد بثوا فيلم فيديو يعرض أسر جندي مشاة أفغاني استأجرته إيران، لكنه وقع في الأسر بينما كان يقاتل أثناء الاشتباكات إلى الجنوب من حلب.
وكانت جثامين سبعة من أعضاء الحرس الثوري الإيراني الذين قتلوا في سورية قد أعيدت إلى إيران، وفق ما ذكرته وسائل الإعلام التي تديرها الدولة يوم الجمعة الماضي. وقد نقلت هذه الجثامين إلى مطار زاهدان. لكن وسائل الإعلام التي تديرها الدولة لم تذكر الرتب العسكرية لهؤلاء القتلى، أو الأماكن التي قتلوا فيها.
وكان مقاتلو المعارضة السورية قد استعادوا السيطرة على قرية تل باجر؛ حيث قتل 40 جندياً من قوات نظام الأسد وأعضائه المتشددين، وفق ما ذكرته مجموعات المعارضة السورية المسلحة. ونشر المقاتلون أشرطة فيديو تعرض نيران مدفعيتهم وهي تدك قرية تل باجر، قائلين إن عدداً من المتشددين المرتبطين بإيران قتلوا في تلك المعارك أيضاً. كما استولى المقاتلون على منطقة برج زاهي الاستراتيجية الواقعة بالقرب من اللاذقية. ورداً على ذلك، شنت الطائرات الحربية الروسية غارات جوية على جنوبي حلب واللاذقية وإدلب. وخلال ساعات الصباح المبكر من يوم السبت، 28 تشرين الثاني (نوفمبر)، تعرضت بلدة السرامدة بالقرب من الحدود السورية التركية إلى ضربات جوية روسية.
إلى ذلك، ذكرت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن عضواً آخر في حزب الله اللبناني، يدعى أحمد يوسف المير، من قرية كفر ملكي في جنوب لبنان قد قتل في سورية، كما ذكرت وكالة أنباء أهل البيت. ولم تتوفر أي معلومات حول موعد وكيفية مقتل عضو حزب الله، الذي دفن جثمانه في قريته يوم الأربعاء 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
ومن جهتها، قالت قناة الجزيرة يوم 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، إن “جيش الفتح” في سورية أعلن أن مقاتليه تمكنوا من السيطرة على عدد من البلدات التي تقع إلى الجنوب من حلب. وتحققت هذه الانتصارات بعد اشتباكات عنيفة مع قوات الحرس الثوري الإيراني وحلفائه من الميليشيات العراقية. وقتل قائد في الميليشيات العراقية في الاشتباكات التي دارت في جنوب حلب. واستطاع المقاتلون أيضاً تدمير عدد من العربات التي تعود لقوات الميليشيا.
وأورد الموقع الإلكتروني المقترن بقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، يوم 17 تشرين الثاني (نوفمبر) مقتل عضوين رفيعين من أعضاء الحرس الثوري الإيراني. والعضوان هما الملازم الثاني بهزاد سيفي الذي ينتمي إلى كتيبة المدفعية 56، ومحمد رضا إبراهيمي من محافظة أصفهان الإيرانية.
وقالت تقارير أخرى يوم 17 تشرين الثاني (نوفمبر)، إن عضواً آخر في الحرس الثوري الإيراني، يدعى ستار عباسي، من مدينة كرمنشاه في غربي إيران قد قتل في سورية.
وكانت منطقة اللاذقية التي تعد معقل الرئيس الأسد في غربي سورية مسرحاً لاشتباكات رئيسية مستمرة بين مجموعات المعارضة السورية والجيش النظامي السوري -المدعوم من إيران- في جبل الأكراد. وقتل ثمانية من جنود الأسد، بمن فيهم ضابطان، في هذه المعارك. وكان أفراد الجيش الثمانية قد قتلوا في منطقة جيب عمار، أحدهم برتبة نقيب وآخر برتبة ملازم ثانٍ.
وتجدر الإشارة إلى أن مرتزقة الأسد وأفراد الجيش التابعين للوحدة التي تسمى “قوة الدفاع الوطني” قد شاركوا أيضاً في هذه الاشتباكات. وشوهد عدد من هؤلاء المقاتلين بين القتلى.
كل هذا مجرد رأس جبل الجليد حول الكيفية التي تمنى بها إيران بتراجعات شديدة وقاسية في سورية. ومع ذلك، نجد إيران مجبرة على الاستمرار في متابعة هذا الجهد، واستثمار المزيد من مليارات الدولارات في الأسد، وإرسال المزيد من النفط الخام إلى دمشق وتقديم المزيد من المعدات العسكرية، وهكذا.
مع ذلك، يبدو أن اتجاه تيار المد ينقلب، وما هي إلا مسألة وقت حتى يدرك الملالي في طهران أن الاستمرار في دعمهم للأسد في سورية لا يساوي الثمن الذي يدفعونه. ولعل المفارقة التي ينطوي عليها كل هذا هي أن على إيران الاستمرار في المراهنة بكل هذا من أجل الأسد، وهي تدرك جيداً أن الخسارة النهائية لسورية ستكون بداية نهاية مؤسستها الخاصة وراء في الوطن.

ترجمة: عبدالرحمن الحسيني

صحيفة الغد الأردنية