يرجح محللون أن يؤدي العزوف عن المخاطرة إلى تخلف شركات التعدين الغربية الكبرى في سباق الاستفادة من احتياطيات أفريقيا من المواد الخام الحيوية التي تسارعت الآن بعد أن بدأت دول الخليج العربي محاكاة سنوات من الاستثمار الصيني في القارة.
كيب تاون (جنوب أفريقيا) – تقدم القوى النفطية في الشرق الأوسط وخاصة السعودية والإمارات، نفسها كمنافس قوي، إلى جانب الصينيين، في الوصول إلى ثروات المعادن المهمة التي تزخر بها أفريقيا.
وسيكون جذب الاستثمار اللازم لتطوير مشاريع النحاس والكوبالت والنيكل والليثيوم على رأس جدول الأعمال المديرين التنفيذيين والمصرفيين والمسؤولين الحكوميين في كيب تاون بجنوب أفريقيا لحضور مؤتمر التعدين الأفريقي السنوي الأسبوع المقبل.
وبالنسبة إلى شركات التعدين الكبرى المدرجة، تكمن المشكلة في إقناع أعضاء مجلس الإدارة الحريصين على إبقاء المساهمين إلى جانبهم، وهي قضية لا تواجهها الصين والصناديق المدعومة من الدولة في الخليج، والتي لديها تفويض بالتنويع بعيدا عن النفط والغاز.
وكانت فرق الاندماج والاستحواذ التابعة لشركات التعدين الكبرى مشغولة بالتفاوض في دول من بينها جمهورية الكونغو الديمقراطية، أكبر مورد للكوبالت في العالم، وثالث أكبر مصدر للنحاس.
لكنّ مصدرين مطلعين على الأمر أكدا لوكالة رويترز أن الصفقات المحتملة متوقفة في مجالس إدارة شركتي ريو تينتو وبي.أتش.بي غروب.
وقال المصدران اللذان طلبا عدم الكشف عن هويتهما لأنهما غير مخولين بالتحدث علنا، إن “مجالس الإدارة كانت على دراية بتركيز المساهمين على المخاوف البيئية والاجتماعية والحوكمة والفضائح السابقة في البلدان التي يُنظر إليها على أنها عالية المخاطر”.
ويرى خبراء القطاع أن احتياطيات دولة مثل الكونغو، مهما كانت ضرورية للانتقال إلى طاقة أنظف، يجب أن تتم مقارنتها بالصراع السياسي، وخطر الفساد، والافتقار إلى البنية التحتية الحيوية.
وأوضح المصدران أن ريو تينتو وبي.أتش.بي أجرتا محادثات غير رسمية مع شركة إيفانهو مينس لاستكشاف الشراكات في مشروع ويستيرن فورلاند في الكونغو والتابع لشركة التعدين المدرجة في كندا، وهو أحد أغنى مكامن النحاس في العالم.
وتمتلك أفريقيا نحو 30 في المئة من الاحتياطيات المعدنية في العالم، ويُعَد العديد منها ضروريا للتقنيات المتقدمة ومنخفضة الكربون.
وكشف مصدر ثالث أن شركة أنجلو أميركان سعت أيضًا إلى إقامة مشاريع في الكونغو، وأبدت اهتماما بأصول مجموعة الموارد الأوراسية (إي.آر.جي) في البلاد، وأن الصفقة المحتملة ربما تكون قد تعثرت حيث تحاول الشركة السيطرة على التكاليف.
وقال باتريك إدموند المستشار الإداري لأفريقيا في شركة جي إس الاستشارية إن “أيّ شركة تعدين تعلم أنها ستواجه أسئلة صعبة من المساهمين إذا انتقلت إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية”.
وأضاف “ستحتاج الشركات الكبرى بشكل خاص إلى التفكير بعناية شديدة حول كيفية الإجابة على أسئلة المستثمرين، وكيفية بناء إستراتيجيات لتحقيق النجاح في جمهورية الكونغو الديمقراطية بطريقة تفوق فيها مكافآت المساهمين المخاطر”.
وفي السنوات الأخيرة برزت الكونغو الديمقراطية كأحد أهم اللاعبين فهي تنتج ما يقدر بنحو 70 في المئة من احتياطات الكوبالت في العالم وبحصة تبلغ 41 في المئة مع إنتاج نحو 95 ألف طن سنويا، ولطالما وصفتها حكومتها بأنها “منظمة أوبك للكوبالت”.
ويحظى الكوبالت باهتمام كبير بعدما أعلن عملاق تصنيع السيارات الألمانية بي.أم.دبليو في 2021 أنه سيشتري هذا المعدن مباشرة من المناجم في المغرب، التي تعد تاسع منتج لهذا المعدن على مستوى العالم.
30 في المئة من الاحتياطيات في العالم تملكها أفريقيا وهي مهمة للتكنولوجيا المتقدمة
وهناك كميات متزايدة من النحاس والكوبالت تصل قيمتها إلى 1.5 مليار دولار تقريبا، عالقة في الكونغو الديمقراطية، وسط نزاع دائر حول مستقبل أحد أكبر مناجم التعدين التي تخدم صناعة البطاريات على مستوى العالم.
وهذه الكميات الهائلة من المعدنين، تمتلكها شركة كموك غروب الصينية، التي تخوض منذ مطلع 2023 نزاعا مع شريكتها الكونغولية المملوكة للحكومة، حول مدفوعات حقوق الامتياز في المنجم.
وبعد انتظار دام ما يقرب من ثلاثة عقود، بدأت شركة ريو تينتو في تطوير مشروع سيماندو العملاق لخام الحديد في غينيا، وكادت تتخلى عن الوديعة في عام 2016، مشيرة إلى مخاطر العمل في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.
وبالتعاون مع بي.أتش.بي وأنجلو، تدعم ريو أيضا شركات التنقيب الأصغر في أنجولا وملاوي ورواندا وتنزانيا وزامبيا، لكن الشركات الكبرى تجنبت إبرام صفقات أكبر.
وتتضخّم تكاليف الحصول على حصة بسبب الرغبة المتزايدة في الحصول على المعادن المهمة اللازمة للانتقال إلى اقتصاد أكثر مراعاة للبيئة، والذي يتمتع بوفرة فيه الحزام النحاسي في أفريقيا، الذي يمتد من جنوب الكونغو وزامبيا إلى بوتسوانا.
وتعتبر القوى النفطية السعودية والإمارات من بين الدول الأكثر قدرة على تحمل المخاطر. وبالنسبة إلى الشركات الغربية، فإن البحث عن الأصول أمر معقد بسبب التحديات الناشئة في المناطق القضائية التي كانت تعتبر في السابق أكثر أمانا.
وتبدو مشاريع تعدين النحاس والليثيوم في أميركا اللاتينية، على سبيل المثال، مهددة بعوامل تشمل الظروف الجوية السيئة، ونقص المياه، وسوء نوعية الخام، والتحديات التنظيمية التي أجبرت في بعض الأحيان المناجم القائمة على الإغلاق.
وفي الوقت نفسه، عززت شركات التعدين الصينية قبضتها على الكونغو، وتعمل على توسيع الاستثمار في جميع أنحاء أفريقيا.
وفي أواخر العام الماضي، وافقت شركة أم.أم.جي الصينية المدعومة من الدولة على إنفاق 1.9 مليار دولار لشراء منجم خويماكاو للنحاس في بوتسوانا.
وقالت مارنا كلويت، الرئيس التنفيذي لشركة إيفانهو، لرويترز، إن السعودية “لاعب محايد ذو محفظة كبيرة”، ومن الممكن أن تكون مع الإمارات “مصدر تمويل لأفريقيا”.
وتمتلك شركة شيجين مينينغ الصينية حصة قدرها 39.6 في المئة في منجم خويماكاو للنحاس التابع لشركة إيفانهو.
وقالت إيفانهو، التي أسسها الملياردير روبرت فريدلاند، في ديسمبر الماضي، إن المستثمرين المهتمين بالمساعدة في تطوير مشروعها في ويسترن فورلاند يتراوحون بين “الشركات الدولية الكبرى وصناديق الثروة السيادية”.
وشكلت شركة معادن السعودية العام الماضي مشروعا مشتركا مع شركة إيفانهو إلكتريك لمشاريع التعدين في السعودية. كما أنشأت صندوقا لتصدير خام الحديد والليثيوم والنحاس والنيكل إلى الخارج.
وقال روبرت ويلت الرئيس التنفيذي لمعادن لرويترز “يتعين علينا أن نستفيد من ميزاتنا التنافسية الطبيعية لمحاولة صياغة إستراتيجية تعدين تمتد من آسيا إلى طرف الجنوب الأفريقي”.
ووافقت إحدى وحدات الشركة القابضة الدولية العملاقة في أبوظبي على استثمار 1.1 مليار دولار في مناجم موباني للنحاس في زامبيا مقابل حصة قدرها 51 في المئة.
العرب