أبوظبي – تسعى إيران من وراء الإعلان عن نجاحها في إطلاق قمر “ثريا” لأول مرة إلى مدارات أبعد من 500 كيلومتر إلى مواصلة استعراض القوة من خلال اختبار الصاروخ “قائم 100” في ظل تصعيدها المتنامي مع الولايات المتحدة وإسرائيل، في ظل تداعيات الحرب في قطاع غزة.
وجاء في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن الخطوة تأتي أيضا للتأكيد أن البرنامج الصاروخي الإيراني بمثابة “خط أحمر” بالنسبة للنظام الإيراني، وأن استمرار تطويره هو الضمانة الإستراتيجية لمواجهة التهديدات الخارجية على إيران من جهة، وتعزيز ثقة الداخل في النظام من جهة أخرى، خاصة في ظل الإخفاقات الأمنية التي واجهتها إيران مؤخرا داخليا وخارجيا، ولحشد الإيرانيين في الانتخابات المقبلة لمجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء في أول مارس 2024، لرفع مستوى المشاركة الشعبية التي يعوّل عليها النظام في توجيه رسائل إلى الغرب بأنه ما زال يمتلك قاعدة شعبية قوية في الداخل.
ويقول محللون إنه ثمّة دلالات تُؤشر عليها عملية إطلاق إيران القمر الاصطناعي “ثريا”، يمكن الوقوف على أبرزها.
إيران تهدف إلى وضع الغرب أمام خيارين؛ إما العودة للتفاوض وإما استمرار تصعيدها على المستويات كافة
ويعكس الإطلاق الناجح للقمر الاصطناعي “ثريا”، تطورا في البرنامج الفضائي لإيران، إذ إنه بالمقارنة بالأقمار الاصطناعية السابقة “نور 1، ونور 2، ونور 3″، والتي تم وضعها في مدار حوالي 450 كيلومترا، فإن القمر “ثريا” قد تم وضعه بنجاح في مدار 750 كيلومترا، بزيادة قدرها 300 كيلومتر فوق الأرض عن مدارات الأقمار الاصطناعية الإيرانية الأخرى. هذا إلى جانب أنه تم إطلاقه باستخدام صاروخ “قائم 100” ثلاثي المراحل والذي يعمل بالوقود الصلب، في تطور عن الصواريخ الباليستية التي كان يتم إطلاقها من قبل باستخدام الصواريخ التي تعمل بمزيج من الوقود الصلب والسائل، أي أقل دقة وتطورا.
وتحاول إيران عبر إطلاق القمر “ثريا” باستخدام الصاروخ “قائم 100″، تأكيد أن الحظر الأممي الذي كان مفروضا على برنامجها الصاروخي، قد انتهى عمليا في الثامن عشر من أكتوبر 2023، بموجب نص الاتفاق النووي الموقع في 2015.
ورغم عدم التزام إيران ابتداء بهذا الحظر، في سياق استمرار تطوير صواريخها الباليستية، بحجة أنها غير مُصممة لحمل رؤوس نووية، فإن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في مايو 2018، بالإضافة إلى إعلان الترويكا الأوروبية المشاركة في الاتفاق (بريطانيا وألمانيا وفرنسا)، في أكتوبر 2023، استمرار العقوبات المفروضة على إيران، بشأن برنامجيها للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، يعوق رفع الحظر- فعليا – عن إيران.
وسعت طهران، من خلال التجربة الفضائية الأخيرة، إلى استغلال الانشغال الدولي والإقليمي بالحرب في غزة وأوكرانيا، لتقوم بتطوير برنامجها الفضائي، الذي يثير المخاوف، خاصة لدى الغرب، من إمكانية أن يكون ستارا تخفي من خلاله إيران، تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية في المستقبل، باستخدام نفس التكنولوجيات. إذ يرى الغرب أن تطوير إيران لتلك الصواريخ مُخالف للقرار الأممي 2231 الخاص بالاتفاق النووي، والذي يحظر على إيران تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية.
ويحمل الإعلان الإيراني عن النجاح في إطلاق القمر الاصطناعي الجديد “ثريا” عدة رسائل.
وتأتي تلك الخطوة من جانب طهران، في سياق محاولات الرد على التهديدات الإسرائيلية والأميركية المُتنامية ضد إيران، وأذرعها، خلال الفترة الأخيرة. إذ جاء الإعلان الإيراني، في ذات اليوم، الذي اغتالت فيه إسرائيل 5 مستشارين للحرس الثوري في غارة جوية على حي المزة بالعاصمة السورية دمشق، وهو ما يأتي في أعقاب اغتيال القائد العسكري البارز رضي موسوي، في غارة إسرائيلية على منطقة الزينبية في دمشق، في الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي. وبالتوازي، فإن الغارات الأميركية قد تكثفت خلال الفترة الأخيرة ضد الميليشيات الموالية لإيران، في سوريا والعراق، وأسفرت عن سقوط عناصر وتدمير بُنى تحتية خاصة بتلك الميليشيات.
وعليه، فقد سعت طهران إلى إيصال رسالة مفادها أن عدم الرد المباشر على التهديدات التي توجه ضدها وضد أذرعها، لا يعني عدم قدرتها على الرد، وأنها قادرة على ردع أي محاولة من شأنها تهديد أمنها وسيادتها، خاصة مع تزايد التهديدات الإسرائيلية بإمكانية توجيه ضربات مباشرة لإيران.
قدرة صاروخية مخيفة
ويأتي الإعلان عن نجاح وضع القمر الاصطناعي “ثريا” في مدار 750 كيلومترا، في إطار محاولات النظام الإيراني استيعاب تداعيات تفجيري “كرمان” اللذين وقعا في الثالث من يناير 2024، وأسفرا عن مقتل نحو 100 شخص، وإصابة العشرات، وهما الهجومان اللذان استهدفا مسيرة لإحياء ذكرى مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
وسعت طهران لتفادي إثارة الغضب الشعبي جراء الإخفاق في تأمين المسيرات من وقوع الانفجارين، واللذين وقعا بالقرب من مقبرة “سليماني”، خاصة في ضوء الأعداد الكبيرة للقتلى والمصابين، ومن ثم فإن إطلاق القمر “ثريا” يأتي كرسالة مزدوجة للداخل، بأن النظام ما زال قادرا على تحقيق نجاحات لصرف نظر الداخل عن حادث كرمان، وفي نفس الوقت لديه القدرة والقوة على بسط السيطرة على زمام الأمور في الداخل.
وتؤشر الكتلة الكبيرة نسبيا للقمر الاصطناعي “ثريا” التي تمثل نحو 50 كيلوغراما – وفق تصريح وزير الاتصالات الإيراني، إلى جانب أن موقع إطلاق القمر كان من محطة “شاهرود”، التي تقع على بعد حوالي 350 كيلومترا شرق طهران، وهي محطة مخصصة لإطلاق الأقمار الاصطناعية ذات الاستخدام العسكري، بخلاف محطة الإمام الخميني، وقد تم إطلاق الأقمار “نور” بنسخها الثلاث من محطة “شاهرود”، على إثارة الشكوك حول المهمة الحقيقية للقمر “ثريا”، وأنه قد يكون لاستخدامات الرصد والترقب للمواقع المعادية، خاصة وأن الحرس الثوري الإيراني قد شارك في إطلاقه، وبحضور قيادات الحرس الثوري، وهو ما يعزز فرضية أن القمر له أهداف عسكرية.
وأتى ذلك الإعلان من جانب إيران، في الوقت الذي تبعث فيه واشنطن إشارات بشأن إمكانية عودة المفاوضات النووية المتوقفة مع إيران، وأن الخروج من الاتفاق النووي كان خطأ كبيرا، في الوقت الذي بعثت فيه إيران أيضا برسائل إيجابية في هذا الشأن، وقالت إنها مستعدة للعودة إلى المفاوضات مع مراعاة “خطوطها الحمراء”، بل إن بعض الأوساط قد اعتبرت أن موقف إيران المتجنب للانخراط بشكل مباشر في الصراع الدائر سواء في غزة أم في اليمن ضد الحوثيين، هو محاولة إيرانية للتهدئة مع الولايات المتحدة، بغية استئناف المفاوضات النووية معها.
ولذا فقد تهدف إيران، من جراء تلك الإجراءات التصعيدية، إلى محاولة الدفع لتحريك ملف المفاوضات المتجمد منذ سبتمبر 2022، ووضع الغرب أمام خيارين؛ إما العودة للتفاوض مع إيران وإما استمرار تصعيدها على المستويات كافة، إلا أن ذلك الأمر محفوف بمخاطر عدم استجابة الغرب لتلك الرسائل، واستئناف الضغط على الجانب الإيراني.
العرب