حل أزمات الاقتصاد المصري بالمسكّنات يرهق الحكومة والمواطنين

حل أزمات الاقتصاد المصري بالمسكّنات يرهق الحكومة والمواطنين

القاهرة – تحاول الحكومة المصرية تطويق الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد من خلال مسكنات تمكنها من تهدئة غضب المواطنين بسبب فوران الأسواق والارتفاع المتواصل في أسعار غالبية السلع، لكنها فوجئت أخيرا بمشكلة زيادة سحب الأفراد أموالهم لشراء كميات من الذهب والدولار والعقارات، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعارها.

وارتفعت السندات السيادية المصرية الدولارية بأكثر من سنت الجمعة بعد أن قال صندوق النقد الدولي إنه اتفق مع الحكومة على المكونات الأساسية لبرنامج إصلاح اقتصادي، وبالتالي اقتراب التوصل إلى زيادة قرض تبلغ قيمته ثلاثة مليارات دولار.

وحصلت مصر على قرض من صندوق النقد الدولي بـ3 مليارات دولار في ديسمبر 2022، على شرائح لـ46 شهرا، وتمكنت المفاوضات مع الصندوق خلال زيارة وفد اقتصادي مصري إلى واشنطن قبل نهاية العام الماضي من التوصل إلى تفاهمات حول رفع قيمة القرض من 3 إلى 7 مليارات دولار بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الدولة.

ويرى صندوق النقد أن تحرير سعر الجنيه المصري يلعب دورا مهما في حماية الاقتصاد وتعزيز التصدير، وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن الحكومة تعمل على إنهاء مخطط تنمية مدينة رأس الحكمة على البحر المتوسط بالشراكة مع كيانات عالمية ذات خبرة فنية واسعة وقدرة تمويلية كبيرة لوضع المدينة على خارطة الاستثمار العالمي.

جاءت هذه الإشارة متزامنة مع تأكيد أن هناك 22 مليار دولار سوف تتحصل عليها الدولة من وراء هذا المشروع في غضون خمس سنوات، وبالتالي الإيحاء بقرب القضاء على أزمة شُح الدولار المزمنة.

وعقد البنك المركزي المصري اجتماعا الخميس لمناقشة السياسة النقدية وضبط أوجه خلل فيها أدت إلى حدوث مشاكل ألقت بظلالها على سوق العملات الأجنبية، ورفع البنك في اجتماعه أسعار الفائدة 200 نقطة أساس، في خطوة تشير إلى خفض وشيك لقيمة العملة.

واستوجبت عملية محاصرة الظواهر السلبية إصدار البنك المركزي تعميما لوضع حد أقصى للسحب اليومي من الحساب الواحد للزبون أو جميع حساباته وهو 150 ألف جنيه، أي ما يعادل خمسة آلاف دولار بالسعر الرسمي، وألفي دولار في السوق الموازية (السوق السوداء) التي باتت تشكل أزمة للحكومة المصرية على أصعدة تدفق الاستثمار والاتجار بالدولار وارتفاع الأسعار وصعوبة السيطرة عليها.

وأكد البنك المركزي ارتفاع حجم السيولة المحلية لدى القطاع المصرفي إلى 8.877 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر الماضي، مقابل 7.402 تريليون جنيه بنهاية العام السابق له، وذلك بارتفاع قدره 1.475 تريليون جنيه، بزيادة بلغت نحو 20 في المئة، وهو ما يؤشر على الثقة بالقطاع المصرفي.

وتتعامل الحكومة بالقطعة مع الاقتصاد وتبحث عن حلول لكل أزمة بشكل منفرد، ما جعلها غير قادرة على إيجاد حل ناجز، حيث تتبنى خطوات تحاول بها معالجة أوجه الخلل العاجل وتهدئة غضب مواطنين يئنون تحت وطأة تدهور أحوالهم المعيشية.

◙ القاهرة تأخرت في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، وأخفقت في معالجة قضية العملة مبكرا، لتجد نفسها في وضع حرج

وقال الخبير الاقتصادي علي الإدريسي إن “الحكومة المصرية تأخرت في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، وأخفقت في معالجة قضية العملات الأجنبية مبكرا، حتى وضعت نفسها في وضع حرج للغاية، وهي مضطرة حاليا إلى تعويم الجنيه، لأنه يصعب استمرار التعامل بالدولار في السوق الموازية”، واصفًا هذا الوضع بـ”المصيبة”.

وأشار لـ”العرب” إلى أن وجود سعرين للعملة هو واقع “كارثي”، لأنه يكبد الاقتصاد القومي خسائر فادحة، ويجعل الدولة بيئة طاردة للاستثمار، لأنها سوف تظل عاجزة عن توفير الدولار للمستثمرين المحليين والأجانب وتمكينهم من تحويل أرباحهم إلى الخارج.

وشدد على أن تأخير الحلول فاقم الأزمة، وكبّد البلاد خسائر، ولو قررت الحكومة تعويم الجنيه منذ عام لما وصلت أسعار الدولار في السوق السوداء إلى مستوى قياسي.

ولفت إلى أن الأزمة أثرت على المواطنين أيضا، فقد أصبح همهم الأكبر توفير الحاجات الأساسية من الغذاء، ولم يعد هناك وقت للبحث عن حاجات أخرى في ظل عدم استقرار أسعار الكثير من السلع وارتفاعها باستمرار في الأسواق.

وأكد الإدريسي لـ”العرب” أن احتدام الأزمة الاقتصادية دفع الحكومة إلى التعامل معها وفق منطق “فقه الأولويات”، لذلك تتجه إلى ترشيد الإنفاق الحكومي والاستثماري ومراجعة مدى جدوى بعض المشروعات التي تقوم بتنفيذها، وخفض تمويل الخزانة العامة بالخطة الاستثمارية للعام المالي الجاري، وهذه الإجراءات تأخرت كثيرًا.

ويقول خبراء اقتصاد إن الحكومة تتحايل على المشاكل التي تعصف بالدولة، وتعزف عن تدشين تصورات تعالج الأزمة من جذورها وتنهي تشوهات عدة في المعاملات الضريبية وتساوي بين الشركات العامة والخاصة وتوقف توسع الجيش في بعض المجالات الاقتصادية واحتكاره لبعضها، وكلها عوامل أثرت سلبا على جذب استثمارات خارجية كبيرة تنقذ الاقتصاد وتحد من وصوله إلى الهاوية.

وأكد البنك المركزي الأربعاء أن الحد الأقصى للسحب ينطبق على النقدي وعلى الشيكات مع عدم وجود استثناء لسحب أكثر من المبلغ المحدد بجميع حسابات الزبون، إلا بعد الحصول على موافقة من البنك المركزي بدلا من مدراء البنوك الفرعية.

وقرر محافظ البنك المركزي حسن عبدالله في نوفمبر 2022 زيادة الحد الأقصى لعمليات السحب النقدي اليومي للأفراد والشركات من 50 إلى 150 ألف جنيه والإبقاء على الحد الأقصى للسحب اليومي من ماكينات الصراف الآلي بواقع 20 ألف جنيه.

وأكد رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية خالد الشافعي أن قرار البنك المركزي الذي يقضي بالتمسك بحد سحب معين جاء لتخفيف الضغط الذي شهدته البنوك الأيام الماضية من المودعين لسحب أموال ضخمة، وسهل لهم مدراء بنوك فرعية رفع الحد الأقصى.

وأضاف لـ”العرب” أن “التشدد في تطبيق هذا القرار كان أحد أسباب التراجع السريع في سعر الجنيه بالسوق الموازية مقابل الدولار، حيث زاد الاستثمار في الأخير بالتوازي مع الذهب، من هنا يحاول البنك المركزي ضبط الأسواق، خاصة أنه يرى عدم الحاجة إلى عمليات سحب ضخمة مع إجراءات دعم التحول الرقمي”.

وأوضح الشافعي أن البنك المركزي يسعى لمحاصرة السوق الموازية، فلدى بعض المضاربين إمكانيات أحدثت قلقا في مصر أخيرا، وتقليص وجود سيولة مالية خارج البنوك، وأوجد عدم التوصل إلى تفاهمات نهائية مع صندوق النقد ضرورة لاتخاذ خطوات تخفف من حدة الهبوط السريع للجنيه في السوق الموازية.

وأشار إلى أن البنك المركزي لا يملك قرارات يتخذها سوى تثبيت أو رفع سعر الفائدة مع استمرار مفاوضات الحصول على قرض الصندوق، ما يجعله حريصا على ضبط السوق المصرفية ووقف العشوائية التي تضرب الاقتصاد المصري.

العرب