المساومة الإيرانية والتصعيد الأمريكي

المساومة الإيرانية والتصعيد الأمريكي

أعلنت القيادة الوسطى للقوات الأمريكية أنها قامت فجر يوم السبت الثالث من شباط 2024 بقصف 85 موقعاً دخل الأراضي السورية في بلدات (الميادين ودير الزور البوكمال والشبلي وعياش) وفي منطقتي القائم وعكاشات بمحافظة الأنبار في العراق مستخدمة صواريخ وقاذفـات وقنابل أطلقت عبر طائرات حربية نوع B52 و B1 الإستراتيجية بعيدة المدى رداً على الهجوم الذي طال القاعدة الأمريكية ( برج 22) بطائرة مسيرة أدت إلى مقتل ثلاثة جنود وجرح أربعين أخرين في 28 كانون ثاني 2024.
يأتي الهجوم الأمريكي في خضم تطورات سياسية وأحداث ميدانية عسكرية تشهدها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ومنها المواجهات في قطاع غزة بين حركة حماس والقوات الإسرائيلية واستمرار الفعاليات الضربات التي تقومها الفصائل المسلحة المرتبطة بالنظام الإيراني على المواقع والقواعد التابعة للجيش الأمريكي وقيادة التحالف الدولي في العراق وسوريا والتي بلغت زهاء (165) تعرض منذ أحداث السابع من تشرين الأول 2023، ومثلت هذه العمليات حالة من التصعيد السياسي والردع الميداني الذي واجهته القوات الأمريكية بعملية واسعة النطاق ولكنها استبعدت أي أهداف داخل العمق الإيراني في محاولة منها بعدم توسيع دائرة المواجهة في المنطقة والاكتفاء بأهداف محددة استهدفت منشأت للقيادة والسيطرة والاستخبارات ومخازن للطائرات المسيرة تابعة للفصـائل الإيرانية ومرافق لوجستية لتوريد الذخائر والمعدات لها .
جاءت العمليات الأمريكية رداً على حالة التصعيد التي بدأتها الأذرع والوكلاء التابعين لقيادة فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني وابتعاد إيران عن سياسة حافة الهاوية التي تتبعها لحماية أمنها الداخلي والنأي بأي مواجهة مباشرة مع الولايات القوات الأمريكية بإدارة وحدة الساحات واعتماد الفصائل المسلحة خط دفاع عن أمنها القومي بما يحقق لها غايتها وأهدافها ومكاسبها المتحققة في المضي بتنفيذ مشروعها في الهيمنة والنفوذ في بعض عواصم الاقطار العربية عبر توجيه حزب الله بقصف القواعد الأمريكية في سوريا واستهداف الأمن الإقليمي وتعطيل الملاحة في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن بصواريخ إيرانية على أيدي الحوثيين واستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة عبر الفصائل المسلحة في العراق وأخيراً التعرض على القاعدة الامريكية بالقرب من الحدود السورية الأردنية.
تأتي هذه الأحداث في سياق الابتزاز الذي يمارسه النظام الإيراني تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بغية الوصول إلى تسويات جديدة وتفاهمات عديدة تتعلق بتطور الأوضاع القائمة في قطاع غزة وتحقيق فوائد سياسية ومكاسب ميدانية لأي تسوية قادمة في الشأن الفلسطيني وليكون لإيران دوراً فيها ومكاناً في سياق الحفاظ على حركة حماس وابقاء التأثير السياسي الإيراني على توجهاتها وفعالياتها وهو الأمر الذي تستخدمه إيران لأشعار الإدارة الأمريكية وحلفائها بأنها لا زالت ممسكة بأدوات التأثير على حماس كونها ترتبط معها بتحالف وعلاقات استراتيجية ولها القدرة على إعادة تموضعها من جديد وإعادة الاعتبار للمفهوم الخاص بوحدة الساحات وتفعيل دورها في المنطقة اذا لم تأخذ الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتبار الدور الإقليمي للنظام الإيراني وأنه يمتلك القدرة على إيقاف فعاليات الحوثيين واجراءاتهم في منطقة البحر الأحمر عندما تتمكن القوى الدولية والإقليمية من تحقيق بنود الهدنة المقترحة التي نوقشت في العاصمة الفرنسية (باريس) قبل أيام بخصوص إيقاف القتال في غزة وتبادل الأسرى وإدخال المراد الطبية والغذائية للأهالي، وسيبقى هذا الوضع مرهون بالدور الإيراني الذي يعمل على أن يكون فاعلاً في أي تحرك سياسي قادم على الميدان الفلسطيني، ولهذا ستستمر إيران في توسيع دائرة الدعم العسكري والمعنوي للحوثيين لإبقاء حالة التوتر والتأثير على الأمن الإقليمي وطرق التجارة الدولية في المضايق المائية واستهداف المصالح الأمريكية والبريطانية اذا لم تتحقق غايتها في الظفر بمكاسب جديدة في المستقبل السياسي لقطاع غزة.
ان النظام الإيراني يخطأ عندما يعتقد ان الرسائل الموجهه اليه من الأمريكان بعدم رغبتهم في توسيع دائرة الحرب بالمنطقة والعمل على إيقاف الفعاليات التي تقوم بها الفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والابتعاد عن أي مواجهة عسكرية مباشرة معه، أنها تعني له الخوف والتردد الأمريكي في التصعيد والتهديد وان هذه الرسائل تشعره بالقوة والفخر الذي يعتز به وإنما تعني عدم جدية القوات الامريكية في المواجهة المباشرة معه عبر اعتبارات أهمها رغبة الرئيس جو بايدن في عدم توسيع دائرة الحرب بالمنطقة بسبب اهتمامه بالمحافظة على انسيابية دوره في الانتخابات الرئاسية القادمة و محاولة إنهاء ملف البرنامج النووي الإيراني ومعالجة الأوضاع القائمة في غزة ودعمه لإسرائيل، وأن مجمل هذه الأهداف الرئاسية انها تمثل صورة للأحداث الخارجية وما يتعلق بالقرارات العسكرية التي من الممكن أن تتطور لتلعب دوراً سلبياً او ايجابياً في التأثير على حملته الانتخابي، وهنا تبرز أهمية القرار الأمريكي الموجه ضد إيران والتأثير على دورها وإيقاف نشاطها واللعبة التي تديرها واعتماد سياسة مبنية على الحقائق الميدانية والتي تبررها طبيعة الضربة العسكرية وحجم تأثيرها ودقتها وقدرة إيران على التكيف ومدى صمودها أمام الضغط الأمريكي.
تدرك إدارة الرئيس جو بايدن أن الموقف الرسمي الإيراني لا يتحمل مثل هذه الرسائل كونه يستخدم اسلوب التحريض السري والعمل على دعم الفصائل المسلحة وتمويلها وتسليحها لمحاربة الوجود الأمريكي وإخراجه من سوريا والعراق والسعي لأحكام سيطرته الكاملة على العراق وجنى ثمار استراتيجيتها ورؤيتها لازالة أمريكا من المنطقة والحلول مكانها وأصبحت عملية التخفي في دعم الفصائل المسلحة عملية مكشوفة.
يسعى النظام الإيراني على ابقاء حالة أراضيه وعمقه الداخلي بعيداً عن أي هجمات ليبقى أبناء الشعب العربي هم من يدفعون ثمن السلوك والمنهج الإيراني لتجني إيران عوائدها وفوائدها من الميدان.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية