بغداد- لم تتمكن الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة لمقرات عسكرية لميليشيات تتبع إيران في المناطق الصحراوية من العراق وسوريا من أن تصل إلى مستوى الهجمات الإسرائيلية الدقيقة التي طالت كبار قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا مؤخرا.
وبدت الضربات هامشية ومفصلة خصيصا لمنع اجتذاب أيّ رد فعل إيراني ورافقتها تصريحات أميركية تؤكد عدم رغبة واشنطن بأن يمتد الصراع في المنطقة ليشمل إيران.
وما حد من مفعول هذه الضربات أن الولايات المتحدة أبطأت في الرد ما سمح للميليشيات بأخذ الوقت الكافي لإجراء عمليات إخلاء المقرات والمعسكرات.
ونفذت الولايات المتحدة غارات جوية في العراق وسوريا على أكثر من 85 هدفا مرتبطا بالحرس الثوري الإيراني والفصائل التي تدعمها طهران وسط أنباء عن مقتل نحو 40 شخصا.
وجاءت الضربات ردا على هجوم استهدف قوات أميركية وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود.
وهذه الضربات، التي شملت استخدام قاذفات بي – 1 بعيدة المدى انطلقت من الولايات المتحدة، هي الأولى في الرد على الهجوم الذي نفذه مسلحون مدعومون من إيران مطلع الأسبوع الماضي في الأردن.
ويُتوقع تنفيذ المزيد من العمليات العسكرية الأميركية في الأيام المقبلة.
وتزيد الضربات الأميركية من حدة الصراع الدائر في الشرق الأوسط نتيجة اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس بعد هجوم السابع من أكتوبر.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في بيان إن الهجمات الأميركية تمثل “مغامرة وخطأ إستراتيجيا آخر ترتكبه الحكومة الأميركية ولا نتيجة لها سوى ازدياد التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة”.
واستدعى العراق القائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد لتقديم احتجاج رسمي.
وقالت وزارة الخارجية العراقية في بيان “العراق أكد مجددا رفضه أن تكون أراضيه ساحة لتصفية الحسابات بين الدول المتخاصمة؛ إذ أن بلدنا ليس المكان المناسب لإرسال الرسائل واستعراض القوة بين المتخاصمين”.
وأعلنت قوات الحشد الشعبي العراقية، وهي قوة أمنية تابعة للدولة تضم جماعات مدعومة من إيران، أن 16 من أعضائها قتلوا بينهم مقاتلون ومسعفون. وقالت الحكومة في وقت سابق إن هناك مدنيين من بين 16 قتيلا سقطوا.
وقال رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يقدم تقارير عن الحرب في سوريا إن الغارات هناك أسفرت عن مقتل 23 شخصا كانوا يحرسون المواقع المستهدفة.
وقال اللفتنانت جنرال دوجلاس سيمز، مدير العمليات بهيئة الأركان الأميركية المشتركة، إن الضربات كانت ناجحة على ما يبدو وأدت إلى انفجارات ثانوية كبيرة عندما أصاب القصف أسلحة الفصائل.
وذكر أن الضربات نُفذت مع العلم باحتمال سقوط قتلى بين الموجودين في المنشآت.
ورغم شن هذه الضربات، تقول وزارة الدفاع الأميركية إنها لا تريد حربا مع إيران ولا تعتقد أن طهران تريد حربا كذلك، على الرغم من تزايد ضغوط الجمهوريين على الرئيس الأميركي جو بايدن لتوجيه ضربة مباشرة لإيران.
وتسعى إيران، التي تدعم حماس، إلى النأي بنفسها عن الصراع الدائر حاليا في الشرق الأوسط رغم دعمها جماعات ضالعة فيه حاليا من لبنان واليمن والعراق وسوريا، ضمن ما يطلق عليه اسم “محور المقاومة” المناهض للمصالح الأميركية والإسرائيلية.
وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بعد الغارات إن بايدن أمر باتخاذ المزيد من الإجراءات ضد الحرس الثوري الإيراني ومن يرتبطون به. وأضاف “هذه بداية ردنا”.
وتابع “لا نريد صراعا في الشرق الأوسط أو أيّ مكان آخر لكن الرئيس وأنا لن نتهاون مع أيّ هجمات على القوات الأميركية”.
وقالت الحكومة العراقية في بيان إن المناطق التي قصفتها الطائرات الأميركية شملت أماكن تتمركز فيها قوات أمن عراقية بالقرب من مواقع مدنية. وأشار البيان إلى مقتل 16 شخصا وإصابة 23 آخرين.
وقال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة أبلغت العراق بالضربات قبل تنفيذها. واتهمت بغداد الولايات المتحدة في وقت لاحق “بالتدليس” قائلة إن مزاعم واشنطن عن التنسيق مع السلطات العراقية “ادعاء كاذب يستهدف تضليل الرأي العام الدولي”.
وأكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الجمعة أن بلاده لن تبدأ حربا لكنها “سترد بقوة” على كل من يحاول أن يستأسد عليها.
وهوّن السفير الإيراني في دمشق حسين أكبري، في تصريحات نقلتها وكالة أنباء فارس شبه الرسمية، من شأن الضربات الجوية ونفى إصابة أهداف مرتبطة بإيران قائلا إن هدفها هو “تدمير البنية التحتية المدنية في سوريا”.
ونددت حماس بالضربات الأميركية وقالت إن واشنطن تصب “الزيت على النار”.
ووصفت بريطانيا الولايات المتحدة بأنها حليفتها “الراسخة” وقالت إنها تدعم حق واشنطن في الرد على الهجمات.
وقال وزير الخارجية البولندي راديك شيكورسكي، لدى وصوله لحضور اجتماع للاتحاد الأوروبي في بروكسل، إن الضربات الأميركية سببها أن وكلاء إيران “يلعبون بالنار”.
وأعلن الجيش الأميركي أن الغارات أصابت أهدافا تشمل مراكز قيادة وتحكم ومنشآت لتخزين صواريخ وقذائف وطائرات مسيّرة وكذلك مرافق للخدمات اللوجستية وسلاسل توريد ذخيرة.
• سباق مميت في كراهية العرب
وفي العراق، ذكر سكان أن عدة غارات أصابت حي السكك في مدينة القائم، وهو منطقة سكنية قال مواطنون إن جماعات مسلحة تستخدمها أيضا لتخزين كميات كبيرة من الأسلحة. وقالت مصادر محلية إن المسلحين غادروا المنطقة واختبأوا خلال الأيام التي تلت الهجوم في الأردن.
وقال خالد وليد، أحد سكان حي السكك، إن الغارات الأميركية والانفجارات الثانوية للذخائر المخزنة في الحي تسببت في أضرار كبيرة.
وتعرضت القوات الأميركية للهجوم أكثر من 160 مرة في العراق وسوريا والأردن منذ السابع من أكتوبر، وكان الهجمات بمزيج من الصواريخ والطائرات المسيرة الانتحارية، مما دفع الولايات المتحدة إلى شن عدة هجمات انتقامية حتى قبل أحدث الغارات.
وقال مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة قدرت أن الطائرة المسيرة التي قتلت الجنود الثلاثة وأصابت أكثر من 40 شخصا آخرين في الأردن إيرانية الصنع.
وقال بايدن “ردنا بدأ اليوم. وسيستمر في الأوقات (التي نحددها) والأماكن التي نختارها”.
وانتقد روجر ويكر كبير الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ بايدن لعدم تكبيد إيران خسائر كبيرة بما يكفي والتأخر كثيرا في الرد.
العرب