الصراع الروسي-الإيراني: اشتباك خفي بسورية حول الاستراتيجيات والزبداني

الصراع الروسي-الإيراني: اشتباك خفي بسورية حول الاستراتيجيات والزبداني

349 (1)
الصراع الروسي ــ الإيراني حول سورية وفيها، متعدد الأشكال. يدور حوله كلام كثير، منه شائعات وما يصنف ضمن الحرب الإعلامية، ومنه الآخر بات حقيقة على الأرض. الأكيد في الخلاف الروسي ــ الإيراني أمران: أولاً ما يتعلق بالاستراتيجيا العامة، والثاني يتصل بملف الزبداني. في النقطة الأولى، تهتمّ روسيا بأن يكسب حليفها النظام السوري أوسع قدر من الأراضي السورية وأن ينتزعها من المعارضة المسلحة، بغض النظر عن أهميتها الاستراتيجية، إيماناً من حكام موسكو بأن العالم لا يأبه بتفاصيل الخارطة وحساسيات المناطق جغرافياً وطائفياً ومذهبياً. فالمهم عند موسكو هو أن يصل وفد النظام السوري إلى المفاوضات المقررة في جنيف، ويقول للعالم إنه يمسك بهذه النسبة المئوية من الأراضي السورية، وهو ما سيكون حاسماً في مصير مفاوضات “الحلّ السلمي”.

في المقابل، تختلف النظرة الإيرانية بالكامل عسكرياً، إذ جلّ ما يهمّ إيران، هو ما بات يعرف بـ”سورية المفيدة”، أو أن يحتفظ النظام وحزب الله والقوات الإيرانية بالجزء “المفيد” من سورية. مفيد من النواحي المذهبية الطائفية، التي يختصرها البعض بمشروع “الدولة العلوية”، التي تمتد من حدود لبنان جنوبي سورية، ودمشق طبعاً وحمص المدينة فحماة وصولاً إلى الشريط الساحلي، وهي المنطقة التي يعتقد العقل الإيراني ــ الحزب اللهي ــ الأسدي أنها قادرة أن تكون دولة مستقلة في أسوأ الحالات. تفكير “استراتيجي” كان رئيس النظام، بشار الأسد، قد اختصره في مقابلة صحافية قبل أشهر بالقول حرفياً إن نظامه ومن يقف خلفه مستعدون للتخلي عن مناطق لمصلحة الاحتفاظ بـ”مناطق أخرى أكثر أهمية”.

هذا في الصراع الاستراتيجي العام بين روسيا وإيران حول سورية وفيها. لكن النقطة الثانية التي تترجم هذا الاختلاف، تتجسد اليوم في بلدة الزبداني المحاذية للحدود اللبنانية. فقد تحولت مدينة الزبداني ومضايا وبقين في ريف دمشق، بساكنيها البالغ عددهم نحو 50 ألف مدني، والمحاصرين منذ شهر يوليو/تموز الماضي، إلى منطقة نزاع بين الإيرانيين ممثلين بـ”حزب الله” اللبناني وبين الروس، تنعكس باصطفاف قوى النظام إلى جانب كل منهما، بحيث يحاول الأخير انتزاع الملف من يد الإيرانيين وفرض وزنه على الأرض، عبر إنجاز تسويات شاملة في المناطق المحاصرة المتاخمة لمناطق النظام.

اقرأ أيضاً: هدنة الزبداني- الفوعة: النظام يقصف مضايا وبقين قرب دمشق

تكشف مصادر معارِضة مطلعة في دمشق، لـ”العربي الجديد”، إن “الزبداني وبلدتي بقين ومضايا خصوصاً يعيشون في ظل حصار خانق من قبل الفرقة الرابعة وحزب الله اللبناني منذ الخامس من يوليو/تموز الماضي، في ظل تدهور يومي للأوضاع الإنسانية، إذ ينتشر الجوع والمرض بشكل كبير”.

ويوضح أن “الملف كان بيد الإيرانيين الذين كانوا يفاوضون مع حركة “أحرار الشام” الإسلامية في إدلب، على ترحيل المسلحين المعارضين وعائلاتهم إضافة إلى معظم الأهالي إلى إدلب، مقابل جلب أهالي بلدتي الفوعة وكفريا بدلاً عنهم. إلا أن الاتفاق لم يحصل جراء تسريبه، الأمر الذي تسبب بموجة اعتراضات كبيرة بين الناشطين والسياسيين”، لافتاً إلى أن “كلاً من المنطقتين ساقطتان عسكرياً، إلا أن الطرفين يتعاطيان مع الملف كورقة تجييش وكسب للتعاطف”.

ولفتت المصادر نفسها إلى أنّ “الدخول الروسي بقوة على ملف الزبداني غيّر مساره، خصوصاً عقب زيارة السفير الروسي في دمشق (ألكسندر كيشناك) منطقة مضايا والدفع إلى عقد تسوية شاملة، والتي كانت تنص، بالإضافة إلى فك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية وتسوية المسلّحين المعارضين والمنشقين عن القوات النظامية، على سحب حزب الله ومقاتلي الفرقة الرابعة من القوات النظامية لعناصرها المحاصِرة للمنطقة، واستبدالهم بعناصر من الفرقة العاشرة، المدعومة من الروس بالكامل، الذين يسعون إلى إعادة الثقل إلى الجيش من يد الحرس الجمهوري وبعض قطع القوات الخاصة والمليشيات الموالية”.

وتضيف المصادر أنّ “حزب الله يعمل على تعطيل التسوية بكل السبل؛ فرغم أنه انسحب من بعض النقاط المحيطة بالمنطقة، إلا أنه لا يزال يسيطر على جميع النقاط الرئيسية والطرق المفتوحة، ولا يزال يجهز مقرّات، وأنشأ محطة وقود، في حين أصبح لديه مناطق عسكرية يمنع الدخول لها لأي شخص من القوات النظامية، وهم يطلقون النار بين الحين والآخر مخترقين الهدنة المتفق عليها”.

وتتابع المصادر أنه “في المقابل، يدعم الروس بعض الجهات السياسية للمضي بموضوع التسوية الشاملة، والتي وافق عليها أهالي المنطقة، والضغط على النظام وإيران لسحب قواتهم إلى الجبهات، التي لم تطرأ تغييرات كبيرة في معظمها، مع دخول الطيران الروسي، وحتى الاعتداء الذي تم على رئيس حزب “التضامن” محمد أبو القاسم، المقرّب من النظام، من قبل أحد حواجز حزب الله في منطقة بقين، يندرج تحت بند التعطيل، رغم أن المستشارية الإيرانية اعتذرت عن الموضوع، وقالت إنه تصرّف شخصي وسيحاسب المسؤول عنه”.

وترى المصادر أن “الصراع بين الإيرانيين والروس على ملف الزبداني، هو جزء من الصراع الدولي والإقليمي الدائر في سورية، إذ إن كلاً منهما يحاول أن يكبر حصته ويوسّع قوته على الأرض، ليكون الطرف الأقوى على طاولة التفاوض”، معرباً عن اعتقاده بأن “موضوع وجود تسوية حقيقية في الزبداني وغيرها من المناطق المحاصرة من قبل النظام أمر مستبعد، قبل ولادة الحل السياسي الشامل”.

من جانبها، قالت مصادر محلية، من الزبداني، لـ”العربي الجديد”، إن “المشكلة الكبرى التي نواجهها اليوم هي اقتناع مقاتلي وقيادات حزب الله أنهم يجب أن يبقوا على أرضنا، بحجة أنهم دفعوا دماً، على حدّ تعبيرهم، وهم يعملون عبر الحصار والتجويع على تهجير أهل المنطقة، وخلال الفترة الماضية قام الحزب بتحويل المنطقة إلى مصدر كسب، فهو يسمح لخروج المحاصرين خصوصاً المسلحين إلى حيث يريدون حتى لبنان أو دمشق، مقابل 200 دولار إن كان من الزبداني، و2500 دولار إن كان من مضايا، وقد خرجت خلال الفترة الماضية أعداد لا بأس بها من المسلّحين وعائلاتهم إلى لبنان”.

وأضافت المصادر نفسها “لم يبق في البلدات المحاصرة سوى المعدومين، ليواجهوا مصيرهم المجهول تحت الحصار والتجويع، محاولين إعلاء صوتهم مطالبين بحقهم الإنساني في الغذاء والدواء، في حين أصبحت وجبتهم الرئيسية والوحيدة هي الأعشاب وأوراق الشجر مع الماء”.

وأفاد عدد من الناشطين بأنه “يومياً يسجل في المنطقة ما لا يقل عن 167 حالة إغماء بين أطفال ونساء ورجال اليوم، بعد شح المواد الغذائية، ومعدل وفاة شخص أو شخصين، في حين يوجد 453 من مرضى السكري، و700 حالة مرضى ضغط دم وقلب، و30 حالة صرع، و250 حالة سوء تغذية غالبيتهم أطفال دون الخمس سنوات، ومنهم 55 طفلاً يعالج بالمشافي الميدانية، في ظل إمكانيات شبه معدومة”.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق في مضايا، وتضاعفت عشرات المرات، جراء الحصار وتحكم التجار المتعاونين مع حواجز الحزب، ليصل سعر كيلوغرام الواحد من الرز 36000 ليرة سورية، والطحين 36000 ليرة، والبرغل 33000 ليرة، والعدس 35000 ليرة”.

تجدر الإشارة إلى أن أهالي الزبداني ومضايا وبقين، وغيرها من المنطق المحاصرة في دمشق وريفها وحمص، أطلقوا العديد من نداءات الاستغاثة إلى المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية بداخلها، وموت عشرات المدنيين جراء الجوع ونقص الرعاية الصحية، غير أن ردّ فعلهم لم يكن يتعدى إبداء القلق وإطلاق الدعوة لتيسير دخول المساعدات الإنسانية.

ريان محمد

صحيفة العربي الجديد