كانت تركيا تتوقع أن يُجري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته المنتظرة إليها في 12 فبراير/ شباط، لكنّ مسؤولين أتراكًا أبلغوا وكالة “تاس” الروسية مؤخرًا أن الزيارة أُجّلت إلى موعد آخر.
وبسبب أن المواعيد السابقة الأخرى، التي حدّدتها أنقرة للزيارة، كان مصيرها مشابهًا لمصير موعد 12 فبراير/ شباط، فإن التأجيل المتكرر أصبح معتادًا في المشهد المحيط بالزيارة، لكنّه يُثير نقاشًا حول إشكالية الموعد بقدر موازٍ للزيارة نفسها.
في أبريل/ نيسان الماضي، توقع الرئيس رجب طيب أردوغان أن يقوم بوتين بزيارة تركيا للمشاركة في حفل افتتاح محطة “أكويو” النووية في نهاية الشهر نفسه، لكنّ الأخير شارك في الحفل عبر الفيديو.
مع بداية فبراير/ شباط الجاري، ذكرت وسائل إعلام روسية أن البنوك التركية بدأت في إغلاق حسابات للشركات الروسية بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات إضافية على البنوك الأجنبية التي تزعم واشنطن أنها تُشارك في معاملات التوريد الصناعي العسكري الروسي
وفي أغسطس/ آب الماضي، توقع أردوغان مرة أخرى أن تُجرى الزيارة في الشهر نفسه، لكنها لم تُجر أيضًا. ولم يسبق في تاريخ العلاقات التركية – الروسية، منذ أن بدأت تتنامى بشكل وثيق خلال السنوات الأخيرة، أن يستغرق الغموض بشأن تحديد موعد زيارات الرئيسين لبعضهما بعضًا هذا الوقت الطويل.
بادئ ذي بدء، هناك إشكاليتان غير مفهومتين بشأن موعد الزيارة؛ الأولى: أن تركيا كانت المبادرة دائمًا إلى تحديد المواعيد من دون أن يكون هناك تأكيد روسي لها. والثانية: أن روسيا لم تنفِ في كل مرة نية بوتين القيام بالزيارة، وكانت تتحدث باستمرار عن القضايا التي سيتم تناولها دون تحديد الموعد. وهاتان الإشكاليتان يصعب تفسيرهما بوضوح في علاقات بين بلدين تشهد منذ سنوات زخمًا قويًا.
في حين أن عدم حصول الزيارة في أبريل/ نيسان الماضي يُمكن إرجاعه وقتها إلى تريث بوتين لنتائج الانتخابات الرئاسية التركية التي جرت في مايو/ أيار الماضي؛ لمعرفة ما إذا كان أردوغان سيبقى في السلطة، إلا أن عدم إجرائها أيضًا في الموعد الثاني بعد الانتخابات، وهو أغسطس/ آب الماضي، وأيضًا في الموعد الأخير في 12 فبراير/ شباط، يُثير تساؤلات حول ما إذا كانت هناك خلافات بين البلدين تحول دون الاتفاق على موعد للزيارة.
وما عزز مشروعية هذه التساؤلات أنه في الموعد الأخير المُلغى للزيارة، لم يقتصر تحديده من جانب أنقرة فحسب، بل أشار إليه بوتين أيضًا عندما تحدث في مؤتمره الصحفي السنوي بمناسبة نهاية العام الماضي بأنه سيزور تركيا بداية العام الجديد. وفُهم من حديثه وقتها على أن الزيارة ستتم في الشهر الأول من العام الجديد، أو الشهر الثاني على أبعد تقدير.
مع أن أنقرة وموسكو لم تُظهرا صراحة وجود أي خلافات محتملة تحول حتى الآن دون الاتفاق على موعد للزيارة، إلا أن سرد بعض التطورات البارزة على صعيد العلاقات التركية – الروسية منذ أول موعد حدده أردوغان للزيارة، قد يُساعد في تفسير الغموض بشأن موعدها.
قبل شهر تقريبًا من الموعد الثاني المُلغى في أغسطس/ آب الماضي، أثار سماح تركيا لخمسة من قادة أزوف الأوكرانية بالعودة إلى بلدهم بصحبة الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي، الذي زار تركيا في يوليو/ تموز الماضي، احتجاجَ موسكو التي اتهمت أنقرة بعدم الالتزام بالاتفاق الذي سمح بمغادرة قادة أزوف الأراضي الأوكرانية إلى تركيا والبقاء فيها إلى حين انتهاء الحرب.
مع بداية فبراير/ شباط الجاري، ذكرت وسائل إعلام روسية أن البنوك التركية بدأت في إغلاق حسابات للشركات الروسية بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات إضافية على البنوك الأجنبية التي تزعم واشنطن أنها تُشارك في معاملات التوريد الصناعي العسكري الروسي. ومع أن تركيا لم تؤكد صراحة هذه التقارير إلا أن متحدثًا باسم الكرملين قال؛ إن موسكو تبحث مع أنقرة، معالجةَ هذه القضية.
وفي شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وقعت تركيا مذكرة مع رومانيا وبلغاريا للتعاون في مجال مكافحة الألغام البحرية في منطقة البحر الأسود، وهي خطوة وإن لم تُعلق موسكو عليها، إلا أنها تندرج في إطار مساعي تركيا للتعاون بشكل أوثق مع الدول المُطلة على حوض البحر الأسود، والتي تنظر إلى السياسات الروسية في البحر الأسود على أنها تُهدد التوازن الجيوسياسي في هذه المنطقة. وفي يناير/ كانون الثاني أيضًا، صادقت تركيا على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي الناتو.
إنّ استمرار العلاقات التركية – الروسية في حقبة ما بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وتنامي التجارة بين البلدين منذ تلك الفترة، لم يُخفيا بطبيعة الحال حقيقة أن هذا الاستقرار يواجه تحديات إضافية؛ بسبب العلاقة الوثيقة لأنقرة مع أوكرانيا وإبداء دعمها لانضمام كييف إلى الناتو، والتعاون التركي المتزايد مع دول حوض البحر الأسود الأخرى، وشروع تركيا في تحسين علاقاتها مع الغرب.
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الموعد الجديد المحتمل لإتمام الزيارة وهو نهاية أبريل/ نيسان المقبل أو بداية مايو/ أيار المقبل، سيضع نهاية لهذا الغموض المحيط بالزيارة، لكن المؤكد أن الظروف لإجراء الزيارة لم تنضج بشكل كامل بعد، وأن هذه الظروف لا تتعلق باختيار الموعد المناسب، بقدر ما أنها تتعلق بتوفير بيئة مناسبة في العلاقات التركية – الروسية تُساعد في إتمامها.
لقد أضحى الاتفاق على موعد الزيارة مهمًا بنفس قدر أهمية الزيارة نفسها وربما يفوقها. وما يُمكن استخلاصه من الاندفاعة التركية المستمرة في تحديد مواعيد متكررة للزيارة، ومن التأكيد الروسي المستمر على أن الزيارة ستُجرى هو أن البلدين يهدفان إلى أن تُشكل الزيارة المنتظرة نقطة تحول جديدة في مسار العلاقات التركية – الروسية.