كيف يمكن للنفوذ الروسي أن يدعم الحل السياسي للأزمة في سوريا؟

كيف يمكن للنفوذ الروسي أن يدعم الحل السياسي للأزمة في سوريا؟

mepanorama192045

نشرت صحيفة «المونيتور» مقالا تحليليا للكاتب الروسي «بول ساندروس» تناول خلاله طبيعة النفوذ الروسي في سوريا وكيف يمكن أن يلعب دورا في الدفع باتجاه التسوية السياسية هناك.

ووفقا للصحيفة، فإنه على الرغم من أن واشنطن وموسكو قد قاما مؤخرا بتنحية خلافاتهما حول مصير الرئيس السوري «بشار الأسد» من أجل تمرير قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع حول إنشاء جدول زمني لعملية سياسية ووقف إطلاق النار لإنهاء فترة طويلة امتدت لخمس سنوات تقريبا من الحرب الأهلية في سوريا، إلا أن وضع جدول زمني هو شيء وتنفيذ هذا الجدول هو أمر آخر مختلف.

وأضاف الكاتب أن «هناك فهم مشترك أن مستقبل الأسد سوف يكون عاملا رئيسا قد يتوقف عليه حقيقة إذا ما كانت أي محاولة لإحلال السلام في سوريا سوف تنجح أو تفشل». ولكن ذلك لن يكون العامل الوحيد: فإن الفهم الواضح للنفوذ، وكيف ومتى يتم استخدامه، هو أمر لا يقل أهمية.

وفقا للصحيفة، فإن الولايات المتحدة والعديد من حلفائها يتوقون لرؤية روسيا تستخدم نفوذها على «الأسد» لإقناع الرئيس السوري بالموافقة على التنحي كجزء من عملية الانتقال السياسي. ويؤكد الكاتب أنه على الرغم من أن واشنطن وغيرها قد حددوا في وقت سابق هذا الأمر كشرط مسبق للمحادثات، إلا أنه يبدو أن واشنطن قد لينت من هذا الموقف، وذلك بالنظر إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» مؤخرا بأن «الولايات المتحدة وشركاءها لا يسعون إلى تغيير النظام في سوريا». ولذا فإن رحيل «الأسد» في نهاية المطاف لم يعد شرطا مسبقا لإجراء محادثات، ومع ذلك، فإنه على الأرجح لا يزال من المتطلبات الرئيسية لإدارة «أوباما» من أجل التوصل إلى أي اتفاق.

وبحسب الصحيفة، فإن هذا يثير سؤالا مهما، رغم ذلك. إذا كان الطرفان في نهاية المطاف سوف يتوصلان إلى تسوية على هذا الأساس، فكيف يمكن إقناع «الأسد» بقبول ذلك؟ ما هو مقدار النفوذ الذي تمتلكه روسيا حقيقة في هذا الأمر؟

ويؤكد الكاتب أن هذه الأسئلة ليس من السهل الإجابة عليها، ويرجع ذلك ببساطة إلى أنه لا يوجد معيار عالمي يمكن أن نقيس إليه مسألة النفوذ بموضوعية. التدخل العسكري الروسي في سوريا من الواضح أنه يمد موسكو بنفوذ أكبر على دمشق أكثر من كونها مجرد مزود للأسلحة وصديق في مجلس الأمن الدولي. الضربات الجوية الروسية أيضا تسهم في زيادة النفوذ الروسي مقارنة بإيران التي لم تعد الدولة الوحيدة التي لديها دور قتالي في دعم الحكومة السورية. ونظرا لأن الكريملين يبدو أقل التزاما تجاه شخص «الأسد» من طهران، فإن هذا الأمر يصبح أكثر أهمية.

ورجحت الصحيفة أن النفوذ الروسي على «الأسد» سوف يتقلص بمرور الوقت. والسبب واضح وصريح: تأثير موسكو على دمشق لا يقتصر فقط على ما تقوم به روسيا حاليا في دعم الحكومة السورية، ولكنه يرتبط أيضا بما يتوقع المسؤولون السوريون أن روسيا قد تفعله لهم في المستقبل. إذا خفض «الأسد» من توقعاته فإنه سوف يكون أقل ميلا لتقديم التفضيلات الروسية وسوف تتمتع موسكو بنفوذ أقل.

وعددت «المونيتور» الأسباب المحتملة التي يمكن أن تسهم في تقليص النفوذ الروسي في سوريا. أحد هذه الاحتمالات يتعلق بألا يسفر التدخل الروسي إلا عن نتائج محدودة ما يقلل من المساعدات في المستقبل. أحد الأسباب الأخرى أن تضطر روسيا إلى إبطاء وتيرة عملياتها إذا اكتشفت موسكو أنها غير قادرة على مواصلة الضربات الجوية لفترة طويلة. سبب ثالث محتمل هو زيادة الضغط الشعبي على الحكومة الروسية ما يدفعها إلى محاولة كسب التأييد الشعبي حتى إذا كانت قادرة على تجاهل هذه المشاعر لفترة من الزمن. وأخيرا، هناك سبب معاكس نوعا ما، وهو أن روسيا قد تخسر في الواقع النفوذ على الأسد إذا خضعت للضغوط الأمريكية من أجل تركيز هجماته على مقاتلي «الدولة الإسلامية».

من هذا المنظور، فإنه يمكن للصبر الاستراتيجي الذي تمارسه إدارة «أوباما» أن يأتي بنتائج عكسية. إذا انخفض النفوذ الروسي في سوريا سواء بشكل مطلق أو بالمقارنة بالنفوذ الإيراني، فإن موسكو قد لا تكون قادرة على ممارسة النفوذ اللازم على «الأسد» لقبول التسوية التي تتطلب منه أن يتنحى أو أن يقدم تأكيدات بعدم المشاركة في الانتخابات الجديدة.

المشكلة الأكثر إزعاجا للولايات المتحدة هي أن دور موسكو في سوريا يوفر لها النفوذ ليس فقط في تعاملها مع دمشق وطهران ولكن أيضا مع واشنطن. ومن شأن روسيا بلا نفوذ واضح في سوريا أن تكون قليلة الجدوى الدبلوماسية بالنسبة إلى واشنطن وبالتالي سيكون لها نفوذ محدود في العمل مع واشنطن. على العكس، فإن روسيا التي تملك تأثيرا لتسهيل رحيل الأسد هي أكثر قيمة بالنسبة إلى إدارة أوباما، حيث يمكنها ممارسة هذا النفوذ من أجل دفع العملية إلى الأمام.

ووفقا للصحيفة، فإن هذا يترك الولايات المتحدة أمام بديلين، أولهما هو محاولة التوصل إلى تفاهم حول «الأسد» في الوقت الذي لا تزال فيه روسيا لديها القدرة على ممارسة النفوذ على دمشق، ولكنها أيضا في هذه الحالة سوف تكون قادرة على انتزاع المزيد من التنازلات من الولايات المتحدة. إذا لم تكن إدارة «أوباما» راغبة في مستعدة لاتخاذ خطوات لزيادة نفوذها، عبر تكثيف دورها في الحرب فإنها سوف تضطر إلى تقديم المزيد من التنازلات.

الخيار الآخر للولايات المتحدة هي أن تترك الصبر الاستراتيجي ليقود مسارها بالكامل. وهذا يعني الانتظار لمعرفة متى سيتراجع نفوذ موسكو، وهل ستواجه إيران خيارات مماثلة، والتأكد إذا ما كان «الأسد» على استعداد للتنحي أم أنه سوف يختار مواصلة القتال. في الوقت الذي لا توجه فيه لحكومات في روسيا وطهران ودمشق أي ضغوط لاتخاذ قرارات صعبة، فإن ذلك يعني منح المزيد من الوقت لتنظيم الدولة الإسلامية لكسب مجندين جدد وإلهام هجمات إرهابية خارج سوريا.