لندن – أوضحت الأحداث الأخيرة أن التهديدات التي يتعرض لها الغرب وقيمه أصبحت أكثر وضوحا من أي وقت مضى. ولمكافحة هذه الأمور، يتعين على بريطانيا أن تدرك بشكل عاجل الحاجة إلى سياسة خارجية أكثر وعيا واستباقية.
ويرى جاك تويمان، وهو زميل سياسي في مركز بينسكر، ضمن تقرير نشره موقع “مودرن دبلوماسي” أنه من أجل استعادة مكانتها العالمية الجيدة في وقت يتسم بتعدد الاستقطاب، يتعين على بريطانيا أيضاً أن تعترف بأخطائها السابقة في السياسة الخارجية.
وعلى الرغم من الحاجة الملحة إلى القيادة البريطانية على المسرح العالمي، تتمتع السياسة الخارجية البريطانية بسجل متذبذب. ويقول تويمان “لقد غزونا العراق من دون إستراتيجية واضحة، وكان سلوكنا هناك مسؤولاً عن توليد عدم الاستقرار في المنطقة”. ويضيف “أثر عدم الاستقرار هذا على أمننا القومي وأمن المنطقة، حيث برزت إيران باعتبارها الرابح الأكبر في الصراع، وقادرة على اكتساب نفوذ دون معارضة في جميع أنحاء المنطقة”.
وعززت الإجراءات البريطانية بشكل مباشر بيئة سمحت لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالازدهار. وتشكل أفغانستان مثالاً مأساوياً آخر للحرب التي تم الدخول فيها من دون خطة للخروج ومن دون أي قدر من الحذر الذي كان ينبغي أن تعطيه تجربة العراق للإستراتيجيين.
◙ بريطانيا بحاجة إلى سياسة خارجية ليست واعية بالتهديدات الجديدة فحسب بل واعية أيضا بأساليب تحقيق أهدافها
ويتطلب تاريخ بريطانيا واجبًا تجاه بقية العالم لضمان الاستقرار في سياق جيوسياسي متزايد الانقسام والتعقيد، ومن المهم أن يتم ذلك بشكل واضح وصحيح. وعندما تتماشى السياسة الخارجية البريطانية مع القيم وتتعاون مع حلفاء آخرين مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يصبح من الممكن أن تسفر عن نتائج استثنائية.
وكان دعم المملكة المتحدة الثابت لأوكرانيا مثالاً رائعاً على تصرفات بريطانيا العالمية على النحو الصحيح؛ أي وقوفها من أجل الحرية ضد دعاة الحرب العدوانية من قِبَل روسيا.
ومع ذلك، هناك الكثير من المشاكل التي تواجه بريطانيا العالمية والتي يجب أن تعالج. وتساءل كثيرون: كيف تمكنا من فتح أبوابنا أمام 500 ألف أوكراني بين عشية وضحاها في حين يبدو أننا غير قادرين على استيعاب الأفغان الذين عملوا لصالح المؤسسة العسكرية البريطانية والذين تلاحقهم الآن حركة طالبان بشكل منهجي؟ ومن الصعب أيضًا أن نرى الدبلوماسيين والسياسيين البريطانيين يزعمون أن البلدان التي تضطهد مجموعات معينة من الأقليات والمعارضين السياسيين حليفة لبريطانيا وتربطها بها علاقات متينة ومتميزة.
وهذا أمر يحتاج إلى معالجة، وخاصة مع الكومنولث. ولا يمكن تخيّل أن اللجنة الأولمبية الدولية رحبت بروسيا بأذرع مفتوحة في العام الذي تلا غزوها أوكرانيا، إلا أن بريطانيا رحبت ببوروندي في ألعاب الكومنولث بعد أن أمر رئيسها بإعدام المثليين رجماً. وتواصل العديد من الأنظمة ترهيب المعارضين واختطافهم وقتلهم. وبدلا من أن تكون مصدر فخر، فإن حالة الكومنولث في مرحلة ما بعد الاستعمار صارت مصدرا للعار الوطني في المملكة المتحدة.
ويجب على بريطانيا أن تجبر الغرب على التوقف عن إدمانه على دعم الدكتاتوريين ومنتهكي حقوق الإنسان لتعزيز أهداف سياسته الخارجية. وفي حين يتعين على الحكومة أن تعمل على ضمان الأمن القومي البريطاني قبل أي شيء آخر، فإن المجال واسع لتشجيع وتمكين التقدم في هذه السياقات إذا كانت بريطانيا على استعداد لتبني سلوك يتناسب مع قيمها.
وتسربت المشاعر المعادية للغرب بشكل مطرد إلى خطابات السياسة الخارجية في الجنوب العالمي الذي تجنب القيادة الغربية في الآونة الأخيرة. وبالفعل تقوم بريطانيا بقدر كبير من أعمال الإغاثة في الجنوب العالمي، وحققت الكثير من النجاح في مكافحة الملاريا والإيدز. ويعزز النظام العالمي الحالي الذي أعقب الاستعمار عدم المساواة وأجبر الدول النامية على الوقوع في فخ الديون والفقر.
◙ القرن الحادي والعشرون يتطلب سياسة خارجية أخلاقية وواعية تكون فيها بريطانيا نموذجا لمجتمع واقتصاد مزدهرين
وتزعم القوى غير الغربية، مثل الصين وروسيا، أنها تتحدى هذا النظام وأجبرت العديد من البلدان النامية على إبرام عقود ومخططات غير مستقرة مثل مبادرة طريق الحرير والحزام الصينية. وخلص تقرير صدر في نوفمبر 2022 إلى أن الدول النامية مدينة للصين بما لا يقل عن 1.1 تريليون دولار. ويتطلب القرن الحادي والعشرون سياسة خارجية أخلاقية وواعية تكون فيها بريطانيا نموذجا عالميّا لمجتمع واقتصاد مزدهرين حيث يتمتع كل مواطن بالحق في تقرير مصيره وحريته.
ومن المخيب للآمال أن جاذبية القوة الناعمة قد تضاءلت بسبب قيام الحكومات الأخيرة بوضع بريطانيا في عناوين الأخبار بسبب تآكل حقوق الإنسان وتحدي القوانين الدولية وتأجيج نيران الانقسام. والسياسة الخارجية الجيدة للمملكة المتحدة هي ما يشاهد في أوكرانيا، حيث تعطي الأولوية للقيم على أي صعوبة اقتصادية.
وبالإضافة إلى ذلك أظهر نظام تأشيرات هونغ كونغ، الذي اعترف بالمسؤولية التاريخية تجاه رعايا بريطانيا السابقين وقدم الدعم في وقت مليء بالتحديات، كيف يمكن للسياسة الخارجية أن تكون امتدادًا للقيم البريطانية.
وشهد العام الماضي تعرض القيم الغربية، قيم الحرية وتقرير المصير والمساواة، لضغوط شديدة. ومن المرجح أن تزيد الصراعات الحالية من هذا الضغط مع تقدم عام 2024. وزعم بعض المراقبين أن قيم الغرب تتباعد عن بقية العالم، وهو احتمال مثير للقلق في ما يتعلق بالرخاء والأمن الدوليين.
وتتطلب هذه التحديات أن تلعب بريطانيا، بتاريخها وإرث سياستها الخارجية، دوراً حاسماً في إدارة عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد. ولا يمكن أن يأتي هذا إلا من خلال سياسة خارجية أكثر وعيا؛ ليست واعية بالتهديدات الجديدة والقوى الناشئة فحسب، بل واعية أيضا بأساليب تحقيق أهدافها وممارساتها.
العرب