وسّعت إيران وروسيا بشكل تصاعدي تعاونهما الثنائي خلال العامين الماضيين، على أساس سعيهما إلى تدمير خصومهما المشتركين، وتقاربهما الأيديولوجي، وتعاونهما العسكري المتزايد. وترسل إيران إلى روسيا منذ بداية 2024 صواريخ باليستية ومن المتوقع أن تستمر هذه العملية. وقيل مؤخرا إن طهران أرسلت إلى الجيش الروسي حتى الآن حوالي 400 صاروخ، وخاصة فاتح – 110 الباليستي قصير المدى.
وأكد المسؤولون الإيرانيون قدرة طهران على تصدير أي أسلحة أو ذخائر إلى أي بلد منذ انتهاء الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة في أكتوبر 2023، وأن زيادة المساعدات الحربية المقدمة لروسيا تظهر قوة بلادهم العسكرية. وركزت العلاقة الإيرانية – الروسية منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022 على توسيع التعاون الدفاعي والأمني.
ويقول تاراس كوزيو وهو زميل زائر في مؤسسة خطة مارشال النمساوية في مركز العلاقات عبر الأطلسي في تقرير نشرته مؤسسة جيمس تاون إن الشراكة تتشكل من أربعة أجزاء مترابطة، وهي القومية، وتدمير الخصوم المشتركين، والأيديولوجية المشتركة، والأهداف العسكرية المتماثلة.
أولا، يجتمع القوميون الروس والفرس في إنكارهم لوجود الشعبين الأوكراني والأذري. ولا يرون حق الأوكرانيين والأذريين في وجود منفصل عن روسيا وإيران. ويعتبر القوميون الروس الشعوب السلافية الشرقية الثلاثة على أنهم روس “كبار” و”صغار” و”بيض” أو روس وأوكرانيون وبيلاروسيون على التوالي. وأصبحت بيلاروسيا فعليا “تابعة” لروسيا منذ أن أنقذ الكرملين الرئيس البيلاروسي أليكساندر لوكاشينكا بعد انتخابات 2020 الرئاسية وشن غزوا لتدمير أوكرانيا.
ويرى القوميون الروس في أوكرانيا كيانا مصطنعا أنشأه النمساويون والبولنديون وفلاديمير لينينتاريخيا، وواشنطن بعدهم. وتصف موسكو أوكرانيا بأنها “معادية لروسيا” أنشأها الغرب لتقويض الوحدة القومية الروسية. ويعتبر القوميون الفرس أذربيجان كيانا مصطنعا أنشأه النظام السوفيتي، حيث كانت المنطقة جزءا من إيران تاريخيا. ويعيش حوالي 20 مليون أذري، أي ضعف عدد سكان أذربيجان، في شمال إيران، الذي احتله الاتحاد السوفيتي من 1941 إلى 1946.
إيران ترسل إلى روسيا منذ بداية 2024 صواريخ باليستية وطائرات مسيرة ومن المتوقع أن تستمر هذه العملية
◙ إيران ترسل إلى روسيا منذ بداية 2024 صواريخ باليستية وطائرات مسيرة ومن المتوقع أن تستمر هذه العملية
ويعدّ تعاون إيران الوثيق في مجالات الاقتصاد والطاقة والجيش مع أرمينيا نتيجة لعدائها مع أذربيجان. وحافظت طهران على وحدة الأراضي الأذرية على الورق، بينما دعمت النزعة الوحدوية الأرمنية واحتلال قرة باغ وخمس الأراضي الأذرية من 1992 إلى 2020. ولم ينجح تصدير طهران للتطرف الديني إلى أذربيجان من خلال تدريب الجماعات الإسلامية المتطرفة ورجال الدين وتمويلهم.
وهدفت شراكات أذربيجان الإستراتيجية والعسكرية مع إسرائيل وتركيا إلى موازنة النزعة القومية الفارسية الوحدوية. ثانيا، تخوض روسيا وإيران حربهما ضد الغرب في أوكرانيا وإسرائيل. ويعتبر القوميون الروس والفرس الأوكرانيين والإسرائيليين غرباء على الأراضي الروسية والعربية “التاريخية”. ويأملون أن تصبح أوكرانيا دولة تابعة لموسكو وأن تُمنح الأراضي الإسرائيلية للفلسطينيين.
ثالثا، تتهم روسيا وإيران الولايات المتحدة بالتسبب في عدم الاستقرار العالمي الحالي. وتنتقد موسكو وطهران القيم الغربية باستمرار، وتسعيان إلى استبدال النظام العالمي المفترض بقيادة الولايات المتحدة، والذي كان قائما منذ نهاية الحرب الباردة، بتعددية قطبية غامضة.
وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال السنة الحالية لوزير الدفاع ومسؤول إسناد القوات المسلحة الإيرانية محمد رضا أشتياني إن الكرملين يسعى إلى تأسيس “عالم متعدد الأقطاب متساو حقا”. ويقود اعتقاد موسكو الراسخ بأن روسيا لا تحظى بالاحترام العالمي منذ 1991 هجومها على الغرب. وينتقد الكرملين واشنطن باستمرار لعدم احترامها حقها المعلن ذاتيا في مجال نفوذ حصري في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي.
ويحن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقوميون الروس إلى السنوات السوفيتية. ويرون أن الولايات المتحدة كانت تحترم الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى متساوية ذات مناطق نفوذ معترف بها وتوازن قوى في الشؤون الدولية. وأصبحت كوريا الشمالية أحدث طرف في الشراكة الإيرانية – الروسية بصفتها مصدرا لقذائف المدفعية، وربما الصواريخ، إلى روسيا. وبينما تدعم الصين الاقتصاد الروسي بشراء إمدادات الطاقة بأسعار مخفضة وبتوسيعها حجم التجارة، إلا أنها امتنعت عن إرسال مساعدات عسكرية مباشرة إلى الكرملين. لكنها قد ترسل أسلحة إلى روسيا عبر كوريا الشمالية.
رابعا، تواصل إيران وروسيا العمل على توسيع تعاونهما العسكري. ويستورد الجيش الروسي كميات أكبر من الطائرات الإيرانية المسيرة وقذائف المدفعية وصواريخ أرض – أرض الباليستية، التي يبلغ مدى بعضها حوالي 200 ميل. وأبدت موسكو من جهتها اهتماما بصواريخ أبابيل وفاتح التكتيكية الإيرانية.
◙ احتمال أن تساعد روسيا الجمهورية الإسلامية في مساعيها الهادفة إلى الحصول على أسلحة نووية لا يمكن استبعاده
وأصدرت مجموعة القرصنة “برانا نتورك” في السادس من فبراير وثائق من شركة “تندر صحرا” الإيرانية المصنعة لطائرات شاهد دون طيار. وكشفت أن العقد الإيراني – الروسي الموقع في 2022 لتسليم 6 آلاف طائرة شاهد دون طيار كلّف 1.75 مليار دولار ودفعت روسيا ثمنه بسبائك ذهبية. وذكرت بعض وسائل الإعلام في فبراير أن روسيا ستنطلق قريبا في تجميع طائرات دون طيار انتحارية من طراز شاهد 136 في مصنع في جمهورية تتارستان.
واعتمد الروس الطائرات الانتحارية دون طيار من طراز شاهد 131 وشاهد 136 ضد أهداف مدنية أوكرانية والبنية التحتية الحيوية. ويخطط الكرملين للحصول على طائرة دون طيار من طراز شاهد – 107، ويبلغ مداها حوالي ألف ميل ويمكن اعتمادها للاستطلاع. وعبّرت إيران عن اهتمامها باستيراد طائرات مقاتلة روسية من طراز سو – 35. وهي تهتم بالطائرات العسكرية التي يمكن تزويدها بصواريخ جو – أرض روسية بعيدة المدى ومروحيات
هجومية من طراز مي – 28 وطائرات تدريب نفاثة من طراز ياك – 130 ورادارات. كما يأمل الجيش الإيراني في تلقي أنظمة الدفاع الجوي أس – 300 وأس – 400 من روسيا للحماية من هجمات الطائرات دون طيار والصواريخ المحتملة. ومن المتوقع أن تشن إسرائيل ضربات إذا اقتربت إيران من امتلاك أسلحة نووية.
ولم تدعم روسيا قبل 2022 تطوير طهران للأسلحة النووية. وتبنى الكرملين منذ غزو موسكو الموسع لأوكرانيا موقفا أكثر حيادية تجاه برنامج إيران النووي. وامتنعت موسكو عن الضغط على إيران للانضمام إلى المحادثات حول استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة لسنة 2015. كما تسعى إلى حماية إيران من الانتقادات الدولية في مجلس الأمن الدولي.
وأصبحت خطة العمل الشاملة المشتركة رهينة لتدهور العلاقات الروسية مع الغرب. ويمكن أن تساعد موسكو لذلك إيران في مساعيها الهادفة إلى الحصول على أسلحة نووية. ويؤكد محللون غربيون أنه لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال، إذ يمكن للشراكة الروسية – الإيرانية أن تأخذ مكونا نوويا خلال الأشهر المقبلة لمكافحة الهيمنة الغربية على النظام العالمي.