هل تنجح محاولات حكومة بغداد لحصر السلاح بيدها؟

هل تنجح محاولات حكومة بغداد لحصر السلاح بيدها؟

وسط تصاعد غير مسبوق لعسكرة المجتمع العراقي وانتشار السلاح بين المواطنين وتزايد العنف المسلح والنزاعات المسلحة بين العشائر، تجري محاولات حكومية لنزع السلاح وتقييد استخدامه، مع قناعة شعبية وسياسية بضعف الإجراءات الحكومية وعجزها عن تحقيق هذا الهدف بسبب هيمنة الفصائل المسلحة على البلد.

فقد أعلنت وزارة الداخلية العراقية، مؤخرا، مبادرة من شقين، لمواجهة عسكرة المجتمع والسلاح المنفلت، الأول دعوة المواطنين لتسجيل الأسلحة التي بحوزتهم لدى السلطات الأمنية، والثاني قيام الحكومة بشراء الأسلحة الثقيلة من المواطنين والعشائر.
وقال المتحدث باسم الوزارة العميد مقداد ميري، في تصريحات، إن «الوزارة باشرت بإعلان الاستمارة الإلكترونية الخاصة بتسجيل أسلحة المواطنين وستستمر إلى 31 كانون الأول/ديسمبر المقبل». وأضاف «الغاية في هذه المرحلة هو تنظيم الأسلحة وترميزها وأيضا لمنح إجازات الحيازة في الدور لكل رب أسرة يمتلك دارا مستقلة بالتالي إجراءاتنا مستمرة وجادة». وتابع «تم افتتاح 679 مركزا لشراء الأسلحة، والمراكز باشرت بأعمالها أيضا، والحكومة خصصت لكل محافظة مليار دينار ولبغداد مليارين لغرض شراء الأسلحة، والآن باشرنا بواجباتنا وأعمالنا كوزارة داخلية من خلال اللجنة الوطنية الدائمة للتنظيم وحصر السلاح بيد الدولة».
وحدد رئيس اللجنة الوطنية لتنظيم الأسلحة العميد منصور علي سلطان، أنواع الأسلحة التي تشتريها الحكومة قائلا: «لن نشتري المسدس والبندقية، بل نسجلها وفق الضوابط، وسنشتري الأسلحة المتوسطة مثل (البي كي سي، الأر بي كي، البكتا، الدوشكا) والثقيلة مثل (الهاون، المدافع، والار بي جي).
وعن محلات ومعارض بيع السلاح، أشار سلطان، في لقاء متلفز، بان حملة الحكومة «شملت أغلاق تلك المحلات لغرض تنظيمها، كما أن الحملة تشمل محاربة المواقع الإلكترونية التي تحرض على بيع الأسلحة، حيث «رصدنا 385 موقعاً إلكترونياً يحرض على بيع الأسلحة وتعاملنا معها».
وكان وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري، أعلن عن وضع «خطة استراتيجية» لحصر السلاح بيد الدولة، داعيا إلى تسجيل الأسلحة الخفيفة بمراكز الشرطة.
وأوضح الشمري في تصريحات صحافية: «جرى عقد اجتماع موسع للجنة العليا لحصر السلاح بيد الدولة، بحضور المحافظين وقادة الشرطة وكذلك قادة العمليات في المحافظات» حيث «ناقشوا الخطة الاستراتيجية لسحب وضبط السلاح بيد الدولة». وشدد الوزير العراقي على أن «عملية اقتناء السلاح المتوسط والثقيل من قبل المواطنين سوف يعرضهم إلى مساءلة قانونية» داعياً الجمهور إلى تسجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة. وأشار إلى «فتح قاعدة بيانات لتسجيل الأسلحة في مراكز الشرطة لكي لا يتعرض صاحبها إلى مساءلة أو مصادرة للسلاح» لافتاً إلى «المضي بتنفيذ الخطة الاستراتيجية» وبالبدء بـ«عمليات تفتيش ومصادرة للأسلحة غير المسجلة».
ويذكر أن وزارة الداخلية أعلنت على موقعها الإلكتروني، عن منح بعض الفئات المجتمعية إجازات حيازة وحمل السلاح الناري للحماية الشخصية، وشمل القرار الصحافيين والأطباء والمقاولين والتجار وصاغة الذهب وأصحاب محلات الصرافة. وطبقاً للتعليمات التي نشرتها وزارة الداخلية على موقعها الإلكتروني، فإن عملية الحصول على رخصة لحمل السلاح في مرحلتها الأولى، تبدأ بالحصول على موافقة وزير الداخلية، وتمر عبر تأييد الوثائق الرسمية والمعلومات البايومترية، وصولاً إلى إجراء الفحص الطبي للراغب في الرخصة وفحص الأدلة الجنائية للسلاح المراد ترخيصه، وكتاب يؤيد خضوع الراغب لدورة تدريبية على استعمال السلاح في كلية الشرطة. وفي المرحلة الثانية، تمر معاملة الحصول على الرخصة بعمليات تدقيق شاملة وصولاً إلى تسليم رخصة الحيازة من خلال اللجنة المختصة في وزارة الداخلية.
وبناء على ما ورد أعلاه، أطلقت مديرية هويات وإجازات السلاح، نظام إجازات حيازة وحمل السلاح الإلكتروني للتقديم على إجازات حيازة وحمل السلاح بشكل مباشر». وأضافت، أن «النظام تم إنشاؤه بالتعاون مع مديرية الاتصالات والنظم المعلوماتية وبالتنسيق مع المركز الوطني للبيانات» منبهة بأنه لتبسيط الإجراءات من خلال توفير نافذة إلكترونية للحصول على موافقات الإصدار والتجديد.
وسبق للحكومة العراقية، ان أعلنت ضمن برنامجها الحكومي، أن نزع السلاح من يد حامليه وحصره بيد الدولة إحدى أولوياتها، كونه يمثل جزءا أساسيا من المشاكل والأزمات الأمنية التي يواجهها العراق، كما حظي قرار حصر السلاح بيد الدولة بتأييد البرلمان الذي أكد بدوره على أن هذه المهمة هي من أولويات عمل الحكومة.

بين ترحيب وتشكيك

وقد تباينت ردود الأفعال على مبادرة وزارة الداخلية لنزع سلاح المواطنين، بين مرحب بهذه الخطوة التي تساهم في التخفيف من العنف المسلح السائد في المجتمع في السنوات الأخيرة وانتشار السلاح بأنواعه، وبين مشكك في النوايا والنتائج المتوقعة ضمن الواقع العراقي، وما يتعلق بمستوى الثقة بين الشعب والسلطات، وخاصة وان نزع السلاح لن يشمل الفصائل والميليشيات.
المواطن البغدادي محمود الجنابي عبر للـ»القدس العربي» عن قلقه من جدية وزارة الداخلية في تسجيل سلاح المواطنين وضعف نتائج الحملة، خاصة ان لدى بعض المحافظات الغربية والشمالية، تجربة غير مشجعة بهذا الصدد، عندما طلبت الحكومة في فترة رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي في عام 2013 من سكان تلك المناطق تسليم سلاحهم الشخصي للدولة، حيث برز تنظيم داعش بعدها بفترة قصيرة وسيطر على تلك المناطق من دون ان تتمكن الحكومة من حمايتهم كما لم يكن لديهم سلاح للدفاع عن أنفسهم ومناطقهم. وأشار الجنابي، بان أقاربه في محافظة بابل جنوب بغداد، يخشون تسليم سلاحهم إلى الحكومة فيما ينتشر السلاح بكل أنواعه لدى مواطنين في المنطقة منتمين للفصائل والحشد الشعبي وميليشيات أخرى، وسط خلافات ومشاكل عشائرية قديمة وحديثة.
أما الخبير القانوني العراقي علي التميمي، فيشير إلى أن بعض الحكومات التي تواجه تحديات النزاعات والحروب تلجأ بشكل عام إلى اتخاذ قرارات لنزع السلاح من المدن لإنقاذ المدنيين وإزالة آثار الحروب والدمار، ترافقها قرارات صارمة وقوانين وعقوبات لمن يخالف هذه الإجراءات. ونبه التميمي في تصريح متلفز إلى مشكلة أمنية في العراق، تتمثل في «أن قانون الأسلحة العراقي أجاز بيع الأسلحة في المحلات ولكنه لم يتشدد في عقوبة الحيازة، لهذا يجب تعديل هذا القانون».

النزاعات المسلحة للعشائر

وشهد العراق في السنوات الأخيرة، ظاهرة أمنية أثارت قلق المواطنين والحكومة، وتتمثل باندلاع النزاعات المسلحة بين العشائر بسبب الخلافات بينها، وسقوط ضحايا مدنيين، وخاصة في المحافظات الجنوبية والوسطى، من دون ان تتمكن الحكومة من وقف تلك النزاعات حتى الآن، والتي تتعارض مع هيبة الدولة وسيطرة القانون. وتسمى تلك النزاعات بـ«الدكة العشائرية» وهي هجوم مسلح تشنه عشيرة على عشيرة أخرى لإيصال رسائل إليها. وحسب أرقام وزارة الداخلية، فان عدد الدكات العشائرية من العام 2020 وحتى منتصف كانون الأول/ديسمبر 2022 بلغت 5992 حادثة.
وفي مثال على النزاعات العشائرية المسلحة، ما وقع مؤخرا في منطقة العبيدي في مدينة الصدر شرقي العاصمة بغداد، عندما ارتفع إطلاق نار كثيف، جعل الأهالي يركضون للاحتماء داخل المحلات والبيوت وسط تعطيل لحركة المركبات، حيث ظهر في الشارع مجموعة من الشباب وهم يحملون بنادق كلاشنكوف ومسدسات ويطلقون النار في الهواء باتجاه بعض الدور السكنية، ليرد عليهم مسلحون من الطرف الآخر بإطلاق النار في الهواء. ولم تنته المواجهة إلا بعد وصول قوات الجيش وانتشارها في المنطقة، من دون ان تتمكن من إلقاء القبض على المسلحين الذين اختفوا بين الأزقة والشوارع والبيوت.
وفي الغالب يكون سبب اندلاع النزاع المسلح، خلافات بسيطة بين عشيرتين أو أفراد، يكون مبررا لاستعراض الطرفين قدراتهم القتالية وأنواع الأسلحة التي يمتلكونها، أو يكون إطلاق النار هو رسالة تهديد وتحذير من عشيرة إلى أخرى، بضرورة إجراء مفاوضات لتسوية الخلافات بينهم وفق الأعراف العشائرية وبعيدا عن تدخل القانون.
ويؤكد عقيد الشرطة المتقاعد سعدون الدليمي لـ«القدس العربي» أن النزاعات المسلحة بين العشائر قبل 2003 كانت محدودة بفضل قوة الدولة والسلطات الأمنية التي كانت تفرض عقوبات صارمة على الانتهاكات الأمنية التي تضعف تأثير الدولة وهيبة القانون في ضبط المجتمع، كما ان انتشار السلاح كان قليلا بفضل الوعي الاجتماعي والثقافي السائد آنذاك، ما ساهم في الحد من العنف المسلح.
وذكر الدليمي ان هذا النوع من الأعراف العشائرية، تبرز أو تختفي حسب قوة الدولة، أما بعد الاحتلال الأمريكي الذي سمح للأفراد بالاستيلاء على السلاح من المعسكرات، فقد ساد الانفلات الأمني وتزايد انتشار السلاح والجريمة بأنواعها، فيما جعل العشائر والأفراد يلجأون إلى السلاح لحل الخلافات بينهم بدل اللجوء إلى القانون. ونوه الدليمي إلى ان تهريب السلاح من إيران إلى العراق عبر مافيات التهريب، أصبح سهلا في السنوات الأخيرة، وهو مصدر الحصول على موارد مالية ضخمة، مستغلة عدم سيطرة الحكومة على الحدود الواسعة بين العراق وإيران. وكشف أن أحد أسباب عدم السيطرة على النزاعات العشائرية المسلحة هو ارتباط من يقومون بالنزاعات العشائرية، بالأحزاب والفصائل المسلحة المتنفذة. مشيرا إلى ان استخدام السلاح في المناسبات، كالأعراس والعزاء والفوز الرياضي وغيرها، هو نوع من استعراض القوة والقدرة على ردع الخصوم وتهديدهم.
وكشف الدليمي أن «أسواق بيع السلاح مزدهرة في العديد من المدن العراقية ومنها العاصمة بغداد، وخاصة في مدينة الصدر، حيث يعج سوق مريدي مثلا، بأنواع مختلفة من الأسلحة التي يمكن الحصول عليها بسهولة» منوها إلى أن بعض المصادر الأمنية، تقدر حجم السلاح المتداول بين المواطنين، بأكثر من 10 ملايين قطعة سلاح مختلفة وغير مرخصة، مع مواصلة مافيات التهريب، جلب المزيد من السلاح نحو العراق» حسب قوله.

الحاجة لأساليب
جديدة لنزع السلاح

وازاء تصاعد العنف المسلح في المدن العراقية دعى العديد من النواب والسياسيين، الحكومة، للسيطرة على الأوضاع الأمنية وانتشار السلاح، بأساليب غير السائدة حاليا.
ويقول النائب عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي، في بيان صحافي، إن «هناك جهودا استثنائية تبذلها القوات الأمنية في ديالى لإعادة هيبة الدولة، استجابة للمناشدات التي تم إطلاقها من قبل نواب وأهالي ديالى لإنقاذ المحافظة، من حالة الانهيار الأمني والفوضى التي تعيشها».
ورأى أن «تلك الجهود التي ندعمها بكل قوة في حاجة إلى إتباع طرق أكثر فاعلية بعيدا عن الأساليب السابقة التي اعتمدت على تفتيش المنازل للبحث عن الأسلحة وغيرها من الطرق التي يعلم الجميع أنها لن تجدي نفعا». وأوضح أن «الجماعات الإرهابية والميليشيات، عملت في وقت مسبق، على إخفاء أسلحتها والأعتدة التي لديها في مخابئ سريعة» لافتا إلى أن «هناك معلومات كاملة لدى الأجهزة الأمنية وبالأسماء عن الشخصيات التي تقود جماعات الجريمة المنظمة، والجهات المتورطة معها، بالتالي، فإن ضرب تلك الأوكار والقبض على أولئك المجرمين، هو الحل الأسرع والأكثر فعالية لكبح جماح تلك الجماعات المجرمة». وأكد الدهلكي أن «ما يجري في ديالى، هو صراع عصابات ومافيات إجرامية تقف خلفها جهات خارجية وداخلية، ولا تنحصر في خلافات شخصية أو قطعة سلاح خفيفة في منزل شخص مخصصة لحماية نفسه وعائلته في منزله من اللصوص والمجرمين». وحذر النائب من أن «تجريد العوائل من السلاح الشخصي سيكون إجراء ذا نتائج سلبية لأنه سيترك تلك العوائل ضحية سهلة للعصابات الإرهابية والإجرامية والميليشيات» حسب قوله.
وتأكيدا لهذه الحقيقة، أكد النائب السابق الدكتور فتاح الشيخ، ان «الفصائل والعصابات المسلحة في ديالى قد تكون أقسى من داعش الإرهابي عندما تستهدف الدم العراقي، لأنها تستغل وتستقوي بوجودها في الحكومة». وكشف الشيخ في لقاء تلفزيوني «أن الأجهزة الأمنية في المحافظة لا تستطيع القضاء على العنف المسلح لأن قادتها على علاقة بالفصائل والأحزاب المتنفذة».
وسيناريو ديالى الأمني يتكرر في أغلب المحافظات الوسطى والجنوبية، حيث تساهم الصراعات الحزبية في تأجيج النزاعات العشائرية المسلحة التي لا تستطيع القوات الأمنية لجمها.

حظر ألعاب العنف الإلكترونية

وفي شأن ذو صلة بالعنف المجتمعي، أكدت «لجنة حصر السلاح بيد الدولة» سعيها للحد من الألعاب الإلكترونية التي تشجع الشباب على العنف، وذلك من أجل حفظ الأمن المجتمعي وعدم السماح لوسائل التواصل الاجتماعي بزعزعة أمن واستقرار المجتمع.
وصرح سكرتير ومقرر اللجنة، العميد منصور علي سلطان، أن اللجنة تعمل على إعداد ضوابط للحد أو التقليل من الألعاب الإلكترونية لاسيما المحرضة على العنف (مثل لعبة مريم والفيل الأزرق وبوبجي، وألعاب أخرى) وسيتم تنفيذ الإجراءات بالتنسيق مع هيئة الإعلام والاتصالات».
ويشدد سلطان على أن «الشباب والمراهقين هم الأكثر استخداماً لتلك الألعاب، وبالتالي سيكون هناك تأثير كبير في تغير سلوكهم» أضافة إلى أن «بعض الألعاب الإلكترونية تعد وسيلة لتهريب الأموال إلى الخارج، حيث أشرت الوزارة أنَّ قيمة الأموال التي تم تهريبها خلال العام الماضي وصلت إلى مبالغ طائلة، وهذا يعد هدر لاقتصاد الفرد والدولة».
ولا يختلف المراقبون والمواطنون، على الحاجة الملحة لنزع السلاح وتنظيم استخدامه للحد من عسكرة المجتمع في العراق وحفظ دماء المدنيين، كونه يعيد البلد إلى الوضع الطبيعي الذي يسود فيه حكم القانون ويفرض هيبة الدولة، عبر لجوء المواطنين إلى القانون لحل الخلافات والمشاكل بينهم، بدل اللجوء إلى قانون الغاب عندما يأخذ المواطن حقه ويحل مشاكله بالسلاح، إلا أن القناعة لدى الشارع العراقي، تؤكد ان سيادة القانون وإنهاء ظاهرة انتشار السلاح في العراق، تبدو بعيدة التحقق في هذه المرحلة التي تنتشر فيها الفصائل والميليشيات المدعومة من الأحزاب المتنفذة، إضافة إلى نشاط مافيات التهريب وتفشي الفساد في بعض الأجهزة الأمنية.