التصويت في الانتخابات الإيرانية هذا الأسبوع هو الحدث محل الاهتمام الأكبر بسبب تأثيراته طويلة المدى التي تفوق نتائجه المباشرة.
تبرز إلى الواجهة هذا الأسبوع من جديد مسرحية الانتخابات الصورية في إيران – كما هو مفصل في مقال سابق لمعهد واشنطن. فقد اتسمت الحملة الانتخابية لـ “مجلس الشورى الإسلامي” و “مجلس خبراء القيادة” بالموجة المعتادة من الاستبعاد الحازم للمرشحين وباللامبالاة العامة. ولكن هذه الدورة قد تحدد الديناميكيات السياسية للنظام في السنوات القليلة المقبلة، لذا فهي تستحق المراقبة. وفيما يلي خمسة أسئلة يجب على واضعي السياسات الخارجية وغيرهم من المراقبين طرحها عند قراءة تقارير يوم الانتخابات.
إلى أي مدى ستكون نسبة المشاركة منخفضة؟
لدى النظام الإيراني حافز إضافي لإبراز أدلة على ارتفاع نسبة إقبال الناخبين هذا العام، لأن الانتخابات الوطنية في الأول من آذار/مارس هي الأولى منذ أن أثار مقتل مهسا أميني احتجاجات جماهيرية في الفترة 2022-2023. ومع ذلك، فإن الوصول إلى هذه المرحلة هو مهمة صعبة – فقد شهدت دورة الانتخابات البرلمانية السابقة أدنى نسبة إقبال منذ الثورة الإسلامية عام 1979 (42٪)، وقد ضاعف “مجلس صيانة الدستور” التابع للنظام من نمطه المتمثل في استبعاد المرشحين بشكل جماعي.
ومن أجل تحفيز الناخبين، تحدث المرشد الأعلى علي خامنئي في 28 شباط/فبراير، داعياً إلى المشاركة “بقوة وشغف” في الانتخابات ومعتبراً أن اللامبالاة والمقاطعة لن تحلا مشاكل البلاد. وحذّر قائلاً إن “كل من يحب إيران والأمة وأمنها يجب أن يعلم أنه إذا أجريت انتخابات ضعيفة فلن يستفيد أحد، وسيتضرر الجميع”. وعلى نحو مماثل، زعم “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” أن ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات يؤثر على “حسابات العدو” بشأن مواصلة “استراتيجية التهديدات والعقوبات والضغط الأقصى”. وتبنى رجل الدين علي رضا بناهيان، أحد المقربين من خامنئي، منظوراً روحياً، مؤكداً أن التصويت هو “واجب ديني” وليس مجرد حق سياسي.
وعلى الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الجهود ستحقق التأثير المطلوب، إلا أن توقعات نسبة المشاركة الحالية ارتفعت إلى حد ما مقارنةً بالتقديرات المتدنية جداً في أواخر كانون الثاني/يناير. فوفقاً لنتائج استطلاع أُجري في 28 شباط/فبراير الذي نشره “مركز استطلاع الرأي العام للطلاب الإيرانيين” (“إيسبا”) شبه الرسمي، أفاد 38.5 في المائة من الناخبين أنهم سيشاركون بالتأكيد في التصويت، وقال 7.6 في المائة إنهم سيشاركون على الأرجح. بالإضافة إلى ذلك، توقعت “إذاعة جمهورية إيران الإسلامية” (IRIB) أن يصوت 41.5 في المائة بالتأكيد وأن 29.5 في المائة قد يشاركون. وبلغت النسب الصادرة عن وكالة “تسنيم” للأنباء التابعة لـ”الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” 47 في المائة و9 في المائة على التوالي.
من سيتم اختياره رئيساً لـ “مجلس الشورى”؟
على الرغم من تراجع أهمية البرلمان في السياسة الإيرانية على مر السنين، إلا أن منصب رئيس “مجلس الشورى” لا يزال يحظى بأهمية داخل النظام. فبالإضافة إلى عضوية رئيس “مجلس الشورى” في “المجلس الأعلى للأمن القومي”، بإمكانه أن يساهم إلى حد كبير في تعزيز الأجندات الرئاسية أو عرقلتها. على سبيل المثال، لعب علي لاريجاني دوراً فعالاً في دعم الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس السابق حسن روحاني عام 2015، في حين تحدى خلفه، محمد باقر قاليباف، وهو جنرال في “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني”، روحاني من خلال الترويج لمشروع قانون يفرض على الحكومة اتخاذ خطوات مهمة في المجال النووي (على سبيل المثال، زيادة تخصيب اليورانيوم) إذا لم يتم رفع العقوبات الدولية. وألقى روحاني باللوم على هذا التشريع في عرقلة محاولاته لإعادة إحياء الاتفاق النووي.
واليوم، يبدو أن قاليباف هو المرشح المفضل لولاية أخرى. فعلى الرغم من مزاعم الفساد الذي طالته في وسائل الإعلام، إلا أنه حظي بتأييد مجلس تحالف قوى الثورة الإسلامية، وهو جماعة محافظة بارزة. لكنه قد يواجه بعض التحديات من المتشددين، الذين شكلوا قائمة موحدة من الجماعات ذات التوجه المماثل (على سبيل المثال، “جبههٔ پایداری” – أو “جبهة استقرار الثورة الإسلامية” – سيئة السمعة) والتي تركز على دائرته الانتخابية في طهران.
ماذا ستكون نتيجة تصويت الإصلاحيين؟
تتبع الأحزاب الإصلاحية نهج اللامبالاة تجاه هذه الانتخابات بعد استبعاد معظم مرشحيها، الأمر الذي قد يثني العديد من الناخبين الإصلاحيين عن المشاركة. ومع ذلك، قد يقرر البعض التصويت لصالح المرشحين “البراغماتيين” كوسيلة أخرى للاحتجاج على الوضع الراهن. وقد شجع روحاني نفسه هذا النهج بعد منعه من الترشح لعضوية “مجلس خبراء القيادة”. وفي رسالة مصورة بتاريخ 28 شباط/فبراير، أعرب عن أسفه على عمليات الاستبعاد الجماعي، لكنه حث الإيرانيين على التصويت للمرشحين غير الراضين عن الوضع الحالي للأمة ويطمحون إلى تغييره.
وتشمل القوائم التي قد تجذب هؤلاء الناخبين قائمة “صوت الأمة” التي يتزعمها علي مطهري. وتم استبعاد مطهري، وهو نجل أحد نواب الخميني، من الترشح للرئاسة في عام 2021، وأصبح منذ ذلك الحين من أشد منتقدي الرئيس إبراهيم رئيسي. وفي مؤتمر صحفي عقده في 27 شباط/فبراير، دعا “مجلس الشورى” المقبل إلى تبني نهجاً استباقياً في التأثير على سياسات الحكومة، منتقداً فريق رئيسي لاعتماده على “خبراء من الدرجة الثالثة والرابعة”. كما انتقد الرئيس لفشله في التوصل إلى اتفاق نووي أفضل، معتبراً أن العقوبات هي السبب الرئيسي لمشاكل إيران ويجب رفعها دون تأخير. ويترشح مطهري للانتخابات في منطقة طهران وقد حصل على دعم حزب “نداي” الإيراني الإصلاحي.
وقد يختار الناخبون الإصلاحيون أيضاً مسؤولين سابقين من حكومة روحاني السابقة. على سبيل المثال، شارك محمد باقر نوبخت في حكومة روحاني وحصل على تأييد لاريجاني.
هل ستحدد النتائج معالم خلافة خامنئي؟
تجذب انتخابات “مجلس الشورى” القدر الأكبر من اهتمام وسائل الإعلام، ولكن من المرجح أن يكون لتصويت “مجلس خبراء القيادة” تداعيات أكثر أهمية على مستقبل إيران. فهذه الهيئة مكلفة دستورياً بتعيين المرشد الأعلى المقبل، وأصبح مسؤولو النظام يناقشون مسألة الخلافة في كثير من الأحيان في الأسابيع الأخيرة، حتى أنهم ألمحوا إلى أن “مجلس خبراء القيادة” التالي قد يكون هو الذي يُسمّي وريث خامنئي خلال فترة ولايته التي تستمر ثماني سنوات. على سبيل المثال، أكد عضو “المجلس” الحالي محمود محمدي عراقي في 28 شباط/فبراير ما يلي: “لا شك في أن هذه الولاية ستضطلع بأهمية أكبر ومسؤولية أكبر”. وفي التاسع والعشرين من شباط/فبراير، أشار صادق محمدي، نائب رئيس جمعية أساتذة الحوزة العلمية في قم، إلى أن خلف خامنئي لا يزال مجهولاً وأن القرار يتوقف حصراً على “مجلس خبراء القيادة”. (على الرغم من أنه ينبغي الإشارة إلى أن الكثير من العمل على تحديد المرشد الأعلى القادم سوف يتم بشكل شبه مؤكد من قبل مراكز قوى أخرى وراء الكواليس، وتم التعوّد على “مجلس خبراء القيادة” لإضفاء الشرعية على الاختيار).
لقد تعرض “مجلس خبراء القيادة” الحالي، المؤلف من ثمانية وثمانين عضواً – جميعهم من الذكور، وجميعهم من رجال الدين باستثناء عضو واحد – لانتقادات باعتبار أن أعضائه متقدمين في السن. ففي انتخابات عام 2016، كان أكثر من 90 في المائة من المرشحين الفائزين فوق سن الخمسين. ويبدو أن النظام يغير الأعضاء هذه المرة، إذ لم يترشح الكثير من أعضاء “المجلس” لإعادة انتخابهم، ربما في محاولة لتجديد صورته قبل تطورات الخلافة المستقبلية.
ومن بين رجال الدين الذين سيتنحون، رئيس “المجلس” أحمد جنتي البالغ من العمر سبعة وتسعين عاماً. وتدور التكهنات بشأن من سيخلفه كرئيس “للمجلس” حول آيات الله البارزين مثل هاشم حسيني بوشهري، وأحمد خاتمي، وصادق آملي لاريجاني.
ومع ذلك، قد يكون المرشح الأكثر إثارة للاهتمام هو الرئيس رئيسي. فهو حالياً النائب الأول لرئيس “المجلس”، ويعتقد الكثيرون أن خامنئي يعده ليصبح المرشد الأعلى المقبل. وفي عام 2021، منع خامنئي و”مجلس صيانة الدستور” المتنافسين البارزين على الرئاسة من الترشح حرصاً على فوز رئيسي. وفي هذا العام، استبعد “المجلس” روحاني من الترشح لعضوية “المجلس”، وهي خطوة يعتقد الكثيرون أنها مرتبطة بمناورات الخلافة بالنظر إلى أن الرئيس السابق كان من المفترض أن يكون هو الفائز.
ونتيجة ذلك، لا يواجه رئيسي أي معارضة فعلية على المقعد الذي يتنافس عليه هذا الأسبوع في محافظة خراسان رضوي. فقد استبعد “مجلس صيانة الدستور” معظم المرشحين المنافسين، والمنافس الوحيد المتبقي (حسن روحبخش) هو رجل دين غير معروف اعترف علناً بأنه لا يملك فرصة الفوز. وبالتالي ستُعتبر أي نتيجة غير الفوز الساحق تصويتاً احتجاجياً ضد الرئيس وعلامة سيئة لتطلعاته المزعومة إلى أن يصبح المرشد الأعلى.
كيف سيكون رد فعل المراقبين الخارجيين؟
غالباً ما يركز المجتمع الدولي على الأرقام الأولية عند دراسة الدورات الانتخابية الإيرانية – وخاصة انخفاض نسبة المشاركة (كمؤشر على اللامبالاة العامة تجاه النظام) والاستبعاد الجماعي للمرشحين (كدليل على انتهاكات النظام الصارخة لحقوق الإنسان). ومع ذلك، من المتوقع أن يتحول التركيز إلى حد ما هذا العام نظراً للنقاش المتزايد حول الخلافة في إيران والتغييرات الكبيرة التي تشهدها تشكيلة “مجلس خبراء القيادة”. وقد يقوم المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون بدراسة النتائج بشكل أعمق لكشف أصحاب النفوذ وصانعي الملوك المحتملين في تلك الهيئة. وفي الواقع، يتمنى الكثيرون من الإيرانيين أن يتبنى الغرب هذا المنظور، حيث يزعم آية الله عراقي وغيره من الشخصيات البارزة أن “حساسية العدو” بشأن انتخابات “مجلس خبراء القيادة” هذا العام ترتبط بشكل مباشر بالتوقعات الغربية باقتراب الخلافة.
عومير كرمي