أسواق النفط في متاهة تناقض تقديرات أوبك ووكالة الطاقة

أسواق النفط في متاهة تناقض تقديرات أوبك ووكالة الطاقة

يراقب المحللون وأسواق النفط باهتمام ممزوج بالقلق تأثيرات اتساع الهوة بين تقديرات أوبك ووكالة الطاقة الدولية بعدما شهدت السنوات الماضية خلافات متكررة بين الطرفين بشأن الطلب العالمي والاستثمار في إمدادات الخام والغاز الجديدة والتحول الأخضر.

لندن – خلصت دراسة أجرتها رويترز إلى أن التباين في توقعات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، ووكالة الطاقة الدولية إزاء نمو الطلب على النفط، وهما أهم جهتين يترقب العالم تقاريرهما في هذا الصدد، صار الأكبر منذ 16 عاما على الأقل.

وتعني الفجوة بين أوبك، التي تمثل الدول المنتجة للنفط والوكالة، التي تمثل الدول الصناعية، أنهما ترسلان إشارات متباينة إلى التجار والمستثمرين عن قوة سوق النفط في 2024 وعن وتيرة تحول العالم نحو استخدام وقود أقل تلويثا للبيئة على المدى الطويل.

وتوقعت الوكالة في فبراير الماضي أن يرتفع الطلب بمقدار 1.22 مليون برميل يوميا هذا العام، بينما توقعت أوبك في تقريرها في الشهر ذاته 2.25 مليون برميل يوميا. ويمثل هذا الفارق نحو واحد في المئة من الطلب العالمي.

وقال نيل أتكينسون، الرئيس السابق لقسم أسواق النفط في الوكالة، إن “لدى الوكالة تصورا قويا جدا بأن التحول في مجال الطاقة سيمضي قدما بوتيرة أسرع كثيرا”. وأضاف “تتمسك كل منهما بموقفها، ولهذا السبب لديهما فجوة هائلة في ما يتعلق بتوقعات الطلب”.

ولوضع هذا الفارق في سياقه الصحيح، حللت رويترز التغييرات، التي أجرتها كل من أوبك والوكالة على توقعاتهما للطلب على النفط منذ عام 2008 إلى عام 2023 وفي الشهرين الأولين من العام الحالي.

وتم اختيار هذه الفترة بهدف توافر سلسلة زمنية طويلة بما يكفي لاستخلاص النتائج ولأنها تضمنت تقلبات شديدة في الطلب، بدءا من الأزمة المالية عام 2008 وانتهاء بجائحة كورونا في 2020 وما تلاها من تعاف.

وفي يوليو 2008، بلغت أسعار العقود الآجلة للنفط أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث وصلت إلى 150 دولارا للبرميل مقارنة بنحو 80 دولارا الآن.

ويظهر تحليل للتقارير الشهرية للوكالة وأوبك خلال الفترة المذكورة أن الفجوة البالغة 1.03 مليون برميل يوميا في فبراير كانت الأكبر من حيث القيمة للبرميل في تلك الفترة.

وقالت الوكالة، التي طلبت منها رويترز التعليق على توقعاتها لعام 2024 في رسالة بالبريد الإلكتروني إن “التباطؤ هذا العام يعادل العودة إلى اتجاهات النمو التي شهدناها قبل الجائحة، وإن التباطؤ واضح بالفعل في بيانات تسليمات النفط”.

وأضافت “نتوقع أن يستمر ذلك هذا العام، إذ تشير مؤشرات التنقل إلى استقرار حركة مرور (الشحنات) البرية والجوية”. وتابعت أن “ليس بوسعها التعليق على توقعات المنظمات الأخرى”.

وردت أوبك أيضا على هذه الفجوة وما إن كانت ترى أن توقعاتها أكثر دقة، وقالت إن “توقعاتها لنمو الطلب في 2023 البالغة 2.5 مليون برميل يوميا تقل بقدر ضئيل جدا عن الرقم الأولي الذي أعلنته في يوليو 2022″.

وقالت أمانة أوبك ومقرها فيينا دون التعليق على توقعات المنظمة في 2024، “شهدت توقعاتنا للطلب على النفط في 2023 ثباتا كبيرا. وقد بدأت جهات أخرى تصدر توقعاتها عند مستويات منخفضة ثم عدلت باستمرار توقعاتها لعام 2023″.

وهناك اختلاف أيضا بين هاتين المنظمتين على الأمد المتوسط. وتتوقع الوكالة أن يبلغ الطلب على النفط ذروته بحلول عام 2030 مع تحول العالم إلى وقود أنظف. وترفض أوبك هذا التصور.

وجددت أوبك الاثنين الماضي توقعاتها بأن العام 2045 لن يشهد ذروة، مشيرة إلى نمو متوقع خارج دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية و”تراجع عن بعض السياسات الأولية المتعلقة بصافي الانبعاثات الصفري”.

وتأسست الوكالة قبل 50 عاما حين حولت وكالة مراقبة الطاقة في العالم الصناعي تركيزها على أمن إمدادات النفط والغاز إلى دعم مصادر الطاقة المتجددة والعمل المناخي. وبعض أعضاء أوبك يرون أن هذا يقوض دورها كسلطة محايدة.

وأعضاء الوكالة هم في الغالب مستهلكون كبار للطاقة، وقررت حكومات كثيرة منهم تسريع تطوير الطاقة المتجددة لتسريع التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.

دلائل أخرى على الخلافات
• نوفمبر 2023: أوبك تتهم الوكالة بتشويه سمعة صناعة النفط والغاز

• سبتمبر 2023: السعودية تتهم الوكالة بممارسة دور سياسي

• مارس 2022: أوبك تستبعد الوكالة كمصدر للبيانات حول إنتاجها

ويقول المحللون إن هذه الدول تريد من هيئتها لمراقبة الطاقة أن ترشدها إلى طريق لبلوغ ذلك. وفي المقابل، يواجه أعضاء منظمة أوبك الذين يعتمدون على عائدات الوقود الأحفوري، عواقب اقتصادية كارثية محتملة نتيجة للتحول السريع بعيدا عن النفط.

ووجد التحليل أن توقعات الوكالة والمنظمة متقاربة إحصائيا من حيث دقة التنبؤ، مما يجعل من الصعب تحديد أيهما سيكون صحيحا بناء على تتبع السجل.

وجمعت رويترز أيضا تقديرات من 26 محللا في البنوك وشركات الأبحاث لنمو الطلب في عام 2024. ويبلغ متوسط هذه التقديرات 1.3 مليون برميل يوميا، أو أقرب إلى وجهة نظر وكالة الطاقة الدولية.

ومن بين 20 محللا ردوا على سؤال حول ما إذا كان الطلب سيصل إلى ذروته بحلول عام 2030، أجاب 12 محللا بالنفي، مما يوحي بأن أوبك قد تكون محقة في هذه النقطة على الأرجح.

وتخضع توقعات الطلب على النفط، مثل غيرها من التوقعات الاقتصادية، للمراجعة، وتتأثر بعدة عوامل يستحيل التنبؤ بها. ويستغرق ظهور البيانات الفعلية للطلب على النفط وقتا طويلا، مما يُصعّب التحدي.

ووفق وكالة الطاقة الدولية سينخفض نمو الطلب إلى النصف في 2024 وسيأتي الانخفاض جزئيا نتيجة لازدهار السيارات الكهربائية، وذلك رغم أن الوكالة رفعت تقديراتها لنمو الطلب خلال العام الحالي في توقعات يناير والشهرين التاليين.

وقالت أمريتا سين، مؤسسة شركة إنيرجي أسبكتس، إن “وكالة الطاقة الدولية تميل إلى تعديل توقعات الطلب بالزيادة”، وهو ما يتفق معه أتكينسون. وأضافت “توقعات الطلب على النفط الصادرة عنها يجري تعديلها بالزيادة باستمرار. ومن المرجح أن تكون ذروة الطلب على النفط أعلى من توقعاتها”.

ووجد تحليل لرويترز أن وكالة الطاقة الدولية خلال الفترة من 2008 إلى 2023 قللت من تقديرات إجمالي الطلب في توقعاتها المبدئية بنحو 56 في المئة مقارنة بنحو 50 في المئة في تقديرات أوبك، وهو ليس فرقا كبيرا.

ويرى أتكينسون أن المؤسستين رغم أنهما توقعتا تطورات الطلب بدقة، إلا أنه يعتقد، وتوافقه سين في ذلك، أن أوبك من المرجح أن تكون على حق في ما يتعلق بمسألة وصول الطلب إلى ذروته هذا العقد.

وقال “في مناسبات مختلفة، كانت توقعات كل من وكالة الطاقة الدولية وأوبك جيدة جدا”. وأضاف “أعتقد أن وكالة الطاقة تعجلت في توقع وصول الطلب إلى ذروته بحلول عام 2030، وذلك نتيجة النمو في البلدان النامية”.

وقبل وقت وجيز من انعقاد مؤتمر المناخ (كوب 28) في دبي أواخر العام الماضي، اتهم الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص وكالة الطاقة الدولية بتشويه سمعة صناعة النفط والغاز، في أحدث خلاف بين المجموعتين بشأن سياسة المناخ.

وكان الغيص يشير إلى مذكرة نشرتها الوكالة التي مقرها باريس، وجاء فيها أن صناعة الوقود الأحفوري تواجه “لحظة الحقيقة” وتُحتم على المنتجين الاختيار بين تعميق أزمة المناخ أو التحول إلى الطاقة النظيفة.

وقال “هذا يمثل إطارا ضيقا للغاية للتحديات التي نواجهها، وربما يقلل من قضايا مثل أمن الطاقة والحصول عليها والقدرة على تحمل تكاليفها، كما أنه يشوه سمعة الصناعة ظلما باعتبارها وراء أزمة المناخ”.

ولم تكن تلك الانتقادات معزولة، ففي سبتمبر الماضي، وجه وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان انتقادات حادة للوكالة قائلا إن “الوكالة تحولت من تقديم توقعات وتقييمات عن السوق إلى ممارسة دور سياسي”.

وكان الأمر بالنسبة للمحللين مدروسا، فقد قررت أوبك في مارس 2022 بشكل مفاجئ استبعاد وكالة الطاقة الدولية كمصدر للبيانات المتعلقة بإنتاج الدول الأعضاء في المنظمة.

العرب