الفساد المالي سمة أبناء كبار مسؤولي النظام الإيراني

الفساد المالي سمة أبناء كبار مسؤولي النظام الإيراني

انعقدت الجلسة الأولى المتعلقة بالتهم الموجهة إلى محمد صادق وأمير حسين، نجلي النائب الأول لرئيس السلطة القضائية محمد مصدق كهنمويي، الثلاثاء الخامس من مارس (آذار) الجاري، في مقر المحكمة الخاصة للتعامل مع الجرائم الاقتصادية الكبيرة.

وفي عمل منسق، تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية عن عقد أولى جلسات محاكمة ابني النائب الأول للسلطة القضائية بتهمة “تشكيل شبكة نفوذ وغسل الأموال”، من دون أن تذكر اسمه، كما تحدثت أيضاً عن محاكمة 21 متهماً آخرين لهم علاقة بهذه القضية.

وفي خبر مقتضب ومن دون الإشارة إلى تفاصيل القضية، تحدثت وكالة “ميزان” المتعلقة بالسلطة القضائية التي اشتهرت بدفاعها عن أحكام الإعدام واتهام المتظاهرين ضد النظام الإيراني، قائلة إنه تلي جزء من قرار الاتهام في جلسة الثلاثاء الماضي، ومن المفترض أن تتواصل جلسات المحكمة في الأيام المقبلة.

وألقي القبض على ابني محمد مصدق كهنمويي في يوليو (تموز) 2023، إذ اتهما بقضية فساد بقيمة 20 ألف مليار تومان (47.6 مليون دولار) الخاصة بمالك “مجموعة رستمي صفا للصناعة”، محمد رستمي صفا، إلا أن السلطة القضائية امتنعت عن إعلان هذا الخبر.
وفي الجلسة الأولى لمحاكمة نجلي النائب الأول لرئيس السلطة القضائية قال ممثل النيابة إن المتهمين حصلا على مبالغ كبيرة من طريق استغلال اسم والدهما، وأودعاها في حسابات بنكية أخرى. وبناء على ما قاله ممثل المدعي العام، فإن ابني هذا المسؤول الكبير في السلطة القضائية باعتبار أنهما الحلقة الرئيسة في هذه القضية، استخدما هذه الأموال في مشاريع شراء العقارات والذهب والعملات الأجنبية والسيارات الفاخرة. وأضاف ممثل المدعي العام أن ذروة نشاط المتهمين في السنوات الأربع الماضية، ارتبطت بقضيتي إخلاء ملعب “شهداء قيطريه” و”رستمي صفا”، مؤكداً أن نجلي كبير موظفي السلطة القضائية حصلا فقط في قضية رستمي صفا، على 200 مليار تومان (4.7 مليون دولار) وحولاها إلى عقارات وفيلات وسيارات فارهة وذهب، وانخرطا في عمليات غسل الأموال.

وفي أغسطس (آب) 2023، أعلنت قناة “عيون” على “تيليغرام”، المقربة من الأجهزة الأمنية الإيرانية، عن خبر اعتقال نجل النائب الأول لرئيس السلطة القضائية بتهمة “السمسرة”. وبعد ذلك، أكد خبر القبض على ولدي محمد مصدق كهنمويي، ناشطون إعلاميون محسوبون على النظام عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلى رغم انتشار خبر اعتقال نجلي كهنمويي بتهم الفساد فإن رئاسة السلطة القضائية ظلت صامتة على هذه القضية حتى تصريح رئيس الأمانة التنسيقية لمكافحة الفساد الاقتصادي محمد رضا يزدي في أحد البرامج التلفزيونية، إذ قال إن “هناك قضية رفعت على أبناء مسؤول كبير في السلطة القضائية”، كما انتقد التمييز القائم في البلاد. وقال إنه “في كثير من الحالات التي يكون فيها أقارب المسؤولين متورطين في قضايا فساد، سيتم إبلاغهم قبل اتخاذ أي إجراء ضدهم”.

وبعد تصريحات رئيس “الأمانة التنسيقية لمكافحة الفساد”، عادت قضية الفساد الاقتصادي لابني كبير المسؤولين في السلطة القضائية إلى الواجهة مرة أخرى، إذ أكد المتحدث باسم السلطة القضائية في مؤتمر صحافي عقده في 26 سبتمبر (أيلول) 2023، خبر اعتقالهما، إلا أن يزدي تجنب إعطاء تفاصيل أكثر عن حيثيات القضية وزعم أن “السلطة القضائية ستتعامل بجدية وحزم ومن دون أي تمييز مع هذه القضية، وبمجرد أن تصل القضية إلى مرحلة يمكن الحديث عنها لوسائل الإعلام سنقوم بذلك حتماً”.

وعين محمد مصدق كهنمويي نائباً أولاً لرئيس السلطة القضائية في يونيو (حزيران) 2023، بأمر من غلام حسين إيجئي. وما زال في منصبه على رغم من محاكمة ابنيه بتهم الفساد الاقتصادي. ويعد مصدق كهنمويي من المقربين للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إذ أصبح النائب القانوني لرئيسي بعد تولي الأخير منصب رئاسة الجمهورية، كما أنه ما زال يشغل منصب رئاسة محكمة القضاء الإداري منذ عام، إذ عينه فيه الرئيس السابق للسلطة القضائية.

في واقع الأمر، فإن نجلي محمد مصدق كهنمويي ليسا الأبناء الوحيدين لكبار المسؤولين في نظام الجمهورية الإسلامية الذين يتم اعتقالهم ومحاكمتهم بتهم الفساد المالي والاختلاس وغسل الأموال.

ومن التهم التي وجهت إلى نجل (الرئيس الأسبق) أكبر هاشمي رفسنجاني، مهدي هاشمي، والتي أدت إلى الحكم عليه بالسجن 10 سنوات، تهم تتعلق بالفساد المالي، كما أدخلت السجن، ابنة وزير الصناعة والتعدين والتجارة، شبنم نعمت زادة، 11 سنة، بتهمة احتكار الأدوية بقيمة تزيد على ألف و850 مليار تومان (44 مليون دولار).
وفي تقرير لصحيفة “آرمان”، فقد أفادت أن الصحف الإيرانية في خريف عام 2019، كانت قد تحدثت عن اعتقال نجل وزير الطرق والتنمية الحضرية، مهدي آخوندي، بتهمة الفساد المالي. وورد اسم آخر في هذه القضية يدعى شهرام اجتهادي، إذ كان على صلة بمهدي آخوندي ومسؤول حكومي كبير آخر. ويبدو أن هؤلاء المتهمين كانوا قد حصلوا على أموال من بعض المقاولين إذ كانوا يساعدونهم في الحصول على مشاريع اقتصادية من الوزارة.

كذلك، نجل النائب الأول في إدارة الرئيس محمود أحمدي نجاد، ياسين رامين، حكم عليه بالسجن ودفع الغرامة في قضية الشكوى المرفوعة ضده بتهمة خيانة الأمانة والمال العام، إلا أن محكمة الاستئناف برأته من التهم.

وعدا عن تهم الفساد المالي وغسل الأموال، اشتهر أبناء كبار المسؤولين بحياة الترف خارج البلاد والهجرة بحجة مواصلة التعليم الجامعي. وفي الأسابيع الماضية، تصدرت الأخبار قضية إسحاق قاليباف، ابن رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، إذ كان قد تقدم بطلب من الحكومة الكندية للحصول على الإقامة في كندا. وبعد ذلك، أظهرت الوثائق إيداعات بنكية كبيرة له بالعملة الأجنبية في البنوك الكندية.
كما هناك عديد من القصص والأقوال حول نجل قاليباف. وفي تقرير نشر في أبريل (نيسان) 2017، أظهر أن رأس مال مؤسسة “شمس الشموس التعليمية” التابعة لإلياس قاليباف، بحدود 100 ألف تومان، هذا في حين تبلغ قيمة هذه المؤسسة التي تقع في منطقة “سعادت آباد” في العاصمة طهران أكثر من 20 مليار تومان (475 ألف دولار)، وتعود ملكيتها لمجموعة “مهر هشتم” للمدارس غير الربحية.

وفي أغسطس (آب) 2022، كشف مهدي خزعلي أن أبناء شقيقته، كبرى خزعلي، رئيسة المجلس الثقافي الاجتماعي للنساء في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، يعيشون في الولايات المتحدة. وأضاف أن نجل شقيقته الأخرى، التي تشغل حالياً منصب نائب رئيس الجمهورية لشؤون المرأة والأسرة، أنيسة خزعلي، يمتلك شركة في كندا. وبعدما أنكرت أنيسة، ما تردد عن نجلها، أظهرت الوثائق التي تسربت أن حميد رضا رضا زادة، نجل أنيسة خزعلي، اشترى منزلاً بقيمة 1.6 مليون دولار في فانكوفر بكندا.
كذلك أسس حميد رضا، نجل محافظ فارس في حكومة محمود أحمدي نجاد، شركة تنشط في مجال الـ”في بي أن” (VPN) ومديرها التنفيذي أيضاً.

وفي صيف عام 2016، أعلن عن اعتقال سيد أحمد عراقجي، نجل شقيق عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية في حينها، بتهمة الإخلال بالنظام المالي والصرف الأجنبي.

أما في أبريل (نيسان) 2022، فحكم على أحمد هاشمي شاهرودي، نجل شقيق وصهر رئيس السلطة القضائية محمود هاشمي شاهرودي، بالسجن وإعادة الأموال التي حصل عليها في قضية بنك “سرمايه” الشهيرة. وفي أثناء التحقيق في هذه القضية التي كان وزير الدولة في حكومة محمود أحمدي نجاد، برويز كاظمي المتهم الرئيس فيها، ذكرت أسماء أبناء المسؤولين ومنهم، عمار صالحي نجل القائد السابق للجيش الإيراني، سيد عطاء الله صالحي، وهادي رضوي، صهر وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق محمد شريعتمداري.
ومن القضايا المهمة في قضية الفساد المالي المتعلق بنك “سرمايه”، هي أن المؤسسات الأمنية عملت جاهدة وبشكل ممنهج على إخفاء اسم محمد باقر هاشمي شاهرودي، نجل رئيس السلطة القضائية محمود هاشمي شاهرودي، هذا في وقت كان محمد باقر هاشمي شاهرودي أحد المتهمين الرئيسين في هذه القضية إذ تلقى مبالغ مالية كبيرة. وفي نهاية المطاف، أوكلت مهمة التعامل مع اتهام محمد باقر إلى المحكمة الدينية الخاصة برجال الدين.

محمد دري نجف آبادي، نجل أول مدعي عام في إيران، قربان علي دري نجف آبادي، ومهدي مقتدائي، نجل المدعي العام السابق، مرتضى مقتدائي، كانا المتهمين رقم 28 و30، في قضية الفساد الاقتصادي التي عرفت بـ”قضية شهرام جزائري”، كما ذكر اسم حسن فيروز آبادي، نجل أمين المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني أبوالحسن فيروز آبادي، في صيف عام 2022، على خلفية الفساد المالي المتعلق بشركة “همراه أول” لشبكة الاتصالات.

كما ورد اسم حسن مير محمد علي، صهر الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني ونجليه حسن وحسين، مرات عدة بمشارع مالية كبيرة مشبوهة. وتتحدث التقارير على أن عائلة شمخاني تعمل في مجال الإنشاءات في طهران، ولواسان والأحواز والسوس (شوش)، وفي شمال إيران، إذ أظهرت وثائق نشرت عام 2016 وجود مبالغ مالية كبيرة في حساب مصرفي يعود لحفيد علي شمخاني البالغ من العمر ثلاث سنوات فقط.

القضايا التي ذكرت أعلاه، ليست سوى عينات قليلة من حجم قضايا الفساد المالي لأبناء كبار المسؤولين في نظام الجمهورية الإسلامية، والتي تصدرت عناوين الأخبار في السنوات الأخيرة. ومن دون أدنى شك، هناك قضايا فساد مالي كثيرة لم يكشف عنها بعد، لأن النظام يعمل باستمرار على إخفائها.