ثلاثة أسئلة تفرض نفسها عشية الذكرى الـ13 لحرب سوريا، ماذا تبقى من سوريا؟ من بقي فيها من السوريين؟ وما الذي بقي للسوريين فيها؟ ما تبقى، بصورة عامة، نظام ضعيف لا يتغير ومعارضون أضعف لا يخرجون من الأنانية السياسية وسيادة موزعة إلى حصص وهيمنة “خمسة جيوش خارجية” باعتراف الموفد الدولي غير بيدرسون.
وبالأرقام، فإن للتحالف الدولي بقيادة أميركا 30 موقعاً عسكرياً ولروسيا 105 مواقع ولتركيا 125 موقعاً ولإيران 750 موقعاً، ولإسرائيل الأجواء التي تقصف منها مواقع إيران.
ومن بقي على أرض سوريا ولو كان كثيرون نازحين في الداخل، هم نصف السوريين، والنصف الآخر موزع بين لبنان وتركيا والأردن وألمانيا ومصر والعراق وبلدان أخرى، ومع النصف الآخر جيل سوري جديد ولد في بلد اللجوء منذ عام 2011 أو جاء مع أهله طفلاً إليه. جيل لا يعرف سوريا ولا يتعلم في مدارسها ولا يدرس بحسب برامج التعليم فيها. وجيل “لبناني وتركي وأردني وألماني ومصري وعراقي” يعيش على المساعدات الدولية ويبحث عن فرصة للوصول ألى أوروبا، ولو تحت خطر الموت في زوارق المهربين المتهالكة عبر البحر الأبيض المتوسط.
أما الذي بقي للسوريين في سوريا، بصرف النظر عن التمسك بالأرض والوطن، فإنه مخيف، 90 في المئة تحت خط الفقر بحسب إحصاءات الأمم المتحدة وليرة منهارة أمام الدولار وخسائر فلكية تحتاج إلى أكثر من 500 مليار دولار لإعادة الإعمار والعودة لمستوى عام 2011 وديون باهظة بينها 50 مليار دولار لإيران. “قوات سوريا الديمقراطية” ذات الغالبية الكردية تسيطر على شرق الفرات، ثلث مساحة سوريا، بحماية قوات أميركية. ومحافظة إدلب وبعض أجزاء من ريفي حلب وحماه يسيطر عليها أبو محمد الجولاني زعيم “هيئة تحرير الشام”، أي “جبهة النصرة” التابعة لـتنظيم “القاعدة” سابقاً. وتركيا والميليشيات التي جندتها تحتل 15 في المئة من شمال سوريا، حيث تعليم الأطفال باللغة التركية والاندماج في الاقتصاد التركي. والحرس الثوري الإيراني وأذرعه اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية في غرب الفرات، من البوكمال والميادين وريف دير الزور، كما في السيدة زينب وجزء من ريف دمشق، وفي القصير ومعظم القلمون مع تدمر والبادية في ريف حمص، وحركة التشييع ناشطة في عاصمة الأمويين وريف دير الزور، وتعليم الفارسية في المدارس يتكاثر. وعلى أهمية النفوذ الروسي عسكرياً وسياسياً، فإن النفوذ الإيراني يتغلغل في النسيج الاجتماعي.
والذاكرة لا تزال طرية، فانتفاضة سلمية في بدايات 2011 جرى تحويلها إلى حرب أهلية وإقليمية ودولية، والحرب تطرد المثقفين والمعتدلين وطالبي الإصلاح من الطبقة الوسطى لمصلحة التطرف وتطييف الانتفاضة لتصبح صراعاً دينياً على السماء قبل الأرض. وهكذا لعبت قوى خارجية وداخلية متعددة ورقة “الإخوان المسلمين” وبقية تيارات الإسلام السياسي التي تمارس الإرهاب، بحيث صارت الرقة عاصمة “الخلافة الداعشية” قبل أن يتم طردها من جغرافيا المدن مع بقائها متخفية في البادية. ولم يبقَ متطرف في أي بلد عربي أو إسلامي كان ضمن الاتحاد السوفياتي أو بلد أوروبي، فضلاً عن أميركا، إلا وجاء إلى سوريا بتسهيل من تركيا لإقامة “دولة إسلامية” دولة عنف وإرهاب يصورونها كأنها “جنة العدالة” في حين أنهم يصنعون جحيماً في البلد بداعي التحضير للجنة بعد المرور بمرحلة “إدارة التوحش”.
والخاسرون في النهاية ليسوا أهل سوريا وحدهم بل أيضاً العرب. فالدور السوري الذي ضاع في الصراع الجيوسياسي كان جزءاً من الدور العربي الذي عموده الفقري تفاهم مصر وسوريا والسعودية، كما كان في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات قبل ذهاب الرئيس السادات إلى القدس ثم إلى كامب ديفيد. والحاجة كبيرة حالياً إلى دور سوري يخرج من أسر الهيمنة الإيرانية ويسهم في تقوية الدور العربي وضمان الاستقرار في المنطقة. لكن مواجهة التحديات ليست مع الأسف، على المستوى المطلوب والضروري. فاللعبة صارت أخطر مما كانت عليه في البداية، وتيارات الإسلام السياسي الإرهابي تعمل على تفكيك الولاء للدولة.
كان يقال “ما لا يقتلك يجعلك أقوى. لكن الدنيا تغيرت فصار ما لا يقتلك يجعلك أضعف”.