بالنسبة لـ “حماس” وأمثالها من المتطرفين، لطالما كانت الحملات العسكرية والهجمات الإرهابية خلال الشهر الكريم تكتيكات مقبولة تماماً.
في بداية شهر رمضان، بدأ ملايين المسلمين حول العالم شهراً من التأمل والعبادة والخدمة والالتزام المتجدد تجاه المجتمع. ولكن لا ينبغي أن نغفل عن جانب آخر من شهر رمضان الذي ظل تقليداً على مر العصور، وهو اعتبار الشهر الكريم شهر حرب.
ويضطلع ذلك بأهمية خاصة هذا العام، حيث سيدعو العديد من المراقبين ذوي النوايا الحسنة إسرائيل إلى تعليق عملياتها العسكرية ضد المتطرفين الإسلاميين في “حماس”، الذين سيستذكرون – من بين كافة شرائح المجتمع الفلسطيني – تاريخ الجيوش الإسلامية التي شنت الحروب خلال شهر رمضان، والمفارقة المتمثلة بمطالبة المقاتلين غير المسلمين بالالتزام بنوع من “هدنة رمضان”.
وقد تكون الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 معروفة لدى اليهود باسم “حرب يوم الغفران”، لكنها معروفة على نطاق واسع في العالم العربي بـ “حرب رمضان” نظراً لأن أنور السادات أرسل قوات مصرية لعبور قناة السويس خلال الشهر الفضيل. لكن هذا ليس سوى مثال حديث نسبياً عن شن جيوش عربية أو إسلامية حرب خلال هذا الشهر.
وفي عام 2014، نشرت صحيفة “عرب نيوز” السعودية مقدمة مفيدة حول هذا الموضوع جاء فيها ما يلي: “بينما نُشرت كتابات كثيرة عن الفتوحات الإسلامية مع التركيز على الاستراتيجية، فقد تحققت انتصارات كثيرة خلال شهر رمضان بفضل تركيز الأمة على الله عز وجل، مما أزال الخوف من قلوب المسلمين. ولهذا السبب تحققت بعض أعظم الانتصارات في الإسلام خلال شهر رمضان…”
بدءاً من غزوة بدر الكبرى في العام الثاني من التقويم الهجري، الموافق سنة 624 م، تشمل قائمة الانتصارات التاريخية في رمضان المذكورة في هذا المقال “فتح مكة (8 هجرية)، وفتح رودس (53 هجرية)، ووصول المسلمين الناجح إلى ساحل إسبانيا (91 هجرية)، وانتصار طارق بن زياد على ملك إسبانيا (92 هجرية)، وانتصار صلاح الدين على الصليبيين الغزاة (584 هجرية)، وانتصار المماليك على الغزاة التتار في معركة عين جالوت (650 هجرية)”.
وفي السنوات الأخيرة، إذا نظرنا إلى سجل تنظيم “الدولة الإسلامية” المتعطش للدماء في شهر رمضان، نلاحظ، كما أشار أحد مراسلي صحيفة “واشنطن بوست”، أن أحد المتحدثين باسم التنظيم الإرهابي حث أتباعه في عام 2016 على “جعله شهراً تحل فيه الكوارث في كل مكان على الكفار” – وقد قاموا بذلك بالفعل، من خلال شنهم هجمات مروعة خلال شهر رمضان ضد المدنيين، من الكويت إلى سوريا إلى فرنسا وإلى ملهى ليلي في أورلاندو، فلوريدا.
وكما أشار زميلي في “معهد واشنطن” باتريك كلاوسون في عام 2004، أصيبت الحكومات غير الإسلامية الساذجة بخيبة أمل عندما ناشدت خصومها المسلمين وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان: “رفض الجانب الإسلامي، الذي يزيد عادةً من حدة القتال خلال شهر رمضان، بشكل موحد المقترحات الحديثة لوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان من قبل الحكومات العلمانية – السوفييت في أفغانستان، وصدام حسين عندما حارب جمهورية إيران الإسلامية“.
ومجدداً، لا بد من الإشارة إلى أن ذلك لا يقلل بأي شكل من الأشكال من قدسية هذا الشهر بالنسبة للملايين من المسلمين، والتزامهم بالصلاة الرسمية، والاحتفالات العائلية والمجتمعية عندما يحل وقت الإفطار في المساء. لكن “حماس” تشبه تنظيم “الدولة الإسلامية” أكثر بكثير مما تشبه هؤلاء الملايين من المصلين المسالمين.
بالنسبة لـ “حماس” ورفاقها، إن شن الحرب خلال شهر رمضان – بما في ذلك التضحية بإخوانهم المسلمين كبيادق في القتال ضد إسرائيل، والتحريض على التوترات في المسجد الأقصى في القدس لإثارة العنف في هذا الموقع المقدس وشن هجمات إرهابية ضد المدنيين – يُعد من التكتيكات العسكرية المقبولة، إذ يصلح ذلك خلال شهر رمضان كما يصلح في الأشهر الأخرى من العام.
وإذا تفاوضت الولايات المتحدة على “وقف مؤقت لإطلاق النار” تلتزم بموجبه “حماس” بإطلاق سراح الرهائن والتوقف عن استخدام النساء والأطفال الأبرياء كأدرع لحماية مسلحيها، فسيشكل ذلك إنجازاً بكل معنى الكلمة. ولكن يجب ألا تنخدع الحكومة الأمريكية بالدعوات حسنة النية التي تحث إسرائيل على ممارسة ضبط النفس العسكري من جانب واحد ـ أو ما هو أسوأ من ذلك، تعليق العمليات العسكرية ضد “حماس” ـاحتراماً لشهر رمضان.
بإمكان التأكيد على نقطة واحدة، وهي أن “حماس” (أو ما تبقى منها) لن تخصص هذا الشهر للتأمل والخدمة والعبادة، بل على العكس تماماً.
روبرت ساتلوف
معهد واشنطن