يقترب حلول الذكرى الـ21 لحرب العراق بين بدئها ليل الـ19 – 20 من مارس (آذار)، وسقوط بغداد في التاسع من أبريل (نيسان) 2003، وقد تضمنت هذه الفترة وثائق ومحاضر لاجتماعات قياديين عراقيين وعرب وإقليميين وإيرانيين وأميركيين مع مسؤولين سوريين، عشية التحضير للحرب العراقية، وفي الفترة الأولى عقب سقوط صدام وأثر ذلك في دمشق وطهران وبغداد. مما رصدته “المجلة” ونستعرضه في تقريرنا هنا.
تلقي الوثائق والمحاضر الرسمية الضوء على المراحل الأخيرة لقرار الرئيس جورج بوش إسقاط صدام بعد فشل سيناريو “انقلاب القصر” و”ركض” رئيس “الاتحاد الوطني الكردي” جلال طالباني إلى دمشق لإبلاغها قرار “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي أي) السري بـ”التخلص من صدام” قبل سنة من غزو العراق في 2003، إضافة إلى محضر لقاء الرئيس جو بايدن (عندما كان قيادياً في الكونغرس نهاية 2002) مع الأسد عشية الغزو وقوله “إذا لم نسقط صدام، سيمتلك سلاحاً نووياً”.
كما تكشف في هذه الحلقات نصوص الاتفاقات السرية بين “المرشد” الإيراني علي خامنئي والرئيس السوري بشار الأسد لإفشال الأميركيين عبر “العمليات الانتحارية” وتحويل العراق إلى “فيتنام جديدة”، وقول رئيس “مجمع تشخيص مصلحة النظام” الإيراني هاشمي رفسنجاني لمسؤول سوري في اجتماع رسمي مغلق إن “كل جريح أو قتيل أميركي في العراق، هو قنبلة في أميركا”. إضافة إلى قائمة مطالب “الاستسلام”، التي سلمها باول للأسد في دمشق بعد سقوط صدام، وحث إيران للرئيس السوري على “عدم الخوف” من أميركا، وقول خامنئي إن بشار الأسد “حافظ الأسد شاباً”.
بين الأسد وصدام
خلال النصف الثاني من التسعينيات سرع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد من وتيرة التطبيع مع الرئيس العراقي صدام حسين، وجرى تبادل كثير من الرسائل السرية وفتح الحدود وتطوير العلاقات التجارية وتبادل النفط، فيما عرف وقتذاك بــ”حملة كسر الحصار” عن العراق.
كان هذا بعد سنوات من القطيعة وتبادل الاتهامات والمؤامرات ومحاولات التقارب، بما فيها فشل لقاء سري رعاه العاهل الأردني الراحل الملك حسين عام 1987 على رغم وقوف الأسد ضد صدام في الحرب الإيرانية – العراقية.
أ_ف_ب.jpg
واصلت سوريا اتصالاتها مع قادة المعارضة العراقية التي كانت تريد تغيير نظام صدام وخاب ظنها بعد حرب الكويت (أ ف ب)
طوال هذه المسيرة القلقة بين جناحي حزب “البعث” الحاكم في دمشق وبغداد، تمسك الأسد بعلاقته مع طهران منذ انتصار “الثورة” فيها عام 1979 بما في ذلك الوقوف إلى جانبها في الحرب ضد العراق بين 1980 و1988 من جهة، وإلى جانب فصائل المعارضة العراقية التي تريد إسقاط نظام صدام حسين من جهة ثانية، ودول عربية متخاصمة مع إيران، خصوصاً وقوفه (الأسد) مع التحالف الدولي لإخراج قوات صدام من الكويت عام 1991 من جهة ثالثة.
إلى حد كبير، استمر هذا الخط مع تسلم الرئيس بشار الأسد السلطة بعد وفاة والده في يونيو (حزيران) 2000، بالتوازي مع محاولات كثيرة للانفتاح على أميركا ودول غربية. وفي خضم انشغال دمشق بالانتقال الرئاسي، واصلت سوريا اتصالاتها مع قادة المعارضة العراقية التي كانت تريد تغيير نظام صدام، وخاب ظنها بعد حرب تحرير الكويت عام 1991 وعدم حصول هذه المعارضة على الدعم الكامل من الأميركيين، بل وتعرضها لخيانات أميركية في الجنوب والشمال، والاكتفاء بـ”الحصار” والحظر الجوي في الشمال.
من دمشق
في السياق، تكشف الوثائق الرسمية السورية عن كثير من الأسرار والمواقف لما كان يجري في الغرف المغلقة ضمن التحضير الأميركي والإقليمي لغزو العراق في 2003.
تتضمن الوثائق محاضر اجتماعات واتصالات بين مسؤولين سوريين ومعارضين عراقيين ومسؤولين عرب وإقليميين، نقلها نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، إلى باريس قبل انشقاقه عام 2005.
اللافت هنا أن خدام الذي كان يعارض التدخل الأميركي في العراق عام 2003 ولم يكن مقتنعاً كثيراً به، عندما سمع من عراقيين عن قرار الرئيس الأميركي جورج بوش الحاسم بـ”إزاحة صدام”، كان هو نفسه أكثر المتحمسين للتدخل في سوريا، بعد انشقاقه عام 2005، عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وبدء الاحتجاجات والأزمة والحرب السورية في 2011.
كما تكشف هذه المحاضر والوثائق، التي تنشرها “المجلة” تباعاً، عن الخطوط المفتوحة التي تركتها دمشق مع خصومها وحلفائها المتحاربين، على رغم تصاعد العلاقة السياسية والاقتصادية مع بغداد- صدام.