كان متوقعاً أن يتحول الخلاف بشأن عملية عسكرية في رفح بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى عقدة مستعصية، خصوصاً مع إصرار الأخير على استكمال حرب الإبادة والتجويع في غزة، من دون أن يأخذ تحذيرات الرئيس الأميركي على محمل الجد، لكن ذلك يصطدم بعدم قدرة بايدن على التزام الصمت حيال مجزرة إضافية بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، في ظل حملته الانتخابية، المهزوزة أصلاً في ولايات عدة تهدد إعادة انتخابه.
تعذّر على الرئيس بايدن حمل نتنياهو، خلال اتصال أجراه معه الاثنين، تجاوز عشرين دقيقة، على صرف النظر عن اقتحام رفح واستبداله بطرق أخرى تحقق الأهداف ذاتها. بعد انسداد أفق، كان لا بد من تفاهم عبر حوار في واشنطن. وبحسب مستشار الرئيس الأميركي جيك سوليفان، وافق نتنياهو على إرسال وفد إلى واشنطن، في الأيام القليلة المقبلة، للتباحث مع المعنيين في الإدارة حول مسألة اقتحام رفح. الموافقة ما زالت مبدئية ولم يتحدد بعد موعد اللقاء.
مباحثات واشنطن: تأخير اجتياح رفح
جاء ذلك بعد خطاب السيناتور الديمقراطي تشاك شومر في مجلس الشيوخ، أواخر الأسبوع الماضي، وبدا بمثابة دعوة لإطاحة نتنياهو بوصفه “عقبة في طريق السلام”. مضمون كلمته غير المسبوق أمام مجلس الشيوخ، يبدو أنه عبّر عما يضمره بايدن، ويعبّر عنه بخجل، لكن الجمهوريين وظّفوها بقوة ضد البيت الأبيض وشومر، بوصفها “تدخلاً في الشؤون الداخلية لبلد حليف ذي سيادة”.
استند نتنياهو إلى موقف الجمهوريين المذكور، في مقابلات أجراها مع وسائل إعلام أميركية، ضد خطاب شومر ومؤيديه، فبدا وقد استعاد المبادرة، معززاً تمسكه بقرار الاجتياح. وبحسب تقديرات، ربما أسعفه ضعف استثمار خطاب شومر ليعمل على تسريع عمليته العسكرية في رفح.
بدت هناك فرصة سانحة لبايدن، في أعقاب خطاب شومر، لإعلان خطوات فرض قيود على تسليح إسرائيل لردعها ومنعها من تنفيذ عملية عسكرية. بدلاً من ذلك، اختار البيت الأبيض الاتصال بنتنياهو بعد 32 يوماً من قطيعة، مناشداً نتنياهو صرف النظر عن العملية في رفح، وانتهى الأمر إلى مباحثات في واشنطن.
لا يتوقع مراقبون انتهاء تلك المباحثات، حال انعقادها، إلى أكثر من تأخير للعملية في أحسن الأحوال. خصوصاً أن انعقادها غير مشروط بامتناع إسرائيل عن القيام بأي عمل عسكري، قبل جلساتها وخلالها. جلّ ما بحوزة الإدارة الأميركية هو الأمل بألّا تجتاح القوات الإسرائيلية المدينة، قبل نهاية هذه المشاورات. ونصح سوليفان إسرائيل بأن الدخول الميداني إلى رفح “غلطة”، وهو التعبير نفسه الذي استخدمته إدارة بايدن لثني إسرائيل عن دخول القطاع، وهو ما فعلته الأخيرة من غير مساءلة.
إفطار رمضاني في العراء بمدينة رفح (ياسر الحاطب/الأناضول)
قضايا وناس
اجتياح رفح… لا مهرب آمناً سوى السماء
تدرك الحكومة الإسرائيلية محدودية تحذيرات إدارة بايدن، وطلباتها الشكلية. في 28 فبراير/ شباط، طلب البيت الأبيض من إسرائيل تزويده مسبقاً بخطة للعملية المحتملة في رفح للتأكد من “قابليتها للتنفيذ بصورة تضمن حماية المدنيين ووصول المساعدات إليهم”. حتى اليوم، لم تتسلم واشنطن أيّ ردّ من إسرائيل بهذا الخصوص.
يتوسل بايدن لتأجيل الاجتياح، وهذه المرة عبر المباحثات، علّ التوصل إلى صفقة رهائن، وهدنة قابلة للتمديد، يحوّل هذا التأجيل إلى واقع مستمر. يضغط البيت الأبيض، ويشتري الوقت متحدثاً بتفاؤل متحفظ عن إمكانية تحقيق هذا الغرض، لأن الحسابات الانتخابية لاستحاق نوفمبر/ تشرين الثاني الرئاسي، لا تقبل نهاية مختلفة.