القضايا الأخيرة للقياديين، دان غولدفوس وبراك حيرام، تبدو أعراضاً لتفكك سلسلة القيادة في الجيش، وهي أخطر مما تبدو. قائد الفرقة 36، دافيد بار خليفة، طلب من الجنود في الأمر اليومي الانتقام من الفلسطينيين، ولم يسمع أي تحفظ، حتى لو كان خفيفاً، في هيئة الأركان. ما الغريب في أنه عندما أمروه بإخلاء قواته من القطاع، ثار شك في هيئة الأركان بأن تعليمات رئيس الأركان كانت غامضة بشكل متعمد.
براك حيرام لم يأمر فقط بإطلاق النار على المدنيين الإسرائيليين، بل قصف جامعة بدون مصادقة. في بداية الحرب، أجرت أيلانا ديان مقابلة معه حذر فيها المستوى السياسي من المفاوضات السياسية. وفي حينه، أغلق رئيس الأركان أذنيه. ولكن ليس قادة الفرق هم وحدهم الذين يتحدون، بل الجنود أيضاً. أفلام الجنود ونداءات العودة إلى “غوش قطيف” واستخدام الشبكات الاجتماعية لتوجيه الانتقادات للانضباط في استخدام القوة والنهب وما شابه، كل ذلك من علامات الغليان من الأسفل، التي تجد هيئة الأركان صعوبة أو خشية في ضبطها. لماذا يحدث ذلك؟ ثمة شروط تتراكم وتشجع على التفكك: أولاً، تدرج القيادة ضعفاً في فترة الغسق، بين غروب التجنيد الإلزامي وتطور التجنيد التطوعي. هذه هي المرحلة التي يؤمن فيها الجنود والمجندات في الاحتياط بأن لهم حقاً استثنائياً في إسماع صوتهم إزاء مستوى الانتقائية المرتفع لخدمة الاحتياط الذي يحولهم إلى أقلية صغيرة.
انتشرت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة ووصلت إلى جنود الخدمة النظامية، الذين أصبحوا أيضاً بالتدريج أقلية صغيرة إزاء حجم الإعفاءات من التجند، ونسبة الذين لا يخدمون في الوظائف القتالية. هذا المزاج – الشرط الثاني – اندمج مع ظروف خاصة للحرب. يشعر الجنود بأن عبء التضحية ملقى على مسؤولية قلائل، ومطلوب منهم تعريض حياتهم للخطر والخدمة في غزة لفترة طويلة، بل إن هؤلاء الأقلية ينقذون الدولة من يد القيادة السياسية والقيادة العسكرية العليا، التي فشلت.
كل ذلك يتعزز في ضوء النسبة المرتفعة من المقاتلين الذين يتماهون مع اليمين واليمين المتدين، الذين حسب اعتقادهم، ينقذون الدولة من الكارثة التي فرضتها الحكومات الانهزامية وتفاقمت بسبب إسهام اليسار في إضعاف الجيش من خلال الاحتجاج ضد الانقلاب النظامي. تطور على هذه الخلفية غليان الجنود منذ بداية الحرب.
الشرط الثالث أن السياسيين يشوشون على سلسلة القيادة – في هذه الحالة يدعم السياسيون من اليمين سلوك الضباط والجنود الاستثنائي. امتنع رئيس الأركان أمام هذه الأوضاع المتراكمة عن ضبط سلوك الجنود، فكيف سيتجرأ على محاسبة جندي في الاحتياط يخدم في غزة منذ بضعة أسابيع وقرر التقاط صورة مع الأغراض التي تم نهبها، أو إطلاق تحذير للحكومة المنتخبة؟ هكذا فقد رئيس الأركان السيطرة.
قادة الفرق ببساطة استغلوا القدرة على المساومة في الميدان لاستعراض قوتهم. الآن، يتشكل الشرط الرابع للتفكك الداخلي الذي يتعزز في الوقت الذي أصبح فيه من الواضح لقادة الميدان أن تضحية الجنود لا تترجم إلى إنجاز، لا يمكن أن يكون إلا إنجازاً سياسياً، لذا كل ما تبقى هو المراوحة في المكان بدون هدف وبدون خسائر.
في نهاية المطاف، لن يكون هناك انتصار. عدم الثقة بمن جر الجيش الى الحضيض، يجعل القادة يتهمون الذين يغرسون سكيناً في ظهر الجيش. وحسب خطاب غولدبوس، فإن السياسيين غير جديرين بالجنود. إعادة بناء الجيش لا يمكن أن تتم ما دامت هذه الحرب مستمرة.