وجّهت تركيا مجدّدا اتهاماتها لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني المصنّف من قبلها ككيان إرهابي ويخوض جيشها حربا ضدّ مسلّحيه الذين تتمركز أعداد منهم بمناطق شمال العراق.
ودعا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قادة حزب الاتحاد إلى الرجوع عن “خطئهم” المتمثل في التعاون مع حزب العمّال مؤكّدا مضي بلاده في حربها على الأخير داخل الأراضي العراقية.
وجاء كلام فيدان في سياق تركيز شديد للخطاب السياسي والإعلامي التركي على موضوع الحرب ضد حزب العمال داخل العراق والتي وعد الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخّرا بحسمها في ظرف أشهر قليلة قادمة.
وترافق هذا الخطاب مع تحركّات كثيفة من قبل كبار المسؤولين الأتراك باتجاه العراق، وقالت مصادر سياسية إنها جزء من الاستعدادات التركية لشنّ عملية عسكرية داخل الأراضي العراقية قد تكون الأوسع نطاقا منذ بدء الحرب بين القوات التركية وحزب العمّال الكردستاني قبل نحو أربعة عقود من الزمن.
وتحدّثت المصادر عن حالة من التقارب الكبير بين بغداد وأنقرة بشأن الجهد الحربي التركي ضدّ مواقع تمركز مقاتلي الحزب في مناطق شمال العراق، الأمر الذي يمنح تركيا ضوءا أخضر لتوسيع نطاق حربها في تلك المناطق.
هاكان فيدان: ندعو السليمانية للتراجع عن الخطأ قبل فوات الأوان
هاكان فيدان: ندعو السليمانية للتراجع عن الخطأ قبل فوات الأوان
وقالت المصادر إنّ ذلك التقارب مبني على مصالح اقتصادية متنامية بين تركيا والعراق، غير مستبعدة حدوث تعاون بين الطرفين لإغلاق ملف حزب العمّال في نطاق صفقة تشمل حلحلة قضية المياه المؤرقة للسلطات العراقية بسبب تناقص موارد العراق من الماء جرّاء حالة الجفاف واحتجاز تركيا داخل سدودها لكميات متزايدة من مياه نهري دجلة والفرات.
وتشمل حالة الوفاق مع تركيا بشأن مواجهة حزب العمال بدرجة أوضح الحزب الديمقراطي الكردستاني القائد لحكومة إقليم كردستان العراق، والذي أقامت قياداته من أسرة بارزاني علاقات مصلحية وثيقة مع أنقرة جعلتها تغض النظر عن العمليات العسكرية التركية التي يجري كثير منها في مناطق واقعة ضمن مجال نفوذ الحزب.
لكن حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني ما يزال يمثّل الاستثناء في الموقف من حزب العمّال الكردستاني، ولا يبدي أي تجاوب مع مساعي تركيا لإشراك الأطراف العراقية في الحرب ضدّه، ما يفسّر الاتهامات التركية لحزب الاتحاد بدعم الارهاب واحتضانه في مناطق نفوذه.
ويستند المسؤولون الأتراك في اتهاماتهم لحزب الاتّحاد على العلاقة الجيدة التي يقيمها رئيس الحزب بافل جلال طالباني مع عدد من القيادات الكردية المعارضة للنظام التركي في المنطقة بما في ذلك قيادة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المتصدية للتوسّع التركي داخل الأراضي السورية.
وراوح فيدان في خطابه تجاه حزب الاتّحاد بين اتهامه برعاية الإرهاب ومحاولة استمالته، قائلا خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني “رغبتنا هي أن يتراجع أصدقاؤنا في السليمانية عن خطئهم قبل فوات الأوان، وأن يوطدوا صداقتهم مع تركيا اليوم أيضا كما فعلوا في الماضي، وأن نتحرك نحو مستقبل مشترك معا”.
ويشارك حزب الاتّحاد في قيادة سلطات إقليم كردستان العراق ويمتلك مجال نفوذ له في الإقليم يتركّز أساسا في محافظة السليمانية التي تقول تركيا إنّ بعض مناطقها تحوّلت إلى ملاذ لمقاتلي حزب العمّال، وسبق لها أن قامت بناء على ذلك بقصف مطار عربت بالمحافظة باستخدام الطيران المسيّر.
ويبدو أن تركيا تريد أن تشمل مناطق السليمانية بعمليتها العسكرية الكبيرة ضد مقاتلي حزب العمّال لكنّ عدم تعاون حزب الاتحاد معها ما يزال يشكّل العقبة الأخيرة أمامها.
وأشار وزير الخارجية التركي بوضوح إلى طموح بلاده لإشراك مختلف الأطراف العراقية في حربها ضد حزب العمال قائلا “سنبني المستقبل معا في أربيل والسليمانية وبغداد وكركوك والموصل، ولا مكان للتنظيمات الإرهابية هناك”.
◙ تركيا كثّفت خلال السنوات الأخيرة من عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية وأقامت لها هناك بنية حربية
◙ تركيا كثّفت خلال السنوات الأخيرة من عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية وأقامت لها هناك بنية حربية
كما وجّه فيدان تهديدات مبطّنة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وقال مجيبا عن سؤال حول ما إذا كانت هناك إجراءات عملية ستتخذها السلطات التركية ضدّ الحزب “ماذا تتوقع مني أن أفعل طالما أنك تدعم عدوي.. واجبي أن أمنع استفادة العدو منك”.
ودعا قادة حزب الاتحاد “إلى التخلي عن التعاون مع تنظيم حزب العمال لأنه ليس في صالحهم”، مضيفا “أهل السليمانية أصدقاء لتركيا ولا يمكن أن تكون لديهم مصلحة مع تنظيم إرهابي”.
واعتبر الوزير ما سماه “العلاقات الوطيدة” لقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية مع حزب العمال الكردستاني “لم تعد تشكل مشكلة فحسب لتركيا بل تهديدا لأمنها القومي”.
وأكد أنّ بلاده مصممة “على استخدام كافة أدواتها السياسية الخارجية المتاحة بشكل منسق من أجل ضمان الاستقرار في منطقتها”.
وكثّفت تركيا خلال السنوات الأخيرة من عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية وأقامت لها هناك بنية حربية متمثلة في عدد من القواعد العسكرية وشبكة طرقات تربط بينها وتصلها بالأراضي التركية، كما أطلقت عملية تحت مسمى “المخلب-القفل”.
وتروّج تركيا لتحقيق انتصارات حاسمة بفضل تلك العملية، لكنّ مصادر أمنية وعسكرية كردية تؤكّد أن القوات التركية تتكتّم على خسائر كبيرة في صفوفها خلال مواجهتها لمقاتلي حزب العمال المتحصّنين بشكل محكم داخل مناطق جبلية وعرة يعرفون تفاصيلها جيدا منذ سنوات طويلة.
وأعلنت مصادر أمنية تركية، الثلاثاء، عن تمكن جهاز الاستخبارات التركي من تحييد القيادية بحزب العمال الكردستاني روجدا بيلان في مدينة السليمانية شمالي العراق.
وقالت المصادر إنّ عناصر الاستخبارات التركية تعقّبت تحركات بيلان المدرجة ضمن اللائحة الزرقاء لقائمة المطلوبين لوزارة الداخلية التركية، إلى أن أوقعت بها في السليمانية.
وتخدم مثل هذه الأخبار الموجّهة، الدعاية التركية المزدوجة بشأن تمركز حزب العمال الكردستاني في مناطق حزب الاتّحاد الوطني، من جهة، وبشأن الانتصارات العسكرية والاستخباراتية لتركيا من جهة ثانية.
ويعتبر مراقبون أنّ الإلحاح التركي الشديد على مشاركة الأطراف العراقية في الحرب ضدّ حزب العمال، يعبّر في بعض وجوهه عن إقرار بالعجز عن حسم تلك الحرب بجهد ذاتي.
◙ حزب العمال الذي يصنف نفسه عدوا لتركيا لم يستطع السيطرة على شبر من أراضيها
◙ حزب العمال الذي يصنف نفسه عدوا لتركيا لم يستطع السيطرة على شبر من أراضيها
وشهدت الفترة القريبة الماضية كثافة شديدة في تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين الأتراك ونظرائهم العراقيين بمن في ذلك المسؤولون الأمنيون. واحتضنت العاصمة العراقية بغداد الأسبوع الماضي اجتماعا أمنيا تركيا-عراقية أسفر عن إنشاء لجان دائمة مشتركة تعمل في مجالات مكافحة الإرهاب والتجارة والزراعة والطاقة والمياه والصحة والنقل.
وشارك في الاجتماع من الجانب التركي وزيرا الخارجية والدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات ونائب وزير الداخلية، بينما مثل العراق كلّ من وزيري الخارجية والدفاع ووكيل وزارة الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي ونائب مدير وكالة المخابرات ووزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان.
وكشف وزير الخارجية التركي عن وجود تقدمّ في التنسيق الأمني مع الجانب العراقي مؤكّدا وجود اتصالات ممنهجة مع العراق خلال السنوات الأخيرة.
ويقوم التكتيك التركي في إقناع الجانب العراقي بالانخراط في الجهد الحربي ضدّ حزب العمال الكردستاني على ربط الملفات الأمنية بالتعاون الاقتصادي وقضية المياه.
وقال فيدان إنّ بلاده حريصة على العمل بانسجام مع جميع الحكومات المتعاقبة على بغداد في إطار ظروفها الخاصة، لافتا إلى دعم أنقرة الجهود التنموية التي تبذلها الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني.
وأشار إلى أن العراق لم ينجح في إيصال الخدمات الأساسية إلى شعبه بسبب الحرب الداخلية والاشتباكات التي يشهدها، قائلا إنّ حزب العمال يستغل هذا الوضع لتعزيز وجوده في البلاد.
ولفت إلى نشاط تركيا الفاعل في الميدان سواء من الناحية العسكرية أو الاستخبارية، إلى جانب رسمها الإطار الدبلوماسي والإستراتيجي لهذه التحركات من أجل إشراك العراقيين في جهودها لمكافحة الإرهاب.
وذكر أنّ حزب العمال الذي يصنف نفسه عدوا لتركيا لم يستطع السيطرة على شبر من أراضيها، وفي المقابل فإنه يحتل مساحات واسعة من الأراضي السورية والعراقية، معتبرا أنّه أكثر ما يلحق الضرر بسوريا والعراق، ومبينا أنّ سلطات بلاده أطلعت السلطات العراقية مرارا على هذه الحقيقة وقطعت شوطا في إقناعها بذلك بفعل “الاتصالات القائمة على العلاقات والصداقات الشخصية”.
وقطعت الحكومة العراقية مؤخرا خطوة نوعية باتّجاه تطوير التعاون والتنسيق الأمني مع تركيا بشأن ملف حزب العمّال الكردستاني وذلك بتصنيف الحزب من قبل مجلس الأمن القومي العراقي تنظيما محظورا في العراق.
وأشاد فيدان بالخطوة، وقال إنّ الجهود متواصلة لتعزيز عمل الآلية الأمنية وكيفية إضفاء المؤسساتية عليها ورفعها إلى مستوى متقدم.
تكتيك تركي يقوم في إقناع الجانب العراقي بالانخراط في الجهد الحربي ضدّ حزب العمال الكردستاني
وبشأن الزيارة المرتقبة للرئيس رجب طيب أردوغان إلى العراق في أبريل القادم أكد فيدان أن تركيا تريد تنفيذ بعض الاتفاقيات وصياغة اتفاقيات أخرى ضمن إطار معين قبل حلول موعد الزيارة.
وأفاد بأن الاتفاق الإطاري الذي يجري العمل عليه لا يتضمن الجانب الأمني فحسب، بل يشمل ملفات الطاقة، والمياه، والزراعة، وإدارة المعابر الحدودية وغيرها من الملفات الأخرى بما فيه التعاون الإقليمي.
وبحسب وزير الخارجية التركي فإن الملف الأمني يشكل أحد أذرع الاتفاق الإطاري بين أنقرة وبغداد الذي قال إن الجهود متواصلة لتأمين توقيعه خلال زيارة أردوغان إلى بغداد.
كما كشف الوزير عن وجود تعاون استخباري بين أنقرة وبغداد إلى جانب مجالات تعاون متعلقة بالأمن وبمكافحة الإرهاب سواء مع الحكومة المركزية أو إقليم كردستان العراق.
كما كشف عن وجود مباحثات مكثفة مع هيئة الحشد الشعبي فيما يخص منطقة سنجار الواقعة بشمال غرب العراق والتي تركّز عليها تركيا بشكل استثنائي باعتبارها أحد مواقع تمركز حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية.