ماذا يجري في واشنطن حول إنهاء حرب غزة؟
سؤال يلبد سماء العاصمة الأميركية من البيت الأبيض إلى تلة الكونغرس وحتى الصحافة والإعلام، فهل هناك مشروع مركزي واحد أم مشاريع مختلفة؟ أم لا مشاريع إطلاقاً؟
الأجوبة متداخلة ومعقدة ومتراكمة، والوضع في الشرق الأوسط بات من أخطر ما كنا عليه منذ أعوام، حرب مدمرة تطول في غزة، وأربع حروب تتوسع في البحر الأحمر والحدود اللبنانية والهلال الخصيب وتتمدد في سوريا والعراق، والمقلق أن الجباريْن النوويين، روسيا والصين، يهددان بالتدخل التدريجي في حروب المنطقة مما قد يجلب الـ “ناتو” بأكمله.
من هنا لا بد من فهم ما هي الطروحات المتوافرة لدى الولايات المتحدة لإنهاء حرب غزة في الأقل، لما تكوّنه من فتيل خطر لحال الحروب في المنطقة، ومن هنا أيضاً لا بد من استعراض المشاريع الموجودة حالياً في أروقة واشنطن تجاه إنهاء حرب غزة المتمادية، وهذه المواقف تنطلق من أجندات سياسية وعقائدية ثلاث نستعرضها كما يلي.
“دعم غزة”
على أقصى اليسار وبالتحالف مع التنظيمات الإسلاموية الإخوانية والخمينية، تجتمع الأجندة اليسارية – الإسلاموية على موقف مشترك أساس وهو “وقف فوري لإطلاق النار”، مما يعني إنهاء الحرب لمصلحة “حماس”، أي انكسار عسكري سياسي لإسرائيل، والخطاب “التقدمي” الأميركي واضح وجامد، وقف إطلاق نار فوري وانسحاب سريع للقوات الإسرائيلية من غزة، ومعاقبة حكومة بنيامين نتنياهو دولياً. ويدعم هذا التيار معظم حركات الـ “ووك” في أميركا، إضافة إلى اللوبيات الإيرانية والقطرية، ويتحكم هذا التيار بجزء من البيروقراطيات وشبكات اليسار الفني، ولكن هل لهذا التيار نفوذ حقيقي في إدارة الرئيس جو بايدن؟
إذا حللنا تأثير هذا المحور في الإدارة رأينا أنه قادر على إجبار البيت الأبيض على اعتماد سياسة وقف إطلاق النار كهدف، وحتى الضغط مباشرة على حكومة بنيامين نتنياهو إلى أقصى الحدود، أي إلى حد إطلاق محاولة لإسقاط حكومته بالضغط الديبلوماسي والاقتصادي والسياسي، ولكن هل لهذه القوة التقدمية أن تنجح في إجبار واشنطن على اتخاذ إجراءات عملية لفرض وقف عملي لإطلاق النار على إسرائيل؟
الجواب يكمن بقدرة لوبي الاتفاق النووي على إجبار الإدارة على كسر المعادلة التقليدية التي تربط أميركا بإسرائيل، ولا سيما خلال هذا العام الانتخابي الصاخب.
“الدعم لإسرائيل”
يقابل هذا التيار الكتلة الضاغطة المؤيدة لإسرائيل والتي تسيطر على الكونغرس وتدعو الإدارة إلى عدم مواجهة حكومة نتنياهو في سعيها إلى تفكيك “حماس” عسكرياً، وتقف أكثرية الحزب الجمهوري وراء هذا الموقف، وكذلك أكبر الكنائس الإنجيلية، ومؤيدو العلاقة العضوية الإستراتيجية بين أميركا وإسرائيل ينتمون إلى أوساط مختلفة تمتد عبر مساحة الدولة الأميركية، ولها تأثير عميق على السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، والجالية اليهودية هي المكوّن الأساس لهذا التأثير، على رغم وجود انقسامات سياسية حادة داخلها، إذ إن الفئات اليهودية اليسارية تدعم “وقف إطلاق النار” والتفاوض مع “حماس” إلى حد ما، ولكن الأكثرية في الوسط واليمين ضمن الجالية، ولا سيما بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إذ تقف إلى جانب حكومة نتنياهو في حربها على “حماس” وإن اختلفت مع هكذا حكومة على رؤية المستقبل.
إنما الكتلة الأكبر والأهم في دعمها الحرب على “حماس” هي الجاليات المسيحية البروتستانتية، وهي تعد عشرات الملايين من الأعضاء، وموقف هذه الأخيرة وبالتالي نوابها في الكونغرس، هو دعم إسرائيل عسكرياً وإستراتيجياً حتى إنهاء “حماس” كقوة مقاتلة، ويبقى السؤال: هل ستتمكن هذه القوة الضاغطة من أن تحمي قرار إسرائيل بإنهاء “حماس” على رغم قوة اللوبي الإيراني؟
الوسط البراغماتي
في الوسط تدعو القوى اليسارية والمحافظة المعتدلة إلى وقف لإطلاق النار، ولكن في الوقت نفسه توافق على إنهاء “حماس”، وهو موقف متناقض، إذ كيف تشجع إسرائيل على إنهاء الحركة والدعوة إلى وقف إسرائيل من فكفكتها؟
وإلى يمين اليسار الراديكالي هناك اليسار الواقعي أو المعتدل المعارض لنتنياهو ولكن الرافض لـ “حماس” و”إرهابها”، وهذا التيار يدعم الرئيس بايدن لكنه حاسم في ما يتعلق بالحركة، ومن بين رموزه هيلاري كلينتون وجو ليبرمان، وهم يدعمون إسرائيل لكنهم يريدون دوراً أكبر للعرب والسلطة الفلسطينية، وتقابلهم عند الجمهوريين كوادر سياسية تؤيد وقف إطلاق النار ولكن بشروط قاسية قريبة من معادلة انسحاب “حماس” من غزة، ولكن بضمانات لسلامة المنسحبين كما جرى عام 1982 في بيروت، وكذلك “الوسط في أميركا” يؤيد بايدن ولكن لا يؤيد تحالفه مع فئات مرتبطة بـ “حماس”.
والمشاريع الثلاثة ناتجة من عامل واحد وهو تأييد أو معارضة الاتفاق النووي، فموقف أقصى اليسار يريد إنقاذ “حماس” لحليف لطهران وبمال الاتفاق النووي، وأقصى اليمين أطلق الحرية للحكومة الإسرائيلية في عملية الإنهاء العسكري للحركة لإسقاط الاتفاق، أما الإدارة فهي تسعى إلى كسب المعسكرين في عام انتخابي، والمشاريع الثلاثة تبدو وكأنها سائرة باتجاه مركب أن إسرائيل ستصل إلى رفح، وواشنطن قد تفاوض مع مصر وسائر العرب لخروج المقاتلين، والغرب سيسعى إلى وضع اللوم على نتنياهو، وما هو غير معروف هو القدرة الفعلية للوبي الإسرائيلي على مواجهة اللوبي الإيراني.