-
نشرت مجلة “فورين بوليسي”، لستيفن إم والت، كاتب العمود فيها وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، مقالا بعنوان “تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ على إسرائيل أقل مما تعتقد”، قال فيه إن إدارة بايدن واجهت انتقادات قوية لفشلها في وقف الحملة الانتقامية الإسرائيلية في غزة، وتفيد التقارير أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ومساعديه يشعرون بالقلق إزاء ارتفاع عدد الشهداء، ويشعرون بالإحباط بسبب رفض إسرائيل السماح بوصول إمدادات كافية من المساعدات الإنسانية إلى مئات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء الذين أجبروا على الفرار.
وأكد أنه “مع ذلك، لم يوقف بايدن تدفق الأسلحة الأمريكية، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد 4 قرارات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدعو إلى وقف إطلاق النار، وخلافا لكندا، لم تتراجع الولايات المتحدة بعد عن قرارها بوقف تمويل الأونروا، حتى برغم أن الاتهامات بأن موظفي الأونروا في غزة ينتمون لحماس تبدو الآن مشكوكا فيها”.
لم يوقف بايدن تدفق الأسلحة الأمريكية، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد 4 قرارات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدعو إلى وقف إطلاق النار
ووفق الكاتب يفترض منتقدو بايدن أن الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ هائل على إسرائيل، وأن كلمة حازمة من الرئيس مقرونة بالتهديدات بتقليص أو وقف المساعدات الأمريكية ستجبر إسرائيل بسرعة على تغيير مسارها، لكن هذا الافتراض يحتاج التدقيق، لأن الدول الأضعف كثيرا ما ترفض الامتثال لمطالب الولايات المتحدة، وفي بعض الأحيان تفلت من العقاب، فقد رفضت صربيا مطالب الناتو في مؤتمر رامبوييه سنة 1999؛ وتحملت إيران وكوريا الشمالية العقوبات في فنزويلا؛ وبشار الأسد أيضا يحكم سوريا رغم إصرار الولايات المتحدة في وقت سابق على أنه “يجب أن يرحل”.
وأشار إلى أن هؤلاء القادة استطاعوا تحدي الضغوط الأمريكية لأنهم لم يعتمدوا على الدعم الأمريكي، وكان كل منهم يعتقد أنه سيخسر أكثر إذا امتثل للأمر بدلا من التمسك بالدعم الأمريكي، لكن حلفاء الولايات المتحدة المقربين يقاومون أحيانا الضغوط الأمريكية أيضا، كما فعلت ألمانيا عندما واصلت بناء خط أنابيب نورد ستريم 2 رغم اعتراضات الولايات المتحدة، كما فشل القادة الأفغان مرارا وتكرارا في تنفيذ الإصلاحات التي طالب بها المسؤولون الأمريكيون، ويقال إن القادة الأوكرانيين رفضوا نصيحة الولايات المتحدة عند التخطيط لهجومهم المضاد المشؤوم في الصيف الماضي، وكانت كابول وكييف تعتمدان بشكل شبه كامل على الدعم المادي الأمريكي، لكن واشنطن لم تتمكن من حملهما على القيام بما تريد.
وأضاف: قاوم القادة الإسرائيليون، من ديفيد بن غوريون إلى بنيامين نتنياهو، الضغوط الأمريكية في مناسبات عديدة، مما يشير إلى أن مقدار النفوذ الذي تمتلكه الولايات المتحدة في أي لحظة معينة يعتمد على أكثر من مجرد حجم السخاء الأمريكي، ولا ينبغي لنا أن نفترض تلقائيا أن مكالمة هاتفية من بايدن والتهديد بقطع المساعدات الأمريكية من شأنه أن يدفع إسرائيل إلى تنفيذ أوامر أمريكا.
واعتبر أن تقديم المساعدات يقلل من النفوذ على المدى القصير، لأنه لا توجد طريقة لاستعادتها بمجرد تقديمها، وقد استوعب هنري كيسنجر هذه الديناميكية بشكل مثالي عندما قال لأحد الصحافيين: “أطلب من رابين أن يقدم تنازلات، وهو يقول إنه لا يستطيع تقديم تنازلات لأن إسرائيل ضعيفة. لذلك أعطيه المزيد من الأسلحة، فيقول إنه لا يحتاج إلى تقديم تنازلات لأن إسرائيل قوية”.
وبحسب الكاتب فإنه بالنظر الآن إلى الوضع الحالي للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل وما يخبرنا به عن النفوذ الفعلي الذي قد يمارسه بايدن، فأولا، رغم أن إسرائيل لا تعتمد على الدعم الأمريكي كما كانت في العصور السابقة، إلا أنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على الوصول إلى الأسلحة الأمريكية، سواء أنظمة الأسلحة المتقدمة مثل طائرات إف-35 أو صواريخ باتريوت للدفاع الجوي بالإضافة إلى الصواريخ الموجهة بدقة.
ووفقه فالولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تنتج أسلحة متقدمة بالطبع؛ حيث تمتلك إسرائيل صناعات دفاعية متطورة خاصة بها، لكن إعادة تجهيز قواتها في الحدث غير المحتمل المتمثل في وقف الولايات المتحدة إنتاج الأسلحة سيكون عملية صعبة ومكلفة، لقد اعتقد الاستراتيجيون الإسرائيليون منذ فترة طويلة أنه من الضروري الحفاظ على تفوق نوعي على الأعداء المحتملين، وأن فقدان الدعم الأمريكي من شأنه أن يعرض للخطر قدرتها على القيام بذلك على المدى الطويل.
وأشار إلى أنه إضافة إلى ذلك قيمة الحماية الدبلوماسية الأمريكية، سواء في شكل حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو الضغط على الدول الأخرى للامتناع عن انتقاد إسرائيل، ومن الواضح أن الدعم الذي تحصل عليه إسرائيل من الولايات المتحدة سيكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل استبداله، ولهذا السبب يعتقد العديد من المراقبين أن كل ما يحتاج بايدن إلى فعله هو التهديد بخفض الدعم الأمريكي ولن يكون أمام نتنياهو خيار سوى الامتثال.
يعتقد العديد من المراقبين أن كل ما يحتاج بايدن إلى فعله هو التهديد بخفض الدعم الأمريكي ولن يكون أمام نتنياهو خيار سوى الامتثال
ولفت إلى أن المسؤولين الأمريكيين، تمكنوا من المساعدة في إقناع إسرائيل بقبول اتفاقيات وقف إطلاق النار خلال حرب الاستنزاف 1969-1970 وحرب سنة 1973، كما أنهت مكالمة هاتفية غاضبة من الرئيس رونالد ريغان إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن حملة قصف إسرائيلية واسعة النطاق على بيروت الغربية خلال غزو لبنان سنة 1982، وفي كل من هذه الحالات، تصرف قادة الولايات المتحدة بقوة وبنجاح لأنهم اعتقدوا أن المصالح الأمريكية الأوسع كانت في خطر.
ونوه إلى أنه من الصعب تحديد أي من الجانبين لديه عزيمة أكبر الآن، فرغم أن نتنياهو لا يحظى بشعبية متزايدة في الداخل، فإن الرأي العام يدعم الحملة العسكرية في غزة، وحتى أقرب المنافسين السياسيين لنتنياهو ما زالوا متمسكين به حتى الآن. أضف إلى هذا معارضة نتنياهو لحل الدولتين، ورغبته في تجنب الملاحقة القضائية بتهمة الفساد، واعتماده على أعضاء مجلس الوزراء اليمينيين المتطرفين للبقاء في السلطة، والنتيجة هي زعيم إسرائيلي قد يتحدى التهديد الأمريكي العلني بحجب المساعدات، وبإعلانه أن إسرائيل “ليست جمهورية موز”، أصر نتنياهو بالفعل على أن قوات الاحتلال، سوف تشرع في مهاجمة مدينة رفح المزدحمة في غزة، رغم التحذيرات الأمريكية الواضحة.
وبحسبه فعلاوة على ذلك، فإن الأزمة في غزة تلحق ضررا حقيقيا بصورة أمريكا في جميع أنحاء العالم وتجعل إدارة بايدن تبدو قاسية وغير فعالة، وستكون التناقضات في سياسة الولايات المتحدة هزلية إذا لم تكن النتائج مزعجة للغاية؛ حيث تقوم واشنطن بإسقاط الغذاء جوّا على السكان النازحين والجياع في غزة، بينما تقوم في الوقت نفسه بتزويد إسرائيل بالأسلحة العسكرية التي أجبرتهم على الفرار وعرضتهم لخطر المجاعة، وقد يؤدي هذا الوضع أيضا إلى تعريض فرص إعادة انتخاب بايدن للخطر، مما يمنح البيت الأبيض سببا آخر ليمارس ضغطا أكثر قوة.
الأزمة في غزة تلحق ضررا حقيقيا بصورة أمريكا في جميع أنحاء العالم وتجعل إدارة بايدن تبدو قاسية وغير فعالة
وأكد الكاتب أن السبب الرئيسي الذي جعل رؤساء الولايات المتحدة السابقين يتمتعون بنفوذ أقل مما قد يفترضه المرء هو قوة اللوبي الإسرائيلي، الذي جعل التهديد بتخفيض الدعم الأمريكي مخاطرة سياسية، ونظرا للنفوذ الذي تمارسه لجنة الشؤون العامة الأمريكية، الإسرائيلية (إيباك) وغيرها من المجموعات، فإن الرئيس الذي أراد ممارسة ضغوط جدية على إسرائيل واجه دائما انتقادات قاسية، حتى من أعضاء حزبه، وقد تعلم الرئيس جيرالد فورد هذا الدرس سنة 1975، عندما رد على التعنت الإسرائيلي المطول بالتهديد بإعادة تقييم العلاقة، وتلقى على الفور رسالة موقعة من 75 من أعضاء مجلس الشيوخ يدينون فيها خطوته، كما تعلم باراك أوباما نفس الدرس خلال عامه الأول كرئيس، عندما حاول الضغط على نتنياهو لوقف بناء المستوطنات وواجه مقاومة مماثلة من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، ويفسر تأثير اللوبي أيضا سبب استخدام المفاوضين الأمريكيين للحوافز الإيجابية فقط -الجزرة وليس العصى- لمحاولة الحصول على تنازلات إسرائيلية خلال عملية أوسلو للسلام الطويلة وغير الناجحة في نهاية المطاف.
وبحسب الكاتب فقد يتغير هذا الوضع تدريجيا، فالدفاع عن دولة تدير نظاما للفصل العنصري ليس بالمهمة السهلة، وخاصة عندما تواجه الآن اتهامات معقولة بارتكاب جرائم إبادة جماعية، لا يمكن لأي قدر من “الهسبارا” (الدبلوماسية العامة الإسرائيلية) أن ينفي بشكل كامل الصور المرئية المتدفقة من غزة، أو مقاطع الفيديو المزعجة على تيك توك ويوتيوب التي نشرها جنود الجيش الإسرائيلي أنفسهم، مما يجعل من الصعب على مجموعات مثل “أيباك” الاحتفاظ بنفوذها.
وعندما يلقي السيناتور تشاك شومر، وهو أحد أقوى المدافعين عن إسرائيل منذ فترة طويلة، خطابا في قاعة مجلس الشيوخ يعلن فيه أن سياسات نتنياهو سيئة بالنسبة لإسرائيل، فأنت تعلم أن الرياح السياسية تتغير، كما أن المواقف في الجسم السياسي الأمريكي تشهد تحولا أيضا، وخاصة بين الشباب، وعلى الرغم من أنه لا تزال هناك عقبات سياسية هائلة أمام جعل الدعم الأمريكي مشروطا بسلوك إسرائيل إلا أن الأمر ليس مستبعدا كما كان قبل بضع سنوات.
وخلص الكاتب للقول إن واشنطن لديها الكثير من النفوذ المحتمل هنا، وإن العوائق التي تحول دون استخدامه أقل مما كانت عليه في الماضي، ولكن لأن قادة إسرائيل الحاليين ما زالوا مصممين بشدة على هذه القضية، فإنه حتى التهديدات الموثوقة بتخفيض الدعم الأمريكي قد لا تدفعهم إلى تغيير المسار بشكل كبير، وليس من الواضح ما إذا كان بايدن أو مستشاروه قادرين على إجراء التعديلات العقلية اللازمة للانتقال من نهجهم الحالي الفاشل إلى شيء أكثر فعالية، وبدلا من التركيز على ما إذا كان الضغط على إسرائيل قد ينجح، فإن السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه هو ببساطة ما إذا كان من مصلحة أمريكا الاستراتيجية أو الأخلاقية أن تكون متواطئة بشكل فعال في مأساة إنسانية واسعة النطاق، فحتى لو لم تتمكن الولايات المتحدة من إيقافها، فليس من الضروري أن تساعد في جعلها أسوأ.