صراع حزبي في إقليم كردستان العراق يخدم القوى الشيعية الحاكمة ويفتح الباب للتدخلات التركية والإيرانية

صراع حزبي في إقليم كردستان العراق يخدم القوى الشيعية الحاكمة ويفتح الباب للتدخلات التركية والإيرانية

الشراكة في الانتماء إلى القومية الكردية ورفع لواء حماية كيان إقليم كردستان العراق والدفاع عن شعبه، عوامل تذوب وتختفي أمام الصراع على السلطة والنفوذ بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم واللذين يدفعهما العداء المستحكم بينهما إلى الاستعانة بأطراف داخلية وخارجية مصالحها القومية متناقضة تماما مع المبادئ والتوجّهات الأصلية لكلا الحزبين.

أربيل (العراق) – تمر العلاقة بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني بمرحلة توتّر شديد قطع حالة التهدئة القائمة بينهما منذ نحو عام عندما نجح الطرفان في تجاوز تداعيات اغتيال أحد ضباط المخابرات وما أعقب ذلك من تراشق بالاتهامات بشأن الحادثة.

وعاد التراشق مجدّدا بين الطرفين إثر إصدار المحكمة الاتّحادية العراقية لقرارات تتعلّق بالانتخابات البرلمانية القادمة في الإقليم وطريقة صرف رواتب موظفيه أعرب الحزب الديمقراطي عن رفضه الشديد لها، بينما باركها حزب الاتّحاد الوطني، كونه قد سعى أصلا إلى إصدارها.

وتبدو الساحة الحزبية في إقليم كردستان مع اشتداد الصراعات بين مكوناتها بصدد السير على خطى نظيرتها في مناطق سنّة العراق، حيث أدى الصراع المتواصل بين الأحزاب والشخصيات الممثلة للمكوّن السني، إلى إضعافها جميعا والحدّ من دورها في العملية السياسية، لمصلحة القوى الشيعية الحاكمة التي كثيرا ما تتحوّل إلى حَكَم بين تلك القوى والشخصيات المستعدة لإبرام اتّفاقات وعقد صفقات على حساب أبناء مكوّنها وفي مقابل الحصول على حصّة ضئيلة من المناصب الوزارية والإدارية للدولة.

وتتجاوز تبعات الصراع بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق حدود الساحة العراقية لتكتسي بعدا إقليميا، إذ تساهم في إضعاف ممانعة التدخلات الخارجية وتفتح الباب لتدخّل كل من إيران وتركيا اللتين تتسابقان على تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية في الإقليم.

وتمكنت تركيا من تطوير علاقات متينة مع قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني استثمرتها في تحصيل مكاسب اقتصادية تمثّلت بالخصوص في الاستفادة من النفط الخام المنتج في إقليم كردستان العراق والذي ظل على مدى سنوات يصدّر إلى الخارج عبر ميناء جيهان التركي.

لكنّ المصلحة الأهم التي تسعى تركيا لتحقيقها من خلال تقاربها مع أفراد أسرة بارزاني القائدة للحزب الديمقراطي، تتمثّل في استثمار نفوذ حزبهم ومقدرات الإقليم التي يتحكّمون فيها من خلال سيطرتهم على أهم مواقع السلطة في الإقليم، في حربها ضدّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني المعارض لنظامها والمصنّف إرهابيا من قبلها والذي يتخّذ من مناطق شمال العراق ملاذات له ومنطلقا لعملياته ضدّ القوات التركية التي لم تنجح في اجتثاثه طيلة أربعة عقود من الصراع المسلّح ضدّه.

وعلى الطرف المقابل، تتميّز علاقة حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني مع تركيا بالتوتّر حيث تتهمه أنقرة بالتعاون مع حزب العمّال واحتضان مقاتليه في مناطق نفوذه بمحافظة السليمانية.

لكن الحزب الذي يقوده ورثة الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني يحتفظ في مقابل ذلك بعلاقات متينة مع الأحزاب والفصائل الشيعية الحاكمة للعراق ما يجعل خصومه السياسيين يتهمونه بالانتماء للمعسكر الإيراني في العراق.

وهاجمت البرلمانية العراقية الكردية السابقة ريزان شيخ دلير كِلا الحزبين معتبرة أن “السياسيين في إقليم كردستان انقسموا لصفين أحدهما يدعم دولة الاحتلال التركي والآخر يدعم النظام الإيراني، وأنهم يقومون بخدمة مصالح هذه الأطراف على حساب مصلحة الشعب الكردي“.

وأثار تأييد حزب الاتحاد لقرارات المحكمة الاتحادية العراقية حفيظة الحزب الديمقراطي الذي شنّ أعضاؤه والإعلام التابع له حملة لم تستثن رئيس الاتّحاد بافل جلال طالباني بسبب موقفه المعلن من تلك القرارات التي سبق أن عبّر الحزب الديمقراطي عن رفضه القاطع لها مشكّكا في دوافع إصدراها، وصولا إلى طعنه في شرعية المحكمة التي أصدرتها.

وأصدر طالباني بيانا دافع فيه عن المحكمة التي تمثّل أعلى سلطة قضائية في العراق، داعيا إلى احترام قراراتها.

وقال رئيس حزب الاتّحاد إنّ “استقلالية السلطة القضائية تظل إحدى الركائز الأساسية في البنيان الديمقراطي ومسار الحكم للدول المتقدمة، وأن ترسيخ سيادة القانون ودعائم العدالة من ركائز الاستقرار السياسي والاجتماعي وهو الضمان والكفيل لحقوق المواطن والمجتمع في العراق وإقليم كردستان“.

‏‎وأضاف في بيانه “في الوقت الذي نجدد دعمنا لقرارات المحكمة الاتحادية ودورها المشهود في صون الدستور وتحقيق العدالة وحماية المسار الدستوري للنظام الديمقراطي، نستنكر التشهير بالمحكمة الاتحادية العليا وكيل الاتهامات والإساءة لها وهي محكمة مستقلة مهنية ساهمت في حماية النظام السياسي في العراق”، معتبرا “أنّ حماية استقلاليتها والتصدي لأي إساءات لها من صميم الواجبات الدستورية والمهام الوطنية“.

‏‎وردّ الحزب الديمقراطي على بيان طالباني قائلا على لسان بيشوا هوراماني إنّ المحكمة الاتحادية غير دستورية.

واعتبر هوراماني الذي قدّمه إعلام الحزب الديمقراطي باعتباره المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان أنّه “لا وجود في العراق لمحكمة دستورية”، مضيفا قوله “المحكمة الموجودة مستمرة في إصدار قرارات غير دستورية وغير قانونية“.

وتوجه بخطاب قاس لقيادة حزب الاتّحاد قائلا “الذين يدعمون هذه المحكمة في كردستان إنما يفعلون ذلك لأنها تعمل لمصلحتهم وتصدر قرارات غير دستورية، ولكن من الضروري أن يعلم الشعب أن بائعي أنفسهم لا يهتمون للحقوق الدستورية لكردستان ويفرطون فيها“.

ورفض حزب الاتحادي الوطني ما ورد على لسان هورماني نافيا أن يكون الأخير ممثلا لحكومة الإقليم. وقال العضو في الحزب سمير هورامي في بيان إنّ “الأولى بالأطراف السياسية جميعها السعي لحل الخلافات والمشكلات وتأمين حقوق الموظفين وليس كيل الاتهامات وتوزيع التهم على الآخرين، فما يحمي إقليم كردستان ومنجزاته هو الثقة بين الشركاء ودعم شعب كردستان وليست الأقاويل والشعارات“.

ومن جهته قال ستران عبدالله عضو المجلس القيادي للاتحاد الوطني الكردستاني “إن شعب كردستان رغم التضحيات التي قدمها، إلاّ أنه شعب واع يريد نيل حقوقه جميعا ولن يتنازل عن أي منها”، وأضاف في مقال له خاطب من خلاله قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني “مهما حاولتم التهرب من المسؤوليات وصنع الأعداء الوهميين ونحت الأقاويل لتغيير حقيقة الأمور، إلاّ أن المواطنين يريدون الرواتب والانتخابات معا، ولن يكون التخوين والتهوين والتوهين بديلا للتوطين”، في إشارة إلى قرار “توطين” رواتب موظفي الإقليم الذي أصدرته المحكمة التحادية وينص على تحويل الأموال المخصصة لها إلى مصارف عراقية بدل إرسالها إلى سلطات الإقليم لتوزيعها على مستحقيها.

وأضاف عبدالله “أن خلط الأوراق أدى إلى هدر المزيد من الوقت والجهد ولم يتبق الكثير لدى جماهير الشعب، فالجميع يريدون حقوقهم كافة“.

العرب