نفّذت إسرائيل، يوم الإثنين الماضي، عملية عسكرية كبيرة في العاصمة السورية دمشق أدت إلى مقتل ثمانية إيرانيين (حسب وكالة الأنباء الفرنسية) بينهم ثلاثة من قادة «فيلق القدس» وأربعة «مستشارين» ومدني.
في تصريحه حول الموضوع أكّد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن جريمة قصف القنصلية الإيرانية في دمشق «لن تمر دون رد» كما رأت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة فيها «انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي والمبدأ الأساسي، المتمثل في حرمة المباني الدبلوماسية والقنصلية» في المقابل، فإن «القناة 12» الإسرائيلية استخدمت هذه المعلومات التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية للاستنتاج بأن الهجوم على القنصلية الإيرانية هو بمثابة «هجوم على أراضي إيران».
أحد المواقع السورية («كلّنا شركاء») نشر ما قال إنها «تسريبات أمريكية» حول القصف من «مصدر أمريكي مطلع على الضربة قبل دقائق من إجرائها» أكدت أن المعلومات الاستخباراتية التي وصلت الإسرائيليين كانت عن اجتماع طارئ للقيادات العليا لـ«الحرس الثوري» الإيراني وقيادات من تنظيم «الجهاد الإسلامي» وأن «مجلس الحرب» الإسرائيلي عجّل بالموافقة على القصف رغم معرفته بأن المبنى ذا الطوابق الأربعة الموجود بين السفارتين الإيرانية والكندية، هو مدني، وهو ما يفسّر مقتل مدنيين سوريين من سكان البناية. كان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قد سبق «التسريبات» بتأويل موقع العملية بأن «المبنى كان متنكرا على أنه مدني» فيما وصفت إذاعة جيش الاحتلال المبنى بأنه «بمثابة المقر العسكري للحرس الثوري».
قبول هذه المعطيات عن كون المبنى مدنيا لا ينفي طبعا الحساسية الكبرى للضربة، وخصوصا إذا علمنا أن السفير الإيراني هو أحد سكان تلك البناية المقصوفة، والأغلب، من تاريخ معرفتنا بعلاقة إسرائيل السيئة بالقوانين الدولية، أن قادة جيش الاحتلال ما كانوا ليتورعوا عن تنفيذها حتى لو كانت تجري في القنصلية فعلا.
غير أن كشف هذه المعلومة تغيّر طريقة تحليلها، فرغم توافق وسائل إعلام الطرفين على أن القصف استهدف القنصلية، وأنه يعتبر إعلانا للحرب، فإن رد المستوى السياسيّ والعسكري الأعلى في إيران سيتعامل مع هذه التفصيل بدقة في حال قرر الرد على إسرائيل، وهو ما سيحصل على الأغلب.
صحيفة «هم ميهن» الإصلاحية الإيرانية اعتبرت الحدث «مرحلة جديدة من المواجهة مع إسرائيل» لكنّها ركزت على مساءلة القيادة العسكرية عن سبب تركزها «في مبنى لا يملك القدرة على الدفاع». ورأت الصحيفة أنه كان على القيادة «توقع الأسوأ» وأن الحديث عن احترام إسرائيل للقانون الدولي غير منطقي، فإذا كانت دول العالم تعترض على انتهاك إسرائيل القانون الدولي فذلك لأنها على علاقة متبادلة معها ورغم ذلك فإن إسرائيل لا تحترم تلك الحقوق «فكيف الحال مع إيران التي لا تعترف بوجود إسرائيل».
تميل الآراء في الصحف الإيرانية إلى توقع حصول رد إيراني مع وجود ما يشبه الاتفاق حول «طبيعة الرد» فالقائد السابق لبحرية «الحرس الثوري» العميد حسين علائي، يرى في مقال صحافي أن أفضل مسار للرد هو أن تتخذ إيران «إجراءات قانونية ودولية ودبلوماسية واسعة النطاق» ناصحا بعدم الحديث عن أي رد فعل من إيران أو قوى المقاومة و«عدم إظهار أي تسرع في الرد» أما إبراهيم متقي، الأستاذ في جامعة طهران، فيرى أن رد الفعل الإيراني يجب أن يأتي «ضمن آليات الردع المتبادل» على أن يكون الهدف خارج فلسطين المحتلة وأن «يركز على العمليات المشتركة والحرب التركيبية» وكلا الاتجاهين يشير إلى أن النخب السياسية في إيران لا تحبّذ حربا إقليمية واسعة.