سئل وزير الخارجية خلال الأيام الأخيرة للإمبراطورية النمسوية – المجرية عن حال حكامها آل هايسبورغ فأجاب، “ميؤوس منها لكنها ليست خطرة”، ونحن اليوم في لعبة خطرة لكنها لا تزال، حتى إشعار آخر، غير خطرة.
إيران تقاتل إسرائيل وأميركا بالوكالة عبر أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وإسرائيل تضرب الوكلاء والشخصيات والمواقع الإيرانية خارج حدود إيران، وأميركا تقصف الوكلاء وتختار شخصيات إيرانية مهمة لاغتيالها كما فعلت بقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني على طريق مطار بغداد.
هذه المرة تجاوزت إسرائيل الحرمة الدبلوماسية وقصفت القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت سبعة مسؤولين في “فيلق القدس” أبرزهم الجنرال محمد رضا زاهدي، قائد الفيلق في سوريا ولبنان، ونائبه الجنرال محمد هادي حاج رحيمي.
الكل حائر وإسرائيل مستنفرة وحائرة، لا تعرف أين سترد إيران بعد أن تحدث المرشد الأعلى علي خامنئي عن “صفعة” آتية، وأميركا حائرة حيث قواتها واسعة الانتشار في المنطقة، والرد عليها ممكن في أي مكان، وإيران نفسها حائرة في نوع الرد وحجمه، عبر الأذرع أم مباشرة؟ داخل إسرائيل أم خارجها حيث السفارات؟ وليس قليلاً عدد الشخصيات التي دعت إلى رد كبير وصولاً إلى “محو إسرائيل من على الخريطة الجيوسياسية للعالم”، بحسب رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد الأعلى.
شخصيات من الداخل بينها قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي الذي رأى أن “الكيان الصهيوني يتنفس اليوم في غرفة الرعاية الخاصة الأميركية، وعندما يُنزع جهاز التنفس الاصطناعي فسينهار، وهذا قريب جداً”، فضلاً عن نواب ومسؤولين آخرين تحدثوا عن فرصة للإجهاز على إسرائيل التي رأوها مثل “بيت العنكبوت”، وشخصيات من الخارج أبرزها الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي قال إن “الحماقة التي ارتكبها نتنياهو في القنصلية الإيرانية ستفتح باباً للفرج وحسم المعركة”.
والسؤال الحائر أيضاً هو هل انتهت مرحلة الحرب بالوكالة؟ أم أن الخيار لا يزال “الصبر الإستراتيجي” والنظرة السائدة في محيط المرشد الأعلى حول تخطيط إسرائيل لتوريط إيران في حرب شاملة تدخلها أميركا لكي ترتاح هي، ولا يجوز الوقوع فيها؟
المؤكد حتى الآن أنه لا إيران تريد ولا أميركا تريد حرباً شاملة واسعة، وملالي إيران يرون أنه لا مصلحة لهم في تكبير الحرب وأن الاشتباكات المحدودة بالوكالة تكفيهم لدور القوة الإقليمية العظمى، والرئيس جو بايدن الذاهب إلى انتخابات رئاسية صعبة في الخريف لا يريد حرباً مع إيران يعرف أنها تدمر فرصته الانتخابية، إن لم يستطع التوصل إلى اتفاق أو نوع من التفاهم مع طهران.
والسوابق مكتوبة على الجدار، فبعد اغتيال قاسم سليماني، وهو أهم بكثير من الذين جرى اغتيالهم في القنصلية، قررت إيران الرد على القوات الأميركية في العراق فاختارت قصف “قاعدة الأسد” العراقية التي تستضيف “قوات” أميركية، لكنها أبلغت رئيس الوزراء العراقي، وبالتالي الأميركيين، بموعد القصف ومكانه، حيث جاءت الأضرار مادية ولا تدفع واشنطن إلى التصعيد.
ودعوات القائد العسكري لـ “كتائب القسام” محمد الضيف إلى الزحف على فلسطين بقيت من دون تلبية، والكل يتذكر ما نقلته “رويترز” عن مسؤولين إيرانيين وفي فصائل فلسطينية، وهو قول خامنئي لزائره رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” إسماعيل هنية إن الحركة لم “تبلغ إيران بهجوم السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل، وإيران لن تدخل الحرب نيابة عنها”، وطبعاً ما قاله المرشد الأعلى بعد ذلك من أن الكلام على ضلوع الجمهورية الإيرانية في هجوم “حماس” هو “إشاعات أنصار الكيان الصهيوني وخطأ في الحسابات”.
أما بيان “تحالف القوى الثورية” الذي أعلن أخيراً أن الجنرال المغتال محمد رضا زاهدي هو “المخطط والمنفذ الرئيس لهجوم طوفان الأقصى”، فإنه يناقض الموقف الرسمي الإيراني وقد يكون مجرد مفاخرة من الخيال، ولا بد من رد إيراني مؤثر لكن ضمن حدود بما لا يؤدي إلى حرب واسعة مع إسرائيل وصدام مع أميركا، واللعبة طويلة.