بشكل سلبي، انعكست الهجمات التي أطلقتها إيران ضد إسرائيل على حرب غزة، وتسبب رد طهران في زيادة عنف جيش تل أبيب في القطاع، إذ عادت الضربات العسكرية الإسرائيلية لقوتها وكأن الحرب الممتدة لأكثر من 193 يوماً قد بدأت لتوها.
وبعدما نفذت إيران هجومها العسكري بواسطة المسيرات والصواريخ على تل أبيب، ما انعكس عنفاً على سكان غزة، إذ شن سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة غارات عنيفة في جميع أنحاء القطاع (شمالاً وجنوباً)، واستخدم قوة نارية كبيرة.
تقاتل إسرائيل ذراع إيران
وجاء القصف الإسرائيلي على غزة بعدما كانت الحرب قد هدأت نسبياً، إذ انسحب الجيش من جميع مناطق القطاع، وأعلن المتحدث باسمه دانيال هاغاري أن القوات ستدخل في مرحلة راحة، لكن سرعان ما انتهت هذه الراحة وعاد الجنود لتنفيذ عمليات عسكرية.
تنفذ إسرائيل هجمات عنيفة ضد غزة، وتقاتل حركة “حماس” وهي أحد أذرع إيران في المنطقة وأحد أنشط وكلائها العسكريين وأكثرهم مناوشة لتل أبيب. لهذا يعتقد المراقبون السياسيون أن الرد الإيراني على إسرائيل سيؤدي إلى المزيد من العنف في القطاع.
وبدأ انعكاس الرد الإيراني على إسرائيل يظهر بشكل سريع على الأوضاع في غزة، وتُرجم سلباً في ثلاثة مسارات، الأول عودة إسرائيل لمواصلة الحرب بطريقة أكثر عنفاً، والثاني تشديد إسرائيل من شروط استكمال مفاوضات الهدنة، والثالث فرض قيود خانقة على تدفق المساعدات.
تأجيل عملية رفح وبدء عملية النصيرات
وفي ما يتعلق بمسار الحرب على غزة، فقد أعلنت إسرائيل بصورة رسمية تأجيل العملية البرية في رفح أقصى جنوب القطاع لحين دراسة الوضع الأمني، وربما يوحي هذا الأمر بأن تل أبيب مشغولة عن غزة وأنها سوف تخفف من حدة الحرب على القطاع.
لكن الباحث في الشؤون العسكرية اللواء المتقاعد حسين فروانة يقول “قد يكون ذلك فخاً لدفع عناصر حماس في رفح إلى التراخي، ومن ثم يشن الجيش هجوماً مباغتاً، أو من الممكن أن يتراجع نتنياهو عن هذا التأجيل ويتخذ من الضربة الإيرانية مبرراً لتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في رفح”.
وفيما يعلن نتنياهو تأجيل العمليات العسكرية في غزة، جاء إعلان الجيش الإسرائيلي مناقضاً وبدأ في عملية قتالية واسعة النطاق في مخيم النصيرات وهو آخر معاقل “حماس” في محافظة دير البلح وسط القطاع.
ويقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي “بناءً على تقييم الوضع، جند جيش الدفاع لواءين من جنود الاحتياط من أجل العودة لقطاع غزة للقيام بمهمات عملياتية، هذه الخطوة ستتيح الدفاع عن دولة إسرائيل والحفاظ على أمن سكانها ومن خلالها سيتم القضاء على أذرع إيران”.
وتعقيباً على ذلك، يقول فروانة “أزمات الشرق الأوسط مترابطة، ولا يمكن النظر في بعضها بمعزل عن الآخر، ويجب التعامل مع الأسباب الجذرية لهذه الأزمات، وهي أن حرب غزة سببت سخونة الأوضاع في المنطقة وبدأت آثار هذا التوتر تظهر”.
ويضيف “ردت إيران عسكرياً على إسرائيل، لكن غزة تدفع الثمن حالياً، وبشكل واضح بدأت تل أبيب تكثف غاراتها لإضعاف قدرات حماس ومنعها من تنفيذ هجمات مقبلة، وتعتبر أن ذلك يأتي في سياق ضرب وكلاء طهران التي تراقب أذرعها وهي تنهار، وتستخلص الدروس”.
ويعتقد فروانة أن الهجمات الإسرائيلية ستزداد وتكون أشد عنفاً على غزة وذلك في إطار توصيل رسائل لإيران، بأن مصيرها سوف يكون كما “حماس”، وكيلتها في الأراضي الفلسطينية.
دعم إسرائيل أولوية
وعلى الصعيد الغربي، خفت الضغوط الدولية على إسرائيل في ما يتعلق بوقف القتال بغزة، ولم يعد ملف إنهاء الحرب وتخفيف معاناة الفلسطينيين ضمن الأولويات، التي انقلبت بمعظمها وباتت تدعم إسرائيل في حق الدفاع عن نفسها.
ويقول أستاذ العلوم السياسية أحمد مشتهى “بسبب الرد الإيراني تراجع التضامن مع غزة، وعاد الرئيس الأميركي جو بايدن يقدم الدعم القوي لإسرائيل ويعتبرها تدافع عن نفسها أمام هجمات الأشرار”.
ويضيف “بعدما تضامنت أميركا مع غزة ونشب خلاف مع نتنياهو، يعود اليوم التكاتف من جديد، وليس غريباً أن تستغله إسرائيل لأجل مواصلة الحرب وإطالة أمدها بما يحقق مصالح الحكومة الحالية”.
العالم يؤيد تدمير أذرع إيران
ويعتقد مشتهى أن إسرائيل ستصعد هجماتها بعد الرد الإيراني لتحقيق النصر في قطاع غزة، ولم يعد لديها أي سبب للسعي إلى وقف إطلاق النار الآن، لا سيما بعد الاستحواذ على دعم خارجي.
وبحسب مشتهى، فإن العالم اليوم يؤيد إسرائيل بشأن تدمير قدرات “حماس” العسكرية وفك ارتباطها مع إيران حتى لا تصبح طهران جاهزة لأي هجوم من وكلائها في المنطقة، بخاصة بعدما سمح الرد الإيراني أن تقدم إسرائيل نفسها مجدداً كضحية في المحافل الدولية.
الرد صب في مصلحة نتنياهو
كثيرون يعتقدون أن الرد الإيراني على إسرائيل كان في مصلحة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فبعد أن كان في وضع مأزوم بسبب العنف وحجم القتل والدمار في غزة، أصبح الجميع اليوم يقدم له الدعم.
ويوضح الباحث في الشؤون الأمنية العبد قاسم أن إسرائيل حظيت بحجة وهي اليوم تقدم نفسها على أنها محاطة بكثير من الأعداء الذين يستهدفونها مباشرة، وتستغل هذا الموقف في ملفات كثيرة على رأسها زيادة الدعم من الولايات المتحدة، وضرب غزة بقوة.
ويشير قاسم إلى أن “غزة تدفع ثمن الرد الإيراني على إسرائيل، وبسبب غياب رؤية أذرع طهران في المنطقة أزالت تل أبيب القطاع عن الخريطة، فيما لا تزال حماس تتصرف وكأنها حققت انتصاراً تريد البناء عليه بدعم من طهران، ويتجاهل الطرفان الأوضاع الإنسانية في رفح. ولهذا فإن نتنياهو يستفيد من التهديدات الإيرانية حتى يتابع حربه التي باتت ضمانة له من أجل البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة”.