تعكف الولايات المتحدة على دراسة الردّ المناسب على مهاجمة إيران لإسرائيل، لكن خياراتها تبقى محدودة. وتسعى الإدارة الأميركية لتجنب المغامرة واتخاذ إجراءات مؤلمة بشأن النفط الإيراني لاعتبارات داخلية وأخرى خارجية.
واشنطن – يرى محللون أن الهجوم الإيراني غير المسبوق بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل من غير المرجح أن يؤدي إلى فرض عقوبات كبيرة على صادرات النفط الإيرانية من جانب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، نظرا للمخاوف إزاء ما يترتب على العقوبات من زيادة أسعار الخام وإثارة غضب الصين، أكبر مشتر للنفط الإيراني.
وبعد وقت قصير من شن طهران الهجوم مطلع الأسبوع الجاري، ردّا على ضربة يشتبه بأنها إسرائيلية في الأول من أبريل استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، اتهم زعماء الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي بايدن بالفشل في تطبيق الإجراءات الحالية وقالوا إنهم سيبحثون هذا الأسبوع سلسلة من مشاريع القوانين لتشديد العقوبات على إيران.
وقال زعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيف سكاليز لشبكة فوكس نيوز الأحد إن الإدارة الأميركية سهلت على إيران بيع النفط وبالتالي جمع عائدات تستخدم في “تمويل النشاط الإرهابي”. ومن شأن الضغوط السياسية التي تتعرض لها الحكومة الأميركية من أجل معاقبة إيران أن تطرح مشكلة شائكة تتمثل في كيفية ردع الهجمات في المستقبل دون تصعيد التوترات في المنطقة ودون زيادة أسعار النفط وإغضاب الصين.
وتقول واشنطن منذ شهور إن من بين أهدافها الأساسية منع الصراع في غزة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل من التحول إلى حرب إقليمية أوسع، وإن الهدف الرئيسي هو عدم تدخل طهران بشكل مباشر.
وقال بعض المحللين المعنيين بقضايا الشرق الأوسط إنهم يشكون في أن بايدن سيتخذ تدابير مهمة لتعزيز تطبيق العقوبات الأميركية الحالية من أجل تضييق الخناق على صادرات النفط الخام التي تشكل شريان الحياة لاقتصاد إيران.
وقال سكوت موديل، الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية والرئيس التنفيذي لمجموعة رابيدان للطاقة، “حتى لو تم إقرار مشاريع القوانين هذه، فمن الصعب أن نرى إدارة بايدن تهرع إلى محاولة اتخاذ إجراء أو تنفيذ العقوبات الحالية أو عقوبات جديدة لتقليص أو كبح صادرات النفط الإيرانية بأي طريقة مجدية”.
إنفاذ العقوبات
أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرض العقوبات الأميركية على النفط الإيراني في عام 2018 بعد الانسحاب من الاتفاق الدولي بشأن برنامج طهران النووي. وسعت إدارة بايدن إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد التهرب من تلك الإجراءات بفرض عقوبات على شركات في الصين ودول أخرى.
وعلى الرغم من هذه المساعي، تشير تقديرات رابيدان إلى أن صادرات النفط الإيرانية بلغت ما بين 1.6 مليون و1.8 مليون برميل يوميا، باستثناء المكثفات، وهي نفط خفيف جدا. وقال موديل إن هذا قريب جدا من مستوى المليوني برميل يوميا للصادرات الإيرانية قبل العقوبات.
واشنطن أمام معضلة ردع الهجمات في المستقبل دون تصعيد التوترات في المنطقة ودون زيادة لأسعار النفط
ومن العوامل التي ستثني السياسي المنتمي إلى الحزب الديمقراطي بايدن عن التحرك بقوة للحد من صادرات النفط الإيرانية التأثير المحتمل على أسعار البنزين.
وقالت كيمبرلي دونوفان، الخبيرة المعنية بالعقوبات ومكافحة غسل الأموال في مؤسسة المجلس الأطلسي الأميركية البحثية، “إن العقوبات المتعلقة بالنفط لم يتم تطبيقها بصرامة في العامين الماضيين”.
وأضافت “لا أتوقع أن تشدد الإدارة الأميركية الإجراءات التنفيذية ردا على الهجمات التي شنتها إيران بصواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل مطلع الأسبوع الجاري، وذلك يعود أساسا إلى التخوف من أن يؤدي هذا إلى زيادات في أسعار النفط”. وقالت “أسعار النفط، وبالتالي أسعار البنزين في محطات الوقود، تشكل عاملا حرجا خلال عام الانتخابات”.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إن إدارة بايدن لم ترفع أي عقوبات عن إيران وتواصل زيادة الضغط على الجمهورية الإسلامية. وأضاف “عقوباتنا واسعة النطاق والمتداخلة على إيران لا تزال قائمة، ونواصل تطبيقها”.
الصين قد تؤدي العقوبات الشديدة إلى زعزعة استقرار العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، والتي حاول المسؤولون الصينيون والأميركيون إصلاحها بعد فترة عصيبة أعقبت إسقاط الولايات المتحدة العام الماضي ما يشتبه أنه بالون مراقبة صيني عبر الأراضي الأميركية.
ويتم تصنيف جميع النفط الإيراني الذي يدخل الصين تقريبا على أن مصدره ماليزيا أو دول شرق أوسطية أخرى، ويتم نقله بواسطة “أسطول مظلم” من الناقلات القديمة التي عادة ما تغلق أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها عند التحميل في الموانئ الإيرانية لتجنب رصدها.
وقدرت شركة فروتيكسا أناليتكس المتخصصة في تتبع الناقلات أن الصين حصلت على رقم قياسي بلغ 55.6 مليون طن متري أو 1.11 مليون برميل من الخام الإيراني يوميا في العام الماضي. ومثل ذلك ما يقرب من 90 في المئة من صادرات إيران من النفط الخام و10 في المئة من واردات الصين من النفط.
وأشار عدد من المحللين إلى أن واشنطن قد تتخذ بعض الإجراءات لخفض صادرات النفط الإيرانية جزئيا من أجل تخفيف أي رد فعل إسرائيلي على الضربات الإيرانية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصعيد الصراع.
لكنهم قالوا إن هذا لن يرقى إلى مستوى إجراء قوي مثل فرض عقوبات على مؤسسة مالية صينية كبرى، وبدلا من ذلك قد يشمل استهداف كيانات صينية أو كيانات أخرى تشارك في مثل هذه التجارة.
وقال مصدر مطلع على الأمر “إذا كنت تريد حقا ملاحقة صادرات النفط الإيرانية، نعم، فسيتعين عليك اتخاذ إجراء مؤثر ضد الصين”. وأضاف “هل ستلاحقون البنوك الكبرى فعلا؟ هل ستفعلون شيئا لم تفعله الإدارة الأميركية، وحتى إدارة ترامب لم تفعله؟”.
وقال جون ألترمان، محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، “إن هناك حدودا لما يمكن أن تفعله واشنطن لفرض عقوبات وإن المتهربين بارعون في العثور على الثغرات”.
وأوضح “أتوقع أن أرى تحركا بسيطا في اتجاه فرض عقوبات اقتصادية على إيران، لكنني لا أتوقع أن يتمكن البيت الأبيض -أو أي إدارة أميركية في المستقبل- من إغلاق صنبور النفط الإيراني بشكل كامل”.
وتنتج إيران نحو ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا، أو حوالي ثلاثة في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي، وهي ثالث أكبر منتجي الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
العرب