بعد أيام من الهجوم الإيراني على إسرائيل، من السابق لأوانه إجراء تقييم شامل للعواقب، ومع ذلك فمن الممكن استخلاص بعض الأفكار الأولية. هل استفادت إيران من الهجوم أم إسرائيل؟ هل كان الهجوم جزءاً من مسرحية كما ردد بعضهم؟.
جاء الهجوم تتويجاً لحرب الظل الدائرة بين إيران وإسرائيل منذ أعوام التي اتخذت أشكالاً عدة، إذ جرت بينهما في البحر وفي سوريا وفي الفضاء الإلكتروني وحتى داخل الأراضي الإيرانية.
وفي حين أن إيران حرصت على البعد من حرب غزة وتداعياتها مع الوجود والتأثير في خلفية المشهد الإقليمي المضطرب، وعلى رغم أنها تحملت عدداً كبيراً من الهجمات الإسرائيلية التي أودت بحياة كثير من قادة الحرس الثوري، حرصاً على عدم المواجهة مع واشنطن أو إسرائيل في الوقت الراهن، إلا أنها وجهت مئات المسيّرات والصواريخ تجاه إسرائيل.
على رغم أن العقيدة العسكرية الإيرانية قائمة على نقل أي مواجهة عسكرية إلى خارج أراضيها ولذا نسجت العلاقات مع الميليشيات المسلحة في المنطقة لتهدد خصومها ومنهم إسرائيل، إلا أنها اضطرت إلى هذا الهجوم في مواجهة إسرائيل، بعدما قصفت القنصلية الإيرانية في دمشق مما يعد اعتداء على سيادتها، ومن ثم لحفظ ماء وجهها كان لا بد من تلك الخطوة وحتى تتفادى الإحراج أمام الداخل الإيراني ووكلائها من الميليشيات.
لم تستهدف إيران إحداث ضرر بإسرائيل أو محوها من المنطقة كما كانت تهدد في الماضي، بل إن تلك الهجمات لم تسفر عن أية خسائر مادية أو بشرية.
صحيح قامت القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية بدور في صد الهجمات عن إسرائيل، إلا أن إيران هي الأخرى أرادت توصيل تلك الرسالة إلى واشنطن. لذا على مدى أسبوعين تواترت الأخبار عن أن إيران ستردّ ودارت أحاديث عن نوعية الأسلحة التي ستستخدمها في ردها الانتقامي، فالعالم أجمع يعرف أنها ستلجأ إلى المسيّرات والصواريخ التي استغرقت ساعات عدة حتى تصل قرب إسرائيل، فتمكنت هذه الأخيرة على مدى تلك الأيام من اتخاذ الفرصة للاستعداد وتعزيز دفاعاتها.
لذلك يمكن القول إن إيران اضطرت إلى الرد على إسرائيل لكنه كان رداً معلوماً ومحسوباً ومحدوداً.
وفي ميزان الخسائر والمكاسب لم تحقق إيران أية مكاسب حقيقية، لكنها من جهة ستستغل ما حدث للترويج لقدرتها على مهاجمة إسرائيل وسط محور المقاومة.
وفي حين لم تحقق طهران مكاسب حقيقية بل أكدت تخوفها من أي مواجهة مع تل أبيب أو واشنطن، إلا أنها أسهمت في تحقيق مكاسب حقيقية لإسرائيل، فأعادت لها التأييد الدولي بعدما تآكلت صورتها الإيجابية لدى الرأي العام العالمي والمنظمات الحقوقية والأممية على خلفية حربها الوحشية في قطاع غزة واستهداف موظفي الإغاثة الإنسانية، على رغم أن هذا التعاطف الدولي ما زال في دوائره الرسمية وليس الرأي العام.
من جهة أخرى منحت نتنياهو ورقة يوظفها في إبراز أن إسرائيل تحتاج إلى حلفائها الدوليين لدعمها في مواجهة التهديد الإيراني، وتوقف التظاهرات في الداخل الإسرائيلي، أي إطالة عمر نتنياهو وإطالة أمد الحرب على قطاع غزة وتحول الاهتمام الدولي عن الوضع المأسوي في القطاع.
إيران التي شنت هجوماً على إسرائيل رداً على قصف قنصليتها ومقتل أحد قادة الحرس الثوري وليس لوقف الحرب في قطاع غزة، أسهمت من جهة أخرى في الإضرار بقطاع غزة وتحقيق مكاسب مجانية لنتنياهو.