العلاقات بين الإمارات والهند تمر الآن بعصرها الذهبي، حيث نضجت العلاقة الثنائية بين البلدين وتحولت إلى شراكة إستراتيجية شاملة. وتشترك أبوظبي ونيودلهي في عدة عوامل، منها الروابط التاريخية والقرب الجغرافي والآمال والطموحات والتحديات المشتركة.
أبوظبي – مثلت الزيارة السابعة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في فبراير من هذا العام علامة بارزة في العلاقات الثنائية. وشهدت الزيارة استعراضا موسعا للشراكة الإستراتيجية، مع مناقشة مجالات التعاون الجديدة وتوقيع العديد من الاتفاقيات الجديدة، بما في ذلك معاهدة الاستثمار الثنائية.
ويقول الدكتور منير أحمد وهو باحث أول في مركز IPCS للأمن الداخلي والإقليمي في تقرير نشره موقع أوراسيا ريفيو إن العلاقات شهدت تحسنا على مدى العقد الماضي بسبب التقارب المتزايد في المصالح. ووافق البيان المشترك الذي صدر في أعقاب الزيارة الأولى لرئيس الوزراء الهندي إلى الإمارات على رفع العلاقة إلى “شراكة إستراتيجية شاملة”.
وفي حين أن العلاقات بين الهند والإمارات العربية المتحدة قد تقدمت بشكل إيجابي منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1972، إلا أن اتساع دائرة المصالح المشتركة عمّقت التقارب بين البلدين خلال العقد الأخير. ولدى الهند والإمارات العربية المتحدة بعض الأهداف الجيوسياسية المشتركة أبرزها أمن المحيط الهندي والخليج اللذين يعتبران حيويان للسياسات الخارجية لكلا البلدين.
وساهم الاعتراف المتبادل بالتحديات الناشئة من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في تكوين نظرة دفاعية مشتركة. وقد تجلى ذلك في التعاون في مجال الأمن البحري ومكافحة الإرهاب، من بين أمور أخرى. وقد نما التعاون الدفاعي الثنائي بشكل ملحوظ منذ أن زار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الهند للمرة الأولى في عام 2003، كرئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية، لحضور الحوار الإستراتيجي الأول بين الهند والإمارات.
وتم التعاون على المستوى متعدد الأطراف أيضا ضمن منتديات ذات أهمية جيوسياسية مثل مجموعة بريكس ومبادرات مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وتطمح الهند إلى إنشاء طريق جديد إلى أوروبا من أجل الحصول على الغاز من شرق البحر الأبيض المتوسط وإعطاء دول جنوب شرق آسيا بديلاً للصين للوصول إلى المحيط الأطلسي.
وأقامت الهند بالفعل علاقات تجارية قوية مع دول جنوب شرق آسيا من خلال قانون سياسة الشرق. وتأمل الهند، من خلال الممر الجديد إلى أوروبا، في تحقيق التآزر بين سياستي “النظر إلى الشرق” و”النظر إلى الغرب”، وقد تم الكشف عن هذه الأخيرة في عام 2005.
وتشير الأولوية الدبلوماسية التي وضعتها الهند والإمارات لمثل هذه المنصات إلى فائدة التعددية في سياساتهما الخارجية إذ أدى تعاونهما متعدد الأطراف إلى تحقيق مكاسب ثنائية. ومثال آخر هو I2U2، الذي يضم الهند وإسرائيل والولايات المتحدة والإمارات، والذي من خلاله دخلت نيودلهي وأبوظبي في شراكة ملموسة لتحقيق الأمن الغذائي والطاقة المتجددة.
أثبت اهتمام الهند المتزايد بالترحيب بالاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ الإصلاحات الاقتصادية عام 1991 وسعي الإمارات للتنويع الاقتصادي، أنه كان بمثابة محور أساسي في التقارب الاقتصادي الثنائي بينهما. ولتحقيق التنويع الاقتصادي، تنظر دولة الإمارات إلى الهند باعتبارها واحدة من أكثر الدول ربحية لاستثمارات صناديق الثروة السيادية.
وأعلنت الهند عن إعفاء ضريبي بنسبة 100 في المئة من الفوائد والأرباح ودخل أرباح رأس المال للاستثمارات في البنية التحتية وصناعات محددة أخرى. كما ترى الهند أن دولة الإمارات شريك مهم في تحولها الأخضر لمواجهة تغير المناخ.
وتعد العلاقات الشعبية والتجارية عاملاً مهمًا آخر يساعد على تعزيز العلاقات بين البلدين. وتلعب الجالية الهندية في دولة الإمارات، والتي يبلغ عددها 3.5 مليون نسمة، دوراً فعالاً في الاتصالات الشعبية بين البلدين. وقد لعب تواصل العلاقات العامة في الهند مع المغتربين دورًا مهمًا في هذه الاستغلال.
ويعد تطوير احتياطيات النفط الإستراتيجية في الهند والتعاون في مجالات الفضاء والطاقة النووية والتعليم من بين النقاط الأخرى المتفق عليها للشراكة المتبادلة. ووقّع البلدان على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) في فبراير 2022، ممّا أدى إلى زيادة التجارة الثنائية.
وتعد دولة الإمارات الآن ثالث أكبر شريك تجاري للهند، في حين أن الهند هي ثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات. وارتفع حجم التجارة الثنائية إلى 85 مليار دولار في العام الذي أعقب تنفيذ اتفاق الشراكة الاقتصادية والشراكة الأوروبية.
◙ الإمارات والهند تمكنتا من صياغة علاقة متبادلة المنفعة بسبب تقارب الرؤى الإستراتيجية لقادة البلدين
وشكلت المواد التي أُعيدَ تصديرها من الإمارات – بصفتها مركزاً لإعادة التصدير – إلى الهند نحو 47.5 في المئة من إجمالي الصادرات الإماراتية إلى الهند عام 2021 (11.5 مليار دولار). وهيمنت تجارة الطاقة بشكل تاريخي على مسار العلاقات بين الإمارات والهند، غير أن العقد الحالي شهد تحولاً جوهرياً بعد أن تَحَوَّلَ التركيز نحو مجالات جديدة من التعاون والدبلوماسية.
وتعكف دول الخليج على مبادلة الهند سياستها “التطلع غرباً”. ولعل أحد الأمثلة على ذلك سياسة الإمارات نحو انخراط أفضل مع جيرانها في الشرق بما في ذلك الهند، وذلك بسبب التغير الهيكلي في سوق الطاقة العالمي، حيث أصبح نفط المنطقة يتدفق نحو مناطق الجنوب والجنوب الشرقي وشرق آسيا إلى دول مثل اليابان والهند والصين وسنغافورة وتايلاند أكثر من أسواق ضفتي الأطلسي.
ويتجسد أحد الجوانب الأساسية لهذا التحسن في العلاقات الاقتصادية في سياسة النظر إلى الغرب التي تنتهجها الهند والتي تم تنفيذها في عهد رئيس الوزراء مانموهان سينغ. وبوصفها الخليج بأنه “المنطقة الاقتصادية الطبيعية النائية”، بدأت الهند في تنويع علاقاتها مع دول الخليج في إطار سياسة النظر إلى الغرب، لتجاوز واردات النفط وتحويلات المغتربين ومحاكاة نجاح سياسة النظر إلى الشرق.
وتمكنت الهند والإمارات تاريخياً من صياغة علاقة متبادلة المنفعة بسبب تقارب الأهداف الإستراتيجية على المستويين الجيوسياسي والاقتصادي. ويظهر التحسن العقدي الأخير في التعاون زيادة في العمق الجيوسياسي والتوسع الاقتصادي حيث تتعزز هذه الاعتبارات برأس المال السياسي والشخصي الذي يستثمره قادة البلدين، من خلال الزيارات والتفاعلات المتعددة.
العرب