تروّج إسرائيل لمناطق إنسانية آمنة لتبرير اجتياح رفح. مناطق بالكاد يمكن أن تتسع لبضعة آلاف من المهجرين في ظل انعدام الخدمات والتدمير الذي طاولها، الأمر الذي يزيد من مخاوف المهجّرين. ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله إن إسرائيل ستوسع “المنطقة الإنسانية” التي حددتها على ساحل غزة، إذا قررت اجتياح رفح.
وأضاف أن إسرائيل ستطلب من الفلسطينيين التوجه إلى المنطقة الإنسانية الموسعة في منطقة المواصي، ومناطق أخرى لم تحددها بغزة، في حالة التوغل برفح. وأفادت الإذاعة العبرية العامة بأن “المنطقة الإنسانية الجديدة تمتد من منطقة المواصي (على شاطئ البحر) غرب رفح جنوب القطاع حتى مشارف النصيرات وسطه، وستتمكن من استيعاب نحو مليون نازح”. أضافت أن المكان “أقيمت فيه خمسة مستشفيات ميدانية بالإضافة إلى تلك الثابتة العاملة في المنطقة”.
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد ارتكب جرائم إبادة في عدد من تلك المناطق التي يروّج لها على كونها مهيأة لاستيعاب نازحين، ودمّر البنى التحتية فيها، علماً أن هذه المناطق غير مهيأة لاستيعاب النازحين، وهو أحد الأسباب التي دفعت عائلات كثيرة إلى مغادرتها. ويقول البعض إنّ الاحتلال يدّعي أنها مناطق ملائمة بهدف تبيض صورته في ظلّ حملة عسكرية محتملة لاجتياح رفح.
ويُروّج الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة المواصي باعتبارها ضمن المنطقة الإنسانية، علماً أنها تعرضت لقصف إسرائيلي وتوغل خلال شهري فبراير/ شباط ومارس/آذار الماضيين. يتحدث عمر صافي، وهو أحد سكان منطقة المواصي بخانيونس، عن توغل لمركبات إسرائيلية فيها واعتقالات موسعة وإعدامات. واقع أدى إلى تهجيره إلى مدينة رفح، ويشير إلى أن عدداً من سكان المنطقة اعتقلوا من قبل الاحتلال فيما قتل آخرون وقد سارت الدبابات فوق أجساد البعض.
نزح صافي إلى شارع جامعة الأقصى بمدينة خانيونس وصولاً إلى منطقة تل السلطان غرب مدينة رفح (قبل أن ينزح مجدداً إلى رفح)، وهي المنطقة التي ألقى الاحتلال الإسرائيلي عليها قبل أسبوعين مناشير يحذر فيها سكان المنطقة في حال عدم الإبلاغ عن أماكن تواجد الأسرى الإسرائيليين، بهدف خلق الذعر في قلوبهم، علماً أن معظم سكانها حالياً من المهجرين.
ويقول صافي إن عدداً من الناس في بعض أجزاء المنطقة يقيمون فيها بشكلٍ عشوائي منذ عشرات السنين، ومنها مناطق نائية لا تتوفر فيها الخدمات. يضاف إلى ما سبق عدم توفر المياه والكهرباء في وقت يروّج الاحتلال لها كمنطقة إنسانية منذ بدء العدوان. ويوضح في حديثه لـ “العربي الجديد” أن “القصف الإسرائيلي استهدف أجزاء كبيرة من منطقة المواصي الأمر الذي أدى إلى تهجير السكان إلى مدينة رفح، لتبقى خيام في بعض المناطق. ثم عاد البعض إليها إثر الانسحاب الإسرائيلي هذا الشهر من مدينة خانيونس بالكامل. لكن الشوارع مدمرة ولا يوجد فيها ممرات آمنة أو منطقة تحمل صفة إنسانية”.
يضيف: “تعرضت أجزاء من منطقة المواصي للقصف قبل الانسحاب الإسرائيلي من أجزاء منها”، لافتاً إلى أنها “كانت ضمن مستوطنات غوش قطيف. وفي كل حرب تتعرض للدمار”. ويسأل: “عن أية إنسانية يتحدث العدو وعن أية ضمانات؟ نزحنا من المنطقة ودمرت منازلنا. أين نرجع ونحن لا نجد خياماً للإقامة فيها حتى؟”.
قضايا وناس
“يونيسف”: إصابة نحو 12 ألف طفل منذ بداية الحرب على غزة
وفي وقت يروّج الاحتلال الإسرائيلي لمناطق إنسانية، استهدفت طائراته الحربية محيط محطة العطار في منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس، والتي تقع على بعد مئات الأمتار من مناطق الخيام التي شهدت اكتظاظاً بعدما عاد عدد من النازحين إلى الخيام نفسها إثر انتهاء العملية العسكرية.
ويعيش الأهالي والنازحون في مدينة رفح، والذين يتجاوز عددهم المليون و400 ألف بحسب المكتب الإعلامي الحكومي، قلقاً شديداً أكثر من أي وقتٍ مضى، وقد فقدوا الأمل بحصول تدخلات لمنع التصعيد أو وقف العدوان. ويتوقع سعيد الحسنات (53 عاماً) التهجير مجدداً مع 20 فرداً من عائلته في أية لحظة.
عمد الحسنات إلى تحضير أغراضه وحاجياته الأساسية في أكياس، هي التي كان قد جلبها معه من مدينة غزة قبل الوصول إلى مدينة رفح بعد التوقف في محطات عدة. يتواجد برفقة أشقائه وأبنائهم في خيمة واحدة للشهر الثالث على التوالي على الحدود الفلسطينية المصرية. ويترقب احتمال انتقاله إلى المناطق الآمنة، علماً أنه يشعر بالخذلان بعدما كان يأمل أن تتوقف الحرب قبل أسابيع.
القصف الإسرائيلي استهدف أجزاء كبيرة من منطقة المواصي (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
القصف الإسرائيلي استهدف أجزاء كبيرة من منطقة المواصي (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
يقول الحسنات لـ “العربي الجديد”: “يعرف الغزيون أن المناطق الآمنة والإنسانية مجرد كذبة إسرائيلية. عندما بدأ العدوان الإسرائيلي كان الاحتلال يقصف منازلنا ويطلب منا التوجه إلى المناطق الآمنة، ثم لاحقنا وقتلنا من جديد. يريد تبييض صورته أمام مجتمع دولي لا يفقه شيئاً سوى لغة الصمت أمام كل تلك الجرائم”. يضيف: “استشهد عدد من أفراد عائلتي في مخيم النصيرات ومنطقة المواصي وحتى غرب مدينة دير البلح، وهي ضمن المناطق الإنسانية التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى وضع الغزيين فيها. في المقابل، هدم الكثير من المساكن فيها. لا أثق بأي حكومة عربية ولا منظمة دولية. بتّ مستعداً للتهجير في أية لحظة، وأحاول حماية 20 فرداً وتحضيرهم لتهجير جديد، على أمل أن يكون الأخير في حال حصوله”.
قضايا وناس
بحث مؤلم عن جثامين فلسطينيين داخل مقابر جماعية في غزة
من جهته، يشير محمد الآغا وهو عضو المجلس البلدي في بلدية خانيونس، إلى أنه في عام 2007، تمّ توسيع نفوذ بلدية خانيونس لتشمل منطقة المواصي والمحررات بعد الانسحاب الإسرائيلي، بمساحة تص إلى 54.560 دونماً. يضيف أن الحصار الإسرائيلي أثر كثيراً على مشاريع تطوير البنية التحتية في تلك المناطق، وأبقى أجزاء كبيرة منها نائية حتى قبل بدء العدوان الإسرائيلي الأخير. ويوضح الآغا أن المناطق التي ذكرتها وسائل الإعلام العبرية والتي حددها الاحتلال، غير صالحة لاستقبال مليون نازح كما يروّج، وقد طاولها القصف والإبادة ودمرت المنازل والبنى التحتية، ومن بينها منازل لأفراد عائلته. ويتحدث عن “توفر مراكز صحية ومستشفى العودة فقط في مخيم النصيرات، بالإضافة إلى مستشفى شهداء الأقصى، وليس خمسة مستشفيات كما يدعي الاحتلال”. يتابع في حديثه لـ”العربي الجديد” أنه “لا يمكن لعاقل استيعاب التهديدات بتنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح وسط التحذيرات الدولية. العالم كله يعيش في صمت كبير، والمناطق التي تحدث عنها الاحتلال لن تكون إنسانية. الإنسانية هي عدم ملاحقة النازح وقصف منزله وتشريده طوال الوقت”. يضيف أن “منطقة غرب مدينة خانيونس تعدّ من المناطق التي وقعت ضحية الحصار الإسرائيلي قبل العدوان، وذلك على مدى 17 عاماً. قيدت مشاريع البلديات من خلال منع دخول المعدات والكثير من أدوات إعادة الإعمار والبناء وتطوير الحدائق والبنى التحتية. وتعد من المناطق المتهالكة حتى في غرب مدينة دير البلح. وزاد الدمار والخراب فيها خلال العدوان، ولا يمكنها استقبال 100 ألف نازح. فكيف يروّج الاحتلال لمليون نازح”.
أما في منطقة وسط القطاع، فيذكر عضو مجلس إدارة بلدية النصيرات محمد أبو مهادي أنه في حال تحولت مناطق وسط قطاع غزة إلى منطقة تجمع للنازحين كما يروج الاحتلال، بعد القيام بعملية رفح، ستتفاقم الأزمة بحق المتواجدين في المنطقة من السكان والنازحين المتواجدين في مراكز إيواء ومنازل سكان المنطقة، بما فيها المخيمات التي تعرضت هي الأخرى لقصف وإبادة وتدمير البنى التحتية الأساسية لخطوط ناقلات المياه والشوارع الرئيسية الواصلة في المحافظات الجنوبية.
ويقول لـ”العربي الجديد” إن “الشوارع التي تصل إلى تلك المناطق مدمرة، وخصوصاً الغربية منها المطلة على شارع الرشيد. وهناك دمار وغياب للخدمات. وخلال العملية الأخيرة التي استهدفت مخيم النصيرات، عمد الاحتلال إلى تدمير الكثير من أجزائه. ولا يوجد إلا مستشفى العودة الذي كان مركزاً صحياً قبل الحرب”. يضيف أن “المنطقة الغربية وصولاً إلى بلدة الزوايدة وغرب مدينة دير البلح لا يمكن أن تستوعب مئات الآلاف حتى”.