عمليات الاختطاف في نيجيريا تجلب إلى العصابات أموالا طائلة على خطى بوكو حرام

عمليات الاختطاف في نيجيريا تجلب إلى العصابات أموالا طائلة على خطى بوكو حرام

لاغوس (نيجيريا) – في ليلة ربيعية منذ عقد من الزمن، وفي حادث أثار الرعب في قلوب الآباء الآمنين، اختطفت مجموعة من الرجال الملتحين ترتدي الشباشب 276 فتاة من عنبر النوم بمدرستهن الداخلية، في بلدة تشيبوك الكائنة في المنطقة الشمالية الشرقية من نيجيريا.

وأجبر أعضاءُ المجموعة الفتيات المراهقات على ركوب سيارات نقل كبيرة، وقادوها إلى أعماق غابة واسعة في منطقة السافانا.

وأصبح يطلق عليهن اسم “فتيات تشيبوك”. وتصف إحدى الفتيات المختطفات، تدعى جلوري مينتا، ما تعرضت له هي وزميلاتها من عذاب خلال فترة الاختطاف قائلة “فعل المختطفون بي وبالفتيات الأخريات الكثير من الأشياء، تعرضنا للضرب والصياح وليس ثمة شيء لم يفعلوه بنا، وبالرغم من أنهم لم يجبرونا على الزواج بهم فإنهم فعلوا بنا ما هو أسوأ”.

ولا تزال 82 فتاة من فتيات تشيبوك في عداد المفقودات.

وبعد مرور عقد من الزمن على هذه العملية باتت عمليات الاختطاف الجماعي من الحوادث الشائعة.

في مارس الماضي تم اختطاف العشرات من التلاميذ، وجرى اختطاف أكثر من 200 امرأة وطفل من مخيم للاجئين

وقالت الناشطة فاطيما أبا كاكا إن “حوادث الاختطاف لم تعد تقتصر على المدارس، ولم يعد أحد في نيجيريا بمأمن اليوم”، وهي عضو في حركة “أعيدوا بناتنا” التي تناضل من أجل عودة فتيات تشيبوك.

وهذه الحركة تولدت من الغضب العارم في مختلف أنحاء العالم، الناجم عن قيام حركة بوكو حرام النيجيرية الإسلامية الإرهابية باختطاف الفتيات عام 2014، وأرسلت واشنطن دعما عسكريا ولكن محاولة إنقاذهن باءت بالفشل.

وتم إنقاذ 103 فتيات مقابل دفع فدية بلغت ثلاثة ملايين دولار، مع الإفراج عن خمسة من زعماء بوكو حرام وفقا لما ذكرته التقارير.

ونجحت مجموعة من الفتيات في الهرب بينما تم قتل أخريات.

وتحول هذا الحادث المأساوي الذي وقع عام 2014 إلى حالة متكررة تستدعي اتخاذ إجراءات طوارئ وطنية، فأصبح يقع في المتوسط كل يوم خلال العام الحالي حادث اختطاف جماعي لأكثر من خمسة أشخاص، وتم حتى الآن اختطاف أكثر من 1867 شخصا، وفقا لبيانات شركة “أس.بي.أم” للاستشارات الأمنية.

ووقع أكثر من 15 ألف شخص ضحايا للاختطاف الجماعي خلال السنوات الخمس الماضية، ووقعت معظم هذه الحوادث خلال العامين الأخيرين فقط.

وفي مارس الماضي تم اختطاف العشرات من تلاميذ المدارس، كما جرى اختطاف أكثر من 200 امرأة وطفل من مخيم للاجئين.

وعلى عكس ما كان يحدث في الماضي لم يعد الإرهابيون الإسلاميون في حركة بوكو حرام الجهةَ الأساسية التي تمارس عمليات الاختطاف بل انضافت عصابات إجرامية.

وأصبحت أغلبية عمليات الاختطاف تتم في المنطقة الشمالية الغربية، وتأسر العصابات التابعة لأمراء الحرب المزارعين لتطالب بفدية من أسرهم مقابل إطلاق سراحهم.

وتقف العصابات أيضا وراء عملية اختطاف أطفال المدارس بشكل جماعي مؤخرا.

وقال المستشار الأمني المقيم في العاصمة النيجيرية أبوجا ياهوزا جتسو أحمد، لمنصة سيمافور أفريقيا الإخبارية، “إن عملية اختطاف فتيات تشيبوك ألهمت تماما جيل العصابات الذي نواجهه الآن”.

وتعد نيجيريا من الدول الفقيرة حيث يعيش واحد من كل ثلاثة مواطنين في حالة فقر مدقع، وعلى دخل يقل عن دولارين في اليوم، وفقا لبيانات البنك الدولي.

وتزيد الأسعار باطراد، ويعاني السكان من نقص السلع وبوار المحاصيل، وهو ما يدفع الكثيرين منهم إلى ارتكاب الجرائم بعد أن فقدوا الأمل.

وأصبحت مخاطر ارتكاب جريمة اختطاف الناس منخفضة نسبيا، وتجلب الكثير من المال.

الملايين من الدولارات تتدفق سنويا على خزائن المبتزين

وبينما كان رد الحكومة على تزايد جرائم الاختطاف حظرَ دفع فدية منذ عام 2022، نجد شيئا مختلفا على أرض الواقع، حيث تستمر العائلات في بيع كل ما لديها من ممتلكات لاستعادة حرية أبنائها.

وتشير تقديرات شركة “أس.بي.أم” للاستشارات الأمنية إلى أن الملايين من الدولارات تتدفق سنويا على خزائن المبتزين.

وحتى لو لم تعد قضية تعليم البنات، التي كانت تحتج بها بوكو حرام لتبرير عمليات اختطاف الفتيات حيث كانت تعارض تعليمهن، الدافعَ الرئيسي إلى الاختطاف فإن الجرائم التي ارتكبتها هذه الحركة الإرهابية ألقت بآثارها العميقة على جيل بأكمله.

ومن تداعيات هذه الجرائم أن أكثر من نصف عدد البنات في نيجيريا لا يذهبن إلى المدارس، كما يلجأ الآباء الذين يشعرون بالقلق على بناتهن إلى تزويجهن مبكرا قدر الإمكان لحمايتهن مما هو أسوأ.

وتعرضت الآلاف من المدارس للإغلاق أو للتدمير، وفقا لبيانات صندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة (اليونيسيف) لعام 2022.

وبعد عملية تشيبوك دشنت الحكومة النيجيرية مبادرة لجعل المدارس آمنة، بمساعدة جزئية من أموال المعونات والاستثمارات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، جاءت من مختلف دول العالم، غير أنه ليس من الواضح أين ذهبت هذه الأموال الآن.

وتقول فاطيما أبا كاكا إن “مبادرة المدارس الآمنة التي كان من المفترض أن تحمي المدارس، لم تكن سوى حبر على ورق، ولم يتم اتخاذ أي إجراء لتنفيذها بسبب الفشل الحكومي”.

وعلى الرغم من أن نيجيريا تعد أكبر اقتصاد في القارة الأفريقية ولديها واحد من أكبر الجيوش فإنها غارقة في الفساد، كما أن الجنود يحصلون على رواتب زهيدة ومعداتهم متقادمة، أما جهاز الشرطة فإنه لا يكاد يكون له وجود.

وتبددت طاقات السلطات بسبب مواجهتها أزمات عديدة في جميع أنحاء البلاد.

ويعرب تشوكودي فيكتور، عالم السياسات في نيجيريا، عن عدم تفاؤله إزاء الأوضاع الراهنة، ويقول إن “المواطنين منهمكون تماما في تأمين سبل العيش والبقاء على قيد الحياة، إلى درجة أنهم أصبحوا غير مبالين بأوجه فشل الحكومة، في الوقت الذي يشعر فيه المسؤولون بالسعادة لأنه لم يعد أحد يفكر في محاسبتهم”.

العرب