سجل الريال اليمني انخفاضا كبيرا أمام الدولار ليتجاوز مستوى 1720 ريال للدولار في عدن ومحافظات جنوب وشرق اليمن، وذلك حسب تجار ومتعاملون بشركات صرافة، وجاء ذلك وسط موجة غير مسبوقة من الغلاء وارتفاع أسعار السلع ما ينذر بكارثة اقتصادية ومجاعة.
وتخطى سعر الدولار عتبة 1720 ريالا في أدنى مستوى للعملة اليمنية منذ نحو عامين. ويتزامن هذا مع أزمة كهرباء خانقة تنهك السكان في عدن والمحافظات المجاورة مع دخول فصل الصيف وتجاوز درجات الحرارة 36 درجة مئوية.
وتتهاوى قيمة العملة المحلية حاليا رغم استئناف البنك المركزي اليمني مزادات لبيع النقد الأجنبي للبنوك التجارية بعد أيام من حصوله على دفعتين من الدعم الاقتصادي الذي أعلنته السعودية للحكومة المعترف بها دوليا في عدن.
وقال البنك المركزي (المركز الرئيسي – عدن) في بيان إنه باع الخميس الماضي 21.874 مليون دولار في مزاده السابع هذا العام، ويجريه عبر منصة إلكترونية.
وأفاد مكتب صرافة في عدن لرويترز بأن سعر الصرف في تعاملات السوق السوداء الموازية مساء اليوم الأحد تجاوز حاجز 1720 ريالا للشراء و1730 ريالا للبيع، بفارق 70 ريالا عن مستوى الصرف قبل أسبوع و120 ريالا قبل شهر.
وهذه أدنى قيمة تسجلها العملة المحلية منذ إعلان نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل/نيسان 2022 بدعم من التحالف الذي تقوده السعودية.
وأحجم مسؤول كبير في البنك المركزي في عدن عن التعليق لرويترز عن أسباب استمرار انهيار قيمة العملة. وقال: “قس الهبوط الحاصل حاليا بسوق الصرف إلى القيمة الإجمالية تجدها لا تذكر في وضع هو الأسوأ على الإطلاق لبلد بلا موارد، معتمد على البنك المركزي في تغطية التزاماته”.
وتوقف القتال إلى حد كبير مع جماعة الحوثي في شمال اليمن خلال العام الماضي، لكن الحكومة المدعومة من السعودية في عدن تعاني بسبب تراجع قيمة العملة والنقص في الاحتياطيات الأجنبية وارتفاع الأسعار.
وتقول الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إن الاقتصاد تكبد خسائر بنحو ملياري دولار جراء توقف تصدير النفط الخام عقب استهداف جماعة الحوثي موانئ نفطية في جنوب وشرق البلاد أواخر عام 2022.
ويوجد في البلاد بنكان مركزيان متنافسان أحدهما خاضع للحكومة المعترف بها في عدن والآخر لجماعة الحوثي في صنعاء.
ولا تزال أسعار صرف الريال في العاصمة والمناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي شمال البلاد ثابتة عند 530 ريالا للدولار، وفقا لمصادر مصرفية.
استمرار الضغوط
وقال الباحث المتخصص بالشؤون الاقتصادية والمصرفية وحيد الفودعي إن تجدد انهيار صرف العملة المحلية كان نتيجة عوامل محلية وإقليمية أهمها الحرب في البلاد وما خلّفته من كوارث اقتصادية.
وأضاف أن هجوم جماعة الحوثي على موانئ تصدير النفط نهاية عام 2022 كانت القشة التي قصمت ظهر البعير مع توقف تصدير حكومة عدن للنفط تماما، ما أفقدها أهم مورد في موازنتها والذي يتعدى نسبة 70%، بحسب تقديرات حكومية.
وحذر الفودعي من مزيد من الضغوط على الريال اليمني وتدهور قيمته أمام العملات الأجنبية إذا استمرت الأوضاع كما هي.
وقال أبو أحمد (50 عاما) الموظف الحكومي في عدن وهو يمسك بحفنة من أوراق النقد المحلية: “هذه 50 ألف ريال كنت أجيب بها كيس سكر 10 كيلوغرامات، وكيس أرز بنفس الكمية وكرتون طماطم وحليب الأطفال وأشياء أخرى لآكل أنا وأولادي. الآن هذا المبلغ يكفي لكيس أرز وكيلو سكر فقط”.
وأضاف: “أولادنا جاعوا… جعنا، هبوط قيمة الريال قتلنا، وأصبحنا عاجزين عن توفير متطلبات الحياة الأساسية، وانقطاع الكهرباء قتل أعصابنا وأرواحنا”.
كما قال بسام علي عمر (40 عاما) وهو موظف حكومي أيضا: “المواطن أصبح يعاني الأمرّين بين تردي الخدمات وانهيار العملة وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية”.
جمود سياسي
وتعليقا على ذلك، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة عدن يوسف سعيد، إن التراجع المتسارع في سعر صرف الريال اليمني يعود إلى عوامل كثيرة أهمها:
غياب أي روافد اقتصادية جديدة تساعد على حل الأوضاع.
استمرار الجمود السياسي بين الطرفين المتحاربين.
التوترات في البحر الأحمر.
ووفقا لمراكز اقتصادية، انخفض الريال اليمني بأكثر من 300% عما كان عليه قبل الحرب عندما كان سعر الصرف مستقرا عند نحو 214 ريالا أمام الدولار في 2014.
ويخشى مراقبون أن تواصل العملة اليمنية انهيارها وتبلغ ألفي ريال مقابل الدولار بحلول نهاية العام وهو ما ينذر بحدوث مجاعة تهدد ملايين اليمنيين.
المصدر : رويترز