ما أثر وفاة الرئيس الإيراني على الشعب والحكم بالجمهورية الإسلامية؟

ما أثر وفاة الرئيس الإيراني على الشعب والحكم بالجمهورية الإسلامية؟

ما لاح أمس كالموت المفاجئ للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث المروحية في شمال غرب إيران، يشكل هزة أرضية ذات مغزى للجمهورية الإسلامية. فالزعيم الأعلى عليّ خامنئي وإن كان يشكل رأس الدولة ويجمع بيديه صلاحيات إدارتها، بخاصة في مسائل الخارجية والأمن، فإن رئيسي يقف على رأس السلطة التنفيذية، ويعتبر بشكل رسمي الثاني في أهميته في التراتبية السلطوية بالجمهورية الإسلامية، ويتمتع بتأثير واضح في إدارة شؤون الدولة، ولا سيما مجالات الداخلية والاقتصاد. فهو يترأس الحكومة، ويصمم سياستها، ومسؤول عن تنفيذها، ويقف على رأس سلسلة من الهيئات التنفيذية العليا وعلى رأسها المجلس الأعلى للأمن القومي، والمسؤول عن بلورة الاستراتيجية العليا في مسائل الخارجية والأمن.

ما بدا أمس كانصراف رئيسي عن الساحة، يجد إيران في ذروة تطورات ذات مغزى في الساحة الداخلية والإقليمية والدولية. في الساحة الداخلية، يقف النظام أمام أزمة شرعية محتدمة. فحركة الاحتجاج، التي نشبت في أيلول 2022 عقب وفاة الشابة مهسا أميني، وإن قمعت بنجاح وعاد الهدوء إلى الشوارع، فإن السلطات الإيرانية، بما في ذلك الرئيس رئيسي، فشلت في جهودها لتقديم جواب على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة بين أوساط المواطنين. معدل التصويت المنخفض بشكل غير مسبوق في الانتخابات البرلمانية، التي جرت مؤخراً في إيران، شهد بوضوح على تآكل متواصل في ثقة الجمهور بمؤسسات الجمهورية الإسلامية، وعلى شدة اليأس الواضح في أوساط شرائح واسعة.

وفي إطار ذلك، تقترب إيران من صراع الخلافة المرتقب بعد موت الزعيم علي خامنئي ابن 85 عاماً. طرح اسم رئيسي في السنوات الأخيرة أحد المرشحين المتصدرين لخلافة خامنئي مع حلول اليوم. انتخابه كرئيس في حزيران 2021 شكل مرحلة إضافية في تأهيله المحتمل لقيادة الجمهورية الإسلامية، بعد أن تركته قائمة المرشحين النهائية، التي أقرها مجلس حراس الدستور، كمرشح وحيد عملياً، الذي كان له فرصة حقيقية للفوز في الانتخابات. بعد ثلاث سنوات من انتخابه رئيساً، يقف رئيسي أمام انتقاد متزايد، حتى من جانب دوائر محافظة، بسبب فشل سياسته الاقتصادية. ووجد صعوبة في تحسين مكانته العامة باعتباره شريكاً على الإعدامات الجماعية لسجناء سياسيين في العام 1988 عندما شغل منصب نائب المدعي العام لطهران.

ولم ينجح رئيسي في التحرر من صورة البيروقراطي الرمادية، ما أثار شكوكاً حول فرصه خلافة خامنئي عند حلول اليوم. ومع ذلك، لا شك أن موته المحتمل يشكل ضربة شخصية قاسية لزعيم إيران. يعتبر رئيسي الرئيس الأكثر إخلاصاً وراحة لخامنئي من بين الرؤساء الخمسة الذين تولوا الرئاسة تحت قيادته منذ عين زعيماً صيف 1989. انتخابه للرئاسة عكس تغييراً ذا مغزى في ميزان القوى السياسي في السلطة التنفيذية، وبشر بعودة السيطرة المحافظة في عموم مراكز القوة في إيران، بخاصة بعد ثماني سنوات من ولاية سلفه في المنصب، حسن روحاني، الذي كان يتماهى مع المعسكر البراغماتي. انتخاب رئيسي أدى إلى تعزيز التركيبة الصقرية للمجلس الأعلى للأمن القومي.

كان لرئيسي تأثير لا بأس به في إدارة السياسة الخارجية الإيرانية. ومن المتوقع أيضاً أن يكون هناك تأثير لا بأس به في الساحة الإقليمية بموت وزير الخارجية أمير حسين عبد اللهيان، الذي رافق الرئيس في مروحيته؛ فمعرفته العميقة للشرق الأوسط، وإتقانه للعربية وكونه مقرباً جداً من “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري، جعلت عبد اللهيان في السنوات الأخيرة، وبخاصة بعد نشوب الحرب في غزة، عنصراً ذا مغزى في قيادة المعركة السياسية الإيرانية. برز دوره بخاصة بعد مقارنته بسلفه محمد جواد ظريف، الذي تميزت علاقاته مع الحرس الثوري بالتوتر في أحيان قريبة. أبدى عبد اللهيان دوراً مركزياً أيضاً في جهود إيران بتبديد التوتر مع جيرانها العرب. وقف رئيسي في الساحة الدولية بقدر كبير من خلف جهود النظام للدفع قدماً بسياسة “الداخل شرقاً”، التي ارتكزت على تعميق الشراكة الاستراتيجية مع روسيا والصين.

في خلاصة الأمر، من غير المتوقع للاستراتيجية الإيرانية أن تتغير بموت الرئيس، والجمهورية الإسلامية جاهزة من ناحية دستورية وتنظيمية لمواجهة موته. وحسب الدستور الإيراني، من المتوقع للنائب الأول للرئيس، محمد مخبر، أن يكون قائماً بأعماله حتى تحديد موعد لانتخابات السلطة للرئاسة في موعد لا يتجاوز خمسين يوماً. مع ذلك، من المتوقع أن تهز وفاته الساحة السياسية في إيران، سواء في المدى الفوري أو قبيل صراع الخلافة المستقبلي. فضلاً عن ذلك، فإن ظروف موته كفيلة بإيقاع ضرر آخر ذي مغزى في ثقة الجمهور الإيراني بمؤسسات الجمهورية الإسلامية. وحتى لو ارتبط تحطم مروحية الرئيس بظروف حالة الجو، فهذا ينضم إلى سلسلة من إخفاقات سلطات إيران في السنوات الأخيرة، مثل قضية إسقاط الحرس الثوري للطائرة الأوكرانية في كانون الثاني 2020، وسلوكها الفاشل في ضوء الكوارث الطبيعية ونشوب كورونا، وسلسلة من الإخفاقات الأمنية التي انكشفت عقب تصفيات وأعمال تخريب نسبت لإسرائيل في السنوات الأخيرة ضد شخصيات ومنشآت أمنية حساسة في إيران.