فرضت الحكومة التركية مؤخراً العمل بنظام تأشيرة دخول الأراضي التركية (فيزا) للسوريين الوافدين من خارج بلادهم، ما يعتبره مراقبون تغييراً في تعامل بلد الأنصار مع المهاجرين، كما يصفهم رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو، حين وصف النازحين من أماكن الصراع في سوريا والعراق بالمهاجرين وتركيا ببلد الأنصار.
وفتحت أنقرة عدداً من الملفات التي تعنى بها في سياستها الخارجية، منها تطبيع العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفتح البند الـ17 في الاتحاد الأوروبي لانضمام وعضوية تركيا، كما بدأ التقارب التركي أكثر نحو الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك دول الخليج.
– محاربة “الإرهاب”
وسعياً لتكثيف الجهود الإقليمية والدولية في محاربة تنظيم “الدولة”، وفتح قاعدة “إنجيرليك” أمام طائرات التحالف الدولي، والحد من موجة النزوح الأخيرة إلى أوروبا، تسعى تركيا إلى تطبيق بعض الإجراءات المتعلقة بهذا الصدد، حيث فتح الاتحاد وتركيا البند الـ17، المتعلق بالسياسات الاقتصادية والنقدية، في مطلع ديسمبر/ كانون الأول، ليرتفع بذلك عدد الفصول المفتوحة للتفاوض بين الجانبين إلى 15 من أصل 33 فصلاً.
ومنذ اندلاع الصراع في سوريا، الذي سيدخل عامه السادس، احتضنت تركيا أكثر من مليوني لاجئ، بحسب إحصائيات غير رسمية، بالإضافة نحو مليون عراقي نازح، وسط وضع إقليمي مضطرب أمنياً وسياسياً. وقد أخذ الملف السوري حيزاً واسعاً في أجندة حكومة داود أوغلو داخلياً وخارجياً، ومطالبة المجتمع الدولي بحل للأزمة السورية تضمن رحيل الأسد، إلا أنه مع طول أمد الأزمة أصبحت تركيا تواجه ضغوطاً داخلية وخارجية كبيرة، بسبب المواجهات المستمرة مع منظمة “بي كا كا”، التي تصنفها أنقرة وواشنطن بـ”الإرهابية”، وتوتر العلاقات مؤخراً مع روسيا وإيران، بدأت معه أنقرة تخشى على مصالحها الداخلية والخارجية وكذلك من العزلة الدولية.
– تقارب وتحالف
ورغم المؤشرات الأخيرة على تقارب تركيا مع الغرب والحوار حول تطبيع العلاقة مع دولة الاحتلال، وإقامة تحالفات عسكرية واتفاقيات أمنية واقتصادية دولية، يرى مراقبون أن أنقرة تحاول من خلال تلك التحركات حشد جهود المجتمع الدولي أكثر لمحاربة تنظيم “الدولة”، الذي يسيطر على مساحات كبيرة من العراق وسوريا المحاذيين لتركيا، والذي تعتبره حكومة داود أوغلو تحدياً أمنياً كبيراً بالنسبة لها، فضلاً عن مواجهة قوات الأمن التركية مع حزب العمال الكردستاني شرقي البلاد.
وبعيد الانتخابات التي جرت في يونيو/ حزيران الماضي، التي لم تُمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على أغلبية مطلقة في البرلمان، راجع داود أوغلو البرنامج الانتخابي لحزبه وسياسة بلاده الخارجية، على أن يهتم بشؤون المواطن التركي وتلبية طموحه، وفتح ملفات أخرى من شأنها أن تزيد من استقرار البلاد ومواصلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تساعد على تحقيق تطلعات تركيا وتعزيز سياساتها الداخلية والخارجية.
– العلاقة مع دولة الاحتلال
وعن فتح الحوارات مجدداً بخصوص تطبيع علاقة تركيا مع دولة الاحتلال، قال النائب البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، رسول طوسون، للجزيرة: إن “سياسة تركيا في صناعة القرار تقوم على التشاور مع جميع الجهات التي يعنيها ذلك القرار، وإن زيارة مشعل إلى تركيا مؤخراً هدفت بالأساس إلى مناقشته في المصالحة التركية الإسرائيلية باعتبارها أمراً يخص الشعب الفلسطيني بشكل مباشر”.
وعبر طوسون عن قناعته في أن أنقرة لم تتوصل إلى اتفاق مصالحة مع تل أبيب بعد، لافتاً إلى أنه من المبكر التكهن بإمكانية استمرار المفاوضات بين الطرفين في ظل إصرار إسرائيل على حصار قطاع غزة.
ورغم المشاورات المستمرة بين الطرفين، فإنه إلى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي للمصالحة بين أنقرة وتل أبيب، إنما هناك “مسودة عمل” في هذا الإطار، بحسب نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي عمر تشليك، الذي شدد على أن بلاده تتمسك بشروطها الثلاثة، من ضمنها رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، في حين اعتبرت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية “إي ها ها” أن أي اتفاق مع “إسرائيل”، موجه ضد شعب تركيا وفلسطين والشرق الأوسط بشكل عام، مؤكدة ضرورة فك الحصار عن غزة.
ووضعت تركيا ثلاثة شروط لإعادة العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى ما كانت عليه قبل الهجوم الذي أوقع عشرة قتلى أتراك على متن سفينة مافي مرمرة، إحدى سفن أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة، وهي: اعتذار تل أبيب عن العملية، ودفع التعويضات المادية لأهالي الضحايا، ورفع الحصار عن قطاع غزة.
وتحقق الشرطان الأولان؛ باعتذار رسمي قدمه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في اتصال هاتفي مع أردوغان، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء التركي في مارس/ آذار 2013، وقد تعهد نتنياهو وقتها بدفع التعويضات لعائلات الشهداء الأتراك، لكن إصرار تل أبيب على مواصلة الحصار المفروض على غزة منذ عام 2007 ظل يعطل أي تقدم في خطوات المصالحة بين الطرفين.
ورغم المصالح المشتركة التي تربط أنقرة بموسكو، التي تفرض عليها دول الغرب حصاراً اقتصادياً ومقاطعة لموردها النفطية وغازها الطبيعي وقطع طرق الإمداد عبر أوكرانيا، يرى مراقبون أن إقرار الرئيس الروسي بحزمة من العقوبات الاقتصادية على تركيا عقب حادثة إسقاط تركيا للطائرة الروسية، جعلت أنقرة تفكر ملياً بتوسيع تحالفاتها الداخلية والخارجية، وتقلل من الاعتماد على جهة واحدة في مجال الطاقة، حيث اعتمدت سابقاً في استيراد الغاز على روسيا وإيران، كما تسعى للابتعاد عن التصرف بطريقة فردية قد تجعلها ضحية لدول كانت تظنها سابقاً بأنها حليفة.
ويرى مراقبون أن فرض الحكومة التركية تأشيرة الدخول على السوريين القادمين من خارج بلادهم إلى تركيا يأتي ضمن سلسة من الإجراءات التي تسعى أنقرة من خلالها إلى تنظيم حركة اللجوء داخل البلاد وخارجها وضمان حقوقهم القانونية، حيث أصدرت الحكومة التركية مطلع العام الجاري لوائح خاصة بالسوريين لتنظيم وتوضيح وتوسيع صلاحيات وضعهم القانوني، لاستيعابهم داخل المجتمع التركي، فيما اعتبره مثقفون سوريون يُشكل نقلة نوعية في إطار تعامل تركيا مع اللاجئين لتعزيز حقوقهم القانونية وضمانها.
ياسين السليمان
موقع خليج أونلاين