تبنى الغرب سياسات التغير المناخي، التي تتطلب “التحول الطاقي”. هذا التحول مكلف جداً ولا يمكن أن يتحقق أي جزء منه من دون الصناعات الصينية الرخيصة. إلا أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة بدأت تنظر للسيطرة الصينية على الألواح الشمسية وعنفات الرياح والسيارات الكهربائية وبطارياتها وكل المعادن اللازمة للتحول الطاقي على أنه تهديد للأمن القومي والاقتصادي. لهذا فرضت بعض الدول بخاصة الولايات المتحدة، ضرائب على واردات عديد من المنتجات الصينية تحديداً الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية.
التصرفات الغربية تعكس ما يمكن تسميته “النفاق المناخي” أو “النفاق البيئي” إذ ينادون بمحاربة التغير المناخي في كل المحافل الدولية ويحاولون الضغط على الدول الأخرى لتبني أفكارهم ولكنهم يتراجعون عندما تتعارض سياسات المناخ مع المصالح والسياسية والاقتصادية.
الصين تقدم فرصة تاريخية للدول الغربية في محاولة المضي قدماً في التوسع في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، ولكن الحكومات الغربية رفضت. فالحكومات الغربية، بخاصة الولايات المتحدة، تريد أن تقوم بما قامت به الصين: تصنيع الألواح الشمسية وعنفات الرياح وبطاريات السيارات الكهربائية والسيارات الكهربائية محلياً، ولكن هذا يصطدم بثلاثة أمور:
1- في الأصل، سياسات التغير المناخي تضخمية. محاولة تصنيع ما يحتاجون إليه محلياً يرفع الكلف، ومن ثم يزيد من معدلات التضخم. فرض الضرائب الجمركية يرفع معدلات التضخم أكثر وأكثر، ولفترات زمنية أطول.
2- التوسع في عمليات التنقيب عن المعادن اللازمة للتحول الطاقي يصطدم بالقوانين البيئة من جهة، ويعارضه حماة البيئة من جهة أخرى، هذا يعني حصول شرخ ضمن اليسار من جهة، واستفادة اليمين من الفرص الاستثمارية التي يخلقها اليسار بإعانات حكومية من جهة أخرى.
3- طلاب الجامعات يتعلمون في أول مادة اقتصاد يدرسونها أن فرض ضرائب جمركية عالية أو حصص للواردات يؤدي إلى إرسال البلد المستهدف الصادرات من طريق دول أخرى. ونظراً لفرض الولايات المتحدة ضرائب عالية على واردات الألواح الشمسية القادمة من الصين، فتحت المصانع الصينية فروعاً لها في فيتنام وصدرت الألواح الشمسية لأميركا.
اقرأ المزيد
هل تقود الهند دول العالم في نمو الطلب على النفط؟
التلوث في المدن والسيارات الكهربائية
من مهد الرأسمالية… إلى مهد الاقتصاد المخطط
بايدن ومخزون النفط الاستراتيجي
لاحقاً فتحت مصانع في المكسيك واستفادت من التجارة الحرة بين المكسيك والولايات المتحدة لدرجة أن المكسيك أصبحت “رسمياً” أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، بدلاً من الصين، ولكن في الحقيقة ما زالت بكين هي أكبر شريك تجاري لواشنطن. والآن تنتقل مصانع السيارات الكهربائية وبطارياتها إلى المكسيك أيضاً. والأنكى من ذلك هو تصنيع شركات صينية ألواحاً شمسية داخل الولايات المتحدة وتحصل على إعانات من وزارة الطاقة الأميركية.
الصين وأسواق النفط
شركات النفط الصينية من الأكبر في العالم بطاقات مالية وبشرية هائلة، والحديث في هذا المجال يطول. إلا أن هناك حقيقة مهمة وهي أن الغرب منزعج من التغلغل الصيني في أفريقيا بصورة عامة، خصوصاً في مجالات الطاقة والمناجم. ويقابل ذلك حقيقة أخرى وهي أن هذا التغلغل الصيني أسهم في توفير الطاقة والمعادن للعالم بأسعار معقولة ومنع حدوث أزمات كبيرة وشح في الإمدادات، لأن ما قامت به الشركات الصينية لم تقم به الشركات الغربية، وذهبت الشركات الصينية إلى أماكن لن تذهب لها نظيرتها الغربية.
لا شك أن كلف الشركات الصينية أقل بكثير من كلف الشركات الغربية، ولا تخضع للضغوط الشعبية والسياسية التي تخضع لها الشركات الغربية. ومن أشهر القصص التاريخية التي تدل على ذلك تاريخ شركات النفط الغربية في جنوب السودان إذ تم إجبارها من قبل اليمين المسيحي وكنائسه المختلفة في الولايات المتحدة على ترك استثماراتها للصين والهند، كما أن نشطاء البيئة حاكموا شركات نفط غربية كلفت ملايين الدولارات، بينما لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك مع شركات صينية.
باختصار، عززت الاستثمارات الصينية العالمية، بخاصة في أفريقيا، من أمن الطاقة العالمي، ومن ثم أمن الطاقة الغربي!
لعبت الصين أدواراً مختلفة في أسواق النفط في السنوات الـ20 الماضية، كانت كلها أدوار مهمة، وهي تاريخياً من كبار الدول المنتجة، إلا أن أثرها الكبير بدأ عندما تحولت إلى مستورد صافي للنفط في بداية الألفية وأصبحت أكبر صافي مستورد للنفط في 2013، وأكبر مستورد للنفط في العالم منذ عام 2017، ويبلغ استهلاكها حالياً نحو 15 مليون برميل يومياً.
كانت الصين، وما زالت، المحرك الأساس لنمو الطلب العالمي على النفط. وأدى تعاظم دورها لتصبح أكبر مستورد للنفط في العالم وثاني أكبر مستهلك وصاحب أكبر مخزون نفطي في العالم فإنها أصبحت تنافس دول “أوبك” في التأثير في أسواق النفط.
منذ نحو 10 أعوام وحتى الآن أصبح واضحاً أن الصين تخزن النفط عندما تكون الأسعار منخفضة، ثم تسحب من المخزون مع تجاوز أسعار خام برنت 70 دولاراً للبرميل، هذا يعني أنه في بعض الأحيان تصبح مؤثرة في أسواق النفط أكثر من الدول المنتجة. والحقيقة أن السبب الذي منع أسعار النفط من الوصول إلى 100 دولار في عام 2021 وفي هذا العام هو السحب الكبير من المخزون.
أضف إلى ذلك أن الصين تلعب دوراً كبير في شراء النفط الإيراني والروسي، وكلاهما يخضع لعقوبات أميركية وأوروبية. البعض ينظر لتصرف الصين على أنه سيئ لأنها تتجاهل العقوبات، ولكنها في الحقيقة تسدي خدمة كبيرة للعالم، بخاصة لإدارة الرئيس جو بادين في سنة انتخابية لأنها لو لم تستهلك النفط الروسي والإيراني لنافست أوروبا على ما تبقى من نفط وارتفعت أسعار النفط بصورة كبيرة.
ما ذكر أعلاه هو غيض من فيض، هدفه توضيح بعض النقاط التي غالباً ما يظن أن عكسها هو الصحيح، وركز على النفط، علماً أن للصين دوراً مماثلاً في الأهمية في سوق الغاز.