تصاعدت حدة التوترات بين الصين وتايوان لتصل إلى مستويات جديدة هذا الأسبوع، فيما نشرت بكين طائرات مقاتلة مع سفن حربية لتمثيل عملية غزو وهمي للجزيرة بغرض إظهار غضبها تجاه الرئيس الجديد في تايبيه.
وقال الجيش الصيني صراحة إن مناوراته الحربية التي تستمر على مدى يومين صممت “لاختبار قدرة [قواته المسلحة] على الاستيلاء على السلطة بصورة مشتركة… واحتلال مناطق رئيسة” حول تايوان وسلاسل الجزر التي تسيطر عليها.
هكذا يستعرض شي جينبينغ عضلاته العسكرية في محاولة لترهيب الزعيم التايواني الجديد لاي تشينغ تي الذي استخدم خطابه الأول بعد تنصيبه الإثنين الماضي لحث الصين على “قبول حقيقة” الاستقلال الفعلي للجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي. وتعتبر الصين تايوان التي يحكمها نظام ديمقراطي، مقاطعة انفصالية، بينما يقول لاي إن الشعب التايواني وحده هو الذي يستطيع أن يقرر مستقبله.
وتجري مراقبة تصعيد النشاط العسكري الصيني حول تايوان بقلق متزايد من مختلف أنحاء العالم، فيما تحث القوى المجاورة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ البلدين على الحفاظ على السلام والاستقرار.
هل ستغزو الصين تايوان؟
بحسب الاستخبارات الأميركية، فإن الرئيس الصيني شي جينبينغ أصدر تعليماته لجيش بلاده بأن يكون “جاهزاً بحلول عام 2027” لغزو تايوان. وكان الرئيس المستبد البالغ من العمر 70 سنة تعهد في السابق بضمان “إعادة توحيد” تايوان مع البر الرئيس خلال فترة وجوده في السلطة. وقال أيضاً إن مسألة مستقبل الجزيرة “لا يمكن أن يجري توارثها من جيل إلى جيل”.
وأوضح وليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، أن الولايات المتحدة يجب أن تأخذ رغبة شي في السيطرة على تايوان “على محمل الجد”، حتى لو لم يكُن الصراع العسكري حتمياً. وأضاف بيرنز في تصريحات أدلى بها العام الماضي “نحن نعلم أن الرئيس شي أصدر تعليماته لجيش التحرير الشعبي الصيني وللقيادة العسكرية الصينية، لكي تكون جاهزة بحلول عام 2027 لغزو تايوان، وقد تم الإعلان عن ذلك. لكن هذا لا يعني أنه قرر الغزو في 2027 أو في أي عام آخر”.
أحد أفراد الجيش التايواني يشارك في تدريبات روتينية في ميناء لياولو في كينمن (أ ف ب/غيتي)
أحد أفراد الجيش التايواني يشارك في تدريبات روتينية في ميناء لياولو في كينمن (أ ف ب/غيتي)
ولفت كثير من المحللين إلى أوجه الشبه بين غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا وتطلعات شي جينبينغ في ما يتعلق بتايوان. ورجح بيرنز أن تكون الصعوبات التي تواجهها روسيا حالياً لتحقيق تقدم ملموس في الحرب في أوروبا على رغم تفوقها من حيث العدد بمثابة رادع لبكين.
هل تستطيع تايوان الدفاع عن نفسها؟
بعد وقت قصير من تحذيرات رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، قال وزير خارجية تايوان جوزيف وو إن تايبيه تأخذ التهديد العسكري الصيني “على محمل الجد”. وأضاف رئيس الدبلوماسية التايوانية في مقابلة أجرتها معه إذاعة “إل بي سي” LBC البريطانية “أعتقد بأن 2027 هو العام الذي يجب أن نكون جادين حياله”.
وزادت تايوان موازنتها الدفاعية لعام 2024 إلى مستوى قياسي قدره 19.1 مليار دولار. وإضافة إلى قيامها باستيراد الأسلحة، فهي تعمل بصورة استباقية على توسيع نطاق صناعة المعدات العسكرية الخاصة بها، بما في ذلك بناء غواصات محلية وطائرات تدريب. وهي تطور طرادات الشبح [من الجيل] الثالث والرابع المصممة والمصنوعة محلياً من أجل التصدي للبحرية الصينية، وهو جزء من استراتيجية الحرب غير المتكافئة التي تواجه فيها قوة أصغر خصمها الأكبر باستخدام تكتيكات وأسلحة متطورة أو غير تقليدية.
آليات مدرعة تايوانية تمر في أحد شوارع كينمن (أ ف ب/غيتي)
آليات مدرعة تايوانية تمر في أحد شوارع كينمن (أ ف ب/غيتي)
غير أن هذه الإمكانات ضئيلة أمام قدرات الصين التي تعتبر قواتها المسلحة الأكبر في العالم من حيث عدد الأفراد الموجودين في الخدمة الفعلية، إذ إن لديها أكثر من مليوني جندي عامل و510 آلاف في الاحتياط. وبالمقارنة، فإن لدى تايوان 169 ألف فرد عسكري عامل، إلا أن هؤلاء العسكريين مدعومون بنحو 1.66 مليون “محارب مدني”، وفقاً لبيانات “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” International Institute for Strategic Studies (IISS). وكانت تايوان أعادت في وقت سابق من هذا العام الخدمة العسكرية الإلزامية لمدة سنة واحدة لجميع المواطنين، مما عكس اتجاه [السائد في] العقد الأول من القرن الـ21 الذي شهد خفض فترة الخدمة الإلزامية بصورة مطّردة إلى بضعة أشهر فقط.
كيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة إذا تعرضت تايوان للغزو؟
وفي سبتمبر (أيلول) 2022، عرض جو بايدن صراحةً تقديم الحماية الأميركية لتايوان، قائلاً إن قوات بلاده ستدافع عنها في حال مواجهتها غزواً صينياً. وكان ثمن ذلك إثارة غضب بكين في وقت تشهد العلاقات الصينية- الأميركية انحداراً كبيراً، إذ رأت بكين أن العرض قد أرسل إشارة خاطئة.
صورة الصفحة الأولى لجريدة صينية أبرزت تغطيتها الإخبارية للتدريبات العسكرية الصينية حول تايوان، في بكين (أ ف ب/غيتي)
صورة الصفحة الأولى لجريدة صينية أبرزت تغطيتها الإخبارية للتدريبات العسكرية الصينية حول تايوان، في بكين (أ ف ب/غيتي)
وتراقب واشنطن التي تقدم الدعم الدبلوماسي والعسكري للحكم الذاتي في تايوان، عن كثب التوترات المتزايدة في المضيق. ويولي الأسطول السابع اهتمامه “للأنشطة كافة” في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، على حد تعبير أحد مسؤولي العلاقات العامة فيه الذي أضاف أنه يأخذ “بجدية بالغة” مسؤولية ردع العدوان في المنطقة.
ودعا الجنرال الأميركي الرفيع المستوى ستيفن سكلينكا إلى تهدئة التوترات، قائلاً إن الهجوم ليس “حتمياً أو وشيكاً” على رغم الترقب الذي شهده هذا الأسبوع.
وتابع الملازم أول سكلينكا، وهو نائب قائد القيادة الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أن “الخطر سيحدق بأعداد لا حصر لها من الأرواح وبأضرار اقتصادية عالمية بتريليونات الدولارات وباستمرارية النظام الدولي الذي حقق السلام والاستقرار النسبيين على مدى الأعوام الـ80 الماضية. ولهذا السبب علينا العمل سويةً لمنع الصراع”.