دور إيران في تقويض الاستقرار في الشرق الأوسط

دور إيران في تقويض الاستقرار في الشرق الأوسط

صصصص

راي تاكيه: زميل بارز لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية

ورقة مقدمة أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الامريكي

16 يوليو 2014.

ترجمة: مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

اخفت إيران لأكثر من ثلاثة عقودواقع الوحدة الاستراتيجية الذي تشهده البلاد، بسبب مواقفها العدوانية وتصريحاتها النارية حيال دول الاقليم والغرب، إذ تنظر الى نفسها كإمبراطورية فارسية محاطة بدول عربية تسعى الى تشويه ثورتها واهدافها المعلنة، ومنها “المشيخات الخليجية” المحتشدة وراء الدرع الأمريكي، وكذلك ما فرضه العراق من عداء تجاهها عقب انتهاء الحرب بينهما. ليؤثر على علاقاتها بـ”الجمهوريات السنية”. مضافاً الى ما تقدم فان حلفاء إيران ومن بينهم محميتها القوية “حزب الله اللبناني” وجماعات الرفض الفلسطينية، يواجهون طوقاً من العداء العربي.

 وسرعان ما تغير الامر عندما خضع العراق لحكم الشيعة، وهز “الربيع العربي” أسس “النظم السنية”. فاليوم، يرى النظام الإيراني انه امام فرصة فريدة لإبراز قوته في المنطقة، التي تعاني اصلاً تحولات لا يمكن التنبؤ بها. فوفقاً لعلي خامنئي فان “الربيع العربي” يعني “تصاعد مكانة من لا يعتمد على أمريكا.” ورغم تدابير بناء الثقة التي يقودها دبلوماسيون إيرانيون في فيينا، فان “المرشد الأعلى” يصر على أن إيران “تتحدى أمريكا في المنطقة وان نفوذها في تزايد.”

ويقدم خامنئي تصوراً عن الولايات المتحدة بوصفها الدولة الإمبريالية المحبطة، التي تتراجع مكانتها على عجل في المنطقة. وربما كان تقلص القوة الأميركية اكثر وضوحاً في سوريا، حيث محت واشنطن الخطوط الحمر، التي اعلنت عنها، بنفس اللامبالاة التي وضعتها في البداية.

والدبلوماسيون؛الذين يتصرفون بطريقة مهذبة ويختلطون مع نظرائهم في أوروبا الغربية، ليسوا هم الجهة الفاعلة الرئيسة التي تحدد سياسة إيران الإقليمية، لكنها “الحرس الثوري”، خاصة “فيلق القدس” الشهير، الذي اعلن قائده الجنرال قاسم سليماني عن بدأ النضال من أجل طرد الولايات المتحدة من المنطقة والعراق. واكد انه بعد سقوط نظام صدام، هناك حديث عن ضرورة إدارة العراق، من خلال رجال الدين الشيعة والنفوذ الإيراني، وصولاً الى منع الولايات المتحدة من تحقيق اهدافها.

كما اعلن سليماني انتقال الصراع اليوم حول سوريا بوصفها “الخط الأمامي للمقاومة” مع المتشددين، والدول السنية التي تحاول إزاحة بشار الأسد، وهو ما عده وسيلة لإضعاف إيران، فبقاء سلالة الأسد واستمرارها في السلطة يعد عنصراً مركزياً في السياسة الخارجية الإيرانية.

ولعل الخوف الذي يجتاح العواصم العربية، يدور حول التوصل الى اتفاق على الملف النووي الذي سيؤدي حتماً إلى انفراج دولي مع إيران، ولهذا فان لهذا القلق بعض المبررات التاريخية. فمثلا بعد محادثات الحد من الأسلحة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، تم التوصل الى اتفاقات بخصوص التجارة النووية وتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. وهو ما تركز عليه واشنطن من أن الاتفاق النووي مع إيران يمكن أن يمهد الطريق للكثير من مجالات التعاون.

التحدي

وتقف الولايات المتحدة اليوم امام تحد، يفرض عليها ايجاد وسيلة لوضع قيود على الطموحات النووية الإيرانية، بالمفاوضات، وكبح طموحاتها الإقليمية بالضغط عليها، ما يتطلب إعادة تأهيل نظام التحالف الامريكي في منطقة الشرق الأوسط. بما لا يؤثر على الحوار الاستراتيجي والمبيعات العسكرية مع دول المنطقة. ولن يكون بمقدور واشنطن استعادة ثقة حلفائها بها دون أن يكون لها دور فاعل في سوريا والعراق. رغم سعيها لإعفاء نفسها من التورط في هذه الصراعات، وما تعهداتها هذه الا سلوك اجوف لجمهور عربي متشكك.

سوريا: المحك للسياسة الايرانية في الشرق الأوسط

يتركز مشروع “الربيع العربي” ووعوده بالتغيير الديمقراطي على الموقف في سوريا، إذ يسير بشار على خطى والده المروعة في ذبح مواطنيه. فالحرب الأهلية في سوريا ليست مجرد تمزيق لهذا البلد التعيس، لكنها تحديد مستقبل المنطقة، التي وصفها الراحل مالكوم كير، أحد المؤرخين البارزين في الستينيات من القرن الماضي بانها تقف ضد نفسها على الدوام من خلال الحرب الباردة العربية بين الممالك والجمهوريات المتطرفة تكافح ضد بعضها بعضا.

ما نشهده اليوم، هو حرب باردة مختلفة وهي الاكثر تأثيراً على الشرق الأوسط، ومدعومة بصراع الهويات الطائفية، حيث سوريا هي في قلب هذا الصراع، مقابل تأليب إيران والمتشددين الشيعة ضد المملكة العربية السعودية والدول السنية الاخرى. ومن هنا فان المنطقة لا يمكنها استعادة مكانتها ما لم تنته الحرب الأهلية السورية بطريقة أو بأخرى.

ومع انهيار الطغاة خلال الأيام العنيفة من “الربيع العربي”، وسقوط النظم الاستبدادية، وتصاعد الاحتجاجات الجماهيرية الداعية إلى ترسيخ الديمقراطية، دعا الغرب الى رحيل الأسد وضرورة ذهابه، خصوصاً ان انهيار مبارك قد حدث بسهولة كبيرة؟ والتساؤل هنا كيف يمكن لرئيس الولايات المتحدة ان لا يدعو لرحيل عدو بعد أن كان قد دعا إلى طرد حليف للولايات المتحدة هو الأكثر موثوقية عندما واجه ثورة شعبية.

ومع ذلك، أثبتت سوريا انها مختلفة، ولها دورها المركزي في الاعتداء الإيراني على النظام العربي السائد، ما مكن الأسد من استغلال العديد من البطاقات في جعبته، وتأكد الامر عندما اعلنت واشنطن هدفا لكنها فشلت في التخطيط لإزالة بشار. ولهذا يصعب التنبؤ بدقة حول الكيفية التي تطورت فيها هذه الحرب الأهلية.

عادة تخضع الظواهر، لتحولات مفاجئة وتغييرات ملحوظة. ومع ذلك، فإنه ليس من السابق لأوانه الاشارة الى الروح المعنوية العالية لقوات الاسد، مقابل تشتت قوى المعارضة ونقص ذخيرتها من الأسلحة، وعدم حصولها على رعاية دولية. كما تضخ الأسلحة الروسية والأموال الإيرانية، المدعومة بقوات “حزب الله” لضمان بقاء الأسد على رأس السلطة. اضف الى ذلك سوء طالع المعارضة السورية التي ارتبط نشاطها العسكري مع انبثاق برنامج الأمم المتحدة لتفكيك الأسلحة الكيميائية السورية.

ومن المؤكد ان الحسابات الإيرانية تختلف عن حسابات الولايات المتحدة. فنظام الملالي؛ يرى وبثقة أن بشار الأسد يمكنه ارجاع التاريخ الى الوراء، ليبقى حاكماً لسوريا، الامر الذي يعزز من قوة إيران في المشرق العربي.

اما الولايات المتحدة فترى ان ازاحة الاسد عن السلطة يعد امراً ممكناً بتوفير الأسلحة للمعارضة الموثوق بها، واتخاذ موقف حازم ضد السياسات الروسية والإيرانية الداعمة لنظامه، ولعل هذا التحدي يصبح أكثر صعوبة مع فقدان الكثير من الأرواح، على ان تنازلات عكسية قد حدثت وكانت لمصلحة الاسد و”آيات الله”.

ويأتي التراجع من العراق

ما تأمله إيران من سياستها حيال العراق، هو منع الاخير من التحول الى فاعل مؤثر ليكون قوة مهيمنة في “الخليج العربي”. وبالتالي، فمن الأهمية بمكان بالنسبة للنظام الثيوقراطي الإيراني ضمان السيطرة على الحكومة الشيعية في بغداد. كما يجب التحسب من تحول الحرب الأهلية الى مهدد لتماسك الأراضي العراقية، وتقطيع أوصال البلاد إلى ثلاث دول على خلاف مع بعضها بعضا.

ان ترسيخ إيران للمزيد من عدم الاستقرار في جوارها المباشر يتطلب متابعة الأهداف المتنافسة، إذ احتضنت إيران سياسة متناقضة، فمن جهة قامت باستيعاب العناصر السياسية السنية، ودفعها الى الانخراط في الانتخابات البرلمانية والمحلية، وفي ذات الوقت دعمت الميليشيات الشيعية التي ينحى عليها باللائمة في اعمال الارهاب والعنف.

ما تقوم به إيران في العراق هو تكرار للنموذج الذي استخدمته في لبنان ابان أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. عندما دمجت مجموعة متنوعة من الاحزاب الشيعية في اطار “حزب الله”. ومنذ إزاحة نظام صدام، انشغلت إيران بتعزيز القوى الشيعية بدعم أنشطتها السياسية، وتسليح الميليشيات التابعة لها. وتأمل إيران من تمكًن الشيعة استغلال تفوقهم الديموغرافي لترسيخ مكاسبهم.

وفي حال فشلت العملية السياسية التي تقودها الشيعة، فإن الميليشيات؛ يجب أن تكون مسلحة بشكل كاف للفوز في الحرب الاهلية، وطرد الولايات المتحدة من العراق، ليتبعها تغير في الاهداف التي تدور اليوم حول هو الحفاظ على بقاء القوات الشيعية وتماسكها.

ومع  ظهور “داعش” في العراق فان إيران بدأت تتجه صوب التعاون مع الولايات المتحدة، وتبقى الحقيقة الصارخة وهي ان الاستقرار الهش في البلاد اضرت به التدخلات الإيرانية. ولمكافحة نفوذ إيران الإقليمي بنجاح، لا بد من ممارسة الضغوط على الحكومة العراقية ودفعها إلى الحد من نطاق التدخلات الإيرانية في السياسية العراقية.

دور أميركي

وبالرغم من أن الولايات المتحدة فاعلة في عزل إيران عن حلفائها الأوروبيين، فان الامريكيين ادوا دوراً محدوداً في التأثير على الموقف الإيراني في الشرق الأوسط، لأسباب تتعلق بمبيعات الأسلحة إلى الدول العربية ومحاولات تهدئة المخاوف الإسرائيلية، كما لم تبذل جهود منهجية لعزل ايران عن جوارها المباشر. ولتحقيق النجاح في الحد من سيطرة إيران في البيئة الإقليمية، والبحث عن شركاء ومتعاونين بدءاً من الأحياء الفقيرة الشيعية من بغداد إلى القصور الفاخرة في الخليج.

وببساطة فان نجاح السياسة الامريكية حيال إيران يتوقف على طبيعة التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فإيران اليوم ترفض بحدة احتمالات تعرضها لضربة انتقامية امريكية، بغض النظر عما تقوم به من استفزازات. ومن الممكن تماما أن يكون الإيرانيون قد اخطأوا في فهم الميول الامريكية ومع ذلك، فان انحسار الخيار العسكري الأميركي في المخيلة الإيرانية، لن يؤثر على مقاربتها حيال إسرائيل فالقادة الإيرانيون يأخذون التهديدات الاسرائيلية على محمل الجد. ومن هنا فأن شكل ونبرة التحالف الأمريكي-الإسرائيلي، يقلق الملالي، ويزيد من الانقسامات الداخلية في تفسير اتجاهات هذا التحالف، وما يمكن تأكيده هنا أن إسرائيل المحاصرة لا يمكنها ضرب إيران، وعلاقاتها مع القوة العظمى تشهد تخلخلاً.

كل هذا لا يعني أن واشنطن لا تستطيع انتقاد السياسات الإسرائيلية، علناً وبقوة، وسوف تتأرجح صعوداً وهبوطاً عملية السلام، ما يسبب خلافات بين الحليفين. ولهذا لابد ايجاد استراتيجيات لتخفيف حدة التوتر بين إسرائيل وجيرانها. ولذلك فلن يكون من الحكمة ان تصر الإدارة الامريكية على عدم الاخذ بالاعتبار تأثير إيران في ديناميات العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، وانعكاساتها على العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل.

على الرغم من كل المصالح المشتركة والتلميحات الخفية وغير المباشرة للتعاون في المستقبل، فإن إيران تغير أبعاد علاقاتها الخارجية عندما تواجه تهديدات دراماتيكية. كما هو الحال في عام 2003، وسيضطر خامنئي دفع ثمن باهظ لبقائه.

في ظل هذه الظروف، لابد لنا من فرض قيود مهمة ودائمة على البرنامج النووي الإيراني، والطلب من إيران الكف عن التدخل في شؤون جيرانها، وتخريب اوضاعهم الداخلية، والحد من دعمها “حزب الله” اللبناني وحركة حماس. وكذلك الضغط عليها لاحترام حقوق الإنسان واعتماد المعايير الدولية بشأن معاملة مواطنيها.

وفي النهاية، من المهم التأكيد أن المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران؛ هي صراع بين قوة عظمى ودولة استبداد من الدرجة الثالثة-  ويقصد بها دولة في غاية الاستبداد على مستوى العملي والقيمي- كما لا ينبغي لنا الركون إلى تسوية الصراع من خلال سياسة الجزرة والعصا أو التعويل على علامات الاعتدال التي قد يبديها بعض رجال الدين العدوانيين، ومن هنا فان اعتماد سياسة الضغط لن يكون مجدياً، وسيحبط إيران، لتدرك بانها مهددة بالزوال، وبالتالي لابد من ايجاد محاور أخرى بناءة.

http://www.cfr.org/iran/irans-destabilizing-role-middle-east/p33254