أظهرت المعطيات الميدانية أن “داعش” في سورية تحوّل إلى ما يشبه “الفزّاعة” بيد مختلف سلطات الأمر الواقع، وذريعة للتهرب من استحقاقات مرحلية، وورقة ترهيب لتهدئة الشارع المنتفض في أكثر من مكان في البلاد. وأعلن “الجيش الوطني السوري” المعارض، أمس السبت، القبض على خلية تابعة لـ”داعش”، في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، أبرز معاقل المعارضة السورية، شمالي البلاد. وأكد في بيان، أنه صادر كمية من الأسلحة والقنابل والمتفجرات بحوزة الخلية، مؤكداً أنه سبق للخلية أن “نفّذت أعمالاً إرهابية” في إدلب، شمال غربي سورية، وجرابلس والباب ضمن منطقة درع الفرات، شمال شرقي حلب.
التلويح بورقة “داعش”
جاء إعلان “الجيش الوطني” بعد يومين من إعلان مماثل لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، سلطة الأمر الواقع في شمال غربي سورية، زعمت فيه أن جهازها الأمني قتل عدداً من عناصر “داعش” وقبض على آخرين، أثناء مداهمة مبنى تحصنت فيه خلية للتنظيم في منطقة حارم، شمالي إدلب. وأوضحت الهيئة “ضبط أسلحة وذخائر وأحزمة ناسفة وسيارة مفخخة كانت بحوزتهم”، مدعية أن “الخلية متورطة في عملية اغتيال أبو ماريا القحطاني”، أبرز مؤسسي تنظيم جبهة النصرة، في إبريل/نيسان الماضي. في أقصى الشرق السوري، أعلنت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المدعومة من التحالف الدولي ضد الإرهاب، مراراً “مقتل أو القبض على عناصر من داعش”، خصوصاً في ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات. في هذا الصدد، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن هذه القوات اعتقلت، الجمعة الماضي، في بلدة البصيرة، أحد المسؤولين البارزين من “داعش” في سورية مشيراً إلى أن “قسد” والتحالف الدولي اعتقلا في عملية ثانية في البلدة نفسها أحد أفراد خلية مسؤولة عن تنفيذ الهجمات في دير الزور، وجرى اقتياده إلى جهة مجهولة.
فراس علاوي: وزع “داعش” منشورات في مساجد بريف دير الزور الشرقي منذ أيام
وسبق لـ”قسد” أن أعلنت قبل أيام اعتقال أشخاص في ريف الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، بعد عملية إنزال للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وشاركت بها. وكانت “قسد” أعلنت مطلع عام 2019 نهاية “داعش” في شمال شرقي سورية، عقب السيطرة على بلدة الباغوز، في ريف دير الزور، معقله الأخير في المنطقة. وفي مطلع عام 2017 انتهى الوجود الفعلي للتنظيم في شمال غربي سورية، بعد حملة واسعة من فصائل المعارضة انتهت بإخراجه من محافظة إدلب ومدينة حلب وبعض ريفها.
ولكن التنظيم احتفظ بوجود خفي له في المناطق التي خرجت عن سيطرته، خصوصاً في شمال غربي سورية وفي شمالها الشرقي. واختبأ أبرز قياديي “داعش” في هذه المناطق، إلا أن التحالف الدولي قتل الكثير منهم، وأبرزهم أبو بكر البغدادي، زعيم “داعش” الأول الذي قتل في إدلب في عام 2019، ثم قتل زعيم “داعش” الرابع أبو الحسين الحسيني القرشي، في منطقة عفرين الحدودية، الواقعة ضمن مناطق سيطرة القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في شمال سورية، المحاذية لمحافظة إدلب. وكشفت معطيات أن أطراف الصراع وجدت “داعش” في سورية أفضل “فزّاعة” بيدها من أجل تهدئة الشارع المنتفض ضد الأوضاع الراهنة، لذا عمدت إلى الإعلان عن اعتقال والقضاء على خلايا للتنظيم، في رسالة ترهيب واضحة، وللتهرب من استحقاقات سياسية مرحلية بحجة عدم الاستقرار الأمني وانتشار “داعش”.
بسام أبو عدنان: العنصر الذي يفجر نفسه لا يعرف أنه أداة بيد جهة ما
وباتت “هيئة تحرير الشام” تحت المجهر، بفعل الحراك الشعبي المستمر منذ فبراير/شباط الماضي، ولم تتمكن من تطويقه سياسياً وأمنياً، لذا ربما وجدت أن التلويح بخطر “داعش” في سورية الداهم على المنطقة يدفع إلى تراجع هذا الحراك خشية الانزلاق إلى الفوضى الأمنية، وهي بيئة مناسبة للتنظيمات المتطرفة من أجل السيطرة. وكذلك الحال في الشرق السوري المضطرب بسبب سوء الأحوال المعيشية رغم غناه بالثروات، إذ شهد هو الآخر أكثر من حراك شعبي ضد “قسد”، خصوصاً في ريف دير الزور. وتسببت تسعيرة متدنية لشراء القمح من الفلاحين قبل أيام في احتجاجات في أغلب المناطق الواقعة تحت سلطة “الإدارة الذاتية”، الذراع الإدارية لـ”قسد”.
لكن مدير مركز “الشرق نيوز”، فراس علاوي، أكد في حديث مع “العربي الجديد”، أن “داعش في سورية ما يزال ينشط بقوة في المنطقة الشرقية من البلاد، سواء الواقعة تحت سيطرة قسد أو النظام”، مضيفاً أنه “منذ أيام وزع التنظيم منشورات في مساجد بريف دير الزور الشرقي الواقع تحت سيطرة قسد، ما يؤكد أن نشاطه لم ينحسر بعدُ في هذه المنطقة التي سيطر عليها لسنوات عدة”. وعن طبيعة هذا الوجود للتنظيم في ريف دير الزور، رأى علاوي أن “هناك خلايا لداعش ولكن ليس علناً”، مضيفاً: “قسد تستخدم ورقة الانتساب للتنظيم للتنكيل بكل المعارضين لها، وفرض سياساتها وقوانينها في المنطقة الخاضعة لها”.
تمركز “داعش” في سورية
من جهته، رأى الباحث في مركز “جسور” للدراسات، بسام أبوعدنان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن لـ”التنظيم خلايا في شمال غربي سورية فعلاً”، مضيفاً: “يتمركز أغلب المتشددين في هذه المنطقة، ولكن هناك متابعة أمنية شديدة لهم من قبل الأجهزة الأمنية؛ سواء لدى الهيئة أو الجيش الوطني”. كما رأى أن “داعش” في سورية “بات ورقة بيد الجميع في سورية، فهو مخترق من كل الأطراف، وكل خلية من خلاياه تتبع لجهة ما تتحرك عند الطلب والحاجة”، معتبراً أن “العنصر الذي يفجر نفسه لا يعرف أنه أداة بيد جهة ما”. في السياق، لوّح النظام السوري مراراً عبر أشخاص مرتبطين بالأجهزة الأمنية، بورقة “داعش” والفوضى الأمنية في وجه الحراك الثوري في محافظة السويداء، الذي بدأ في أغسطس/آب الماضي، لإيقافه. ولخلايا التنظيم وجود في البادية السورية، على مقربة من محافظة السويداء، التي ارتكب “داعش” في ريفها الشرقي مجزرة في منتصف عام 2018، في هجوم أكدت مصادر محلية في حينه أنه كان بتسهيل من النظام لـ”تأديب” سكان المحافظة. وكان النظام قد أبرم صفقة مع “داعش” انتقل بموجبها الكثير من عناصره من جنوب دمشق ومن ريف درعا الغربي إلى البادية السورية.