بيروت – يعزو حزب الله هجماته على إسرائيل بحربها على غزة، وأنه قد يتوقف عن ذلك في حال توقف الحرب، وهو ما يبدو الأقرب حاليا بعد مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن، فهل يجد الحزب في هذه المبادرة مخرجا من حرب لا يتحمل تبعاتها ولا تهز لبنان، وهل تسمح إسرائيل له بذلك أم تستفيد من توقف الحرب على جبهة القطاع للتصعيد في لبنان والانتقام من الحزب الذي دخل الحرب دون مبرر ميداني.
وتزداد الأحداث في جنوب لبنان التهابا مع تصاعد المواجهات وتوسعها تدريجيا بين حزب الله وإسرائيل والمستمرة منذ 8 أكتوبر الماضي على وقع حرب غزة، حيث طرأ عليها تغير كبير في أساليب الاستهداف ونوعية السلاح المستخدم إضافة إلى توسع جغرافية العمليات. وكانت الأيام الماضية، في جنوب لبنان دامية تحت وطأة تصعيد إسرائيلي اتسم باستهداف مقاتلي حزب الله بالمسيّرات لإيقاع أكبر عدد من الضحايا بينهم.
وشهد الأحد الماضي أحد أشد أيام المواجهات بين الجانبين منذ ثمانية أشهر بحيث بلغت حصيلة قتلى الحزب 8 قتلى وهو رقم قياسي هو الأعلى منذ 8 أكتوبر، استهدفت تل أبيب معظمهم بمسيّرات في الناقورة وعيتا الشعب وحولا وغيرها.
وهو تصعيد انبرى بعده حزب الله إلى الردود العنيفة والمركزة مستهدفا مستوطنات جديدة لم يكن قصفها سابقا مثل مقر قيادة كتيبة ثكنة “حبشيت” ناهيك عن توجيهه رشقات صاروخية كثيفة نحو مناطق مختلفة من الجليل بلغت أقصاها 15 عملية الاثنين الماضي. كما أعلن الحزب، الجمعة، استهدافه ثكنة برانيت الإسرائيلية بصواريخ “بركان” ثقيلة ما أدى إلى “احتراقها وتدمير جزء منها”.
وقال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الخبير الإستراتيجي العميد الركن المتقاعد هشام جابر إن “الوضع الأمني جنوب لبنان يشهد تطورا ملحوظا بعد التصعيد الإسرائيلي وقيامه بتكثيف عمليات الاغتيال لعناصر وقيادات في حزب الله”. وأضاف “إسرائيل استخدمت الطائرات المسيرة في عمليات الاغتيال ووسعت من غارتها مستهدفة العمق اللبناني بينما الحزب صعد بنوعية عمليته”.
ورأى جابر في تصريح للأناضول أن حزب الله لا يميل إلى تكبير مساحة (العمليات) وضرب العمق الإسرائيلي وخاصة القطاع الغربي مثل حيفا وتل أبيب، فحينها سيكون هو من بدأ في توسعة الحرب وهذا ما تريده إسرائيل”. ولفت إلى أن “الحزب لن يقدم على فتح حرب واسعة وهو منذ 8 أشهر يتعامل بميزان دقيق وإسرائيل تعرف أنه يمتلك الآلاف من المسيرات التي يستطيع من خلالها أن يستطلع أجواء المستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية وضربها بالصواريخ المنحنية والمباشرة”.
ووفق جابر، فإن “الأمور ذاهبة إلى التصعيد ولكنه سيبقى دون سقف الحرب الشاملة إلا إذا ذهبت إسرائيل إليها مع لبنان لكنه حتى الآن مستبعد”. وسبق أن أشارت إسرائيل إلى أنها قد تزيد حدة الأعمال العسكرية إذا أخفقت الدبلوماسية في السماح للسكان الذين يعيشون في المناطق الواقعة على حدودها الشمالية بالعودة إلى منازلهم بأمان.
وتطالب إسرائيل بإبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني بجنوب لبنان عبر تسوية دولية استنادا إلى القرار الأممي رقم 1701 (والذي ينص على إبعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل)، وهددت أنه إذا لم تنجح التسوية السياسية الدولية فإنها ستتحرك عسكريا لإبعاد حزب الله عن الحدود. وفي 11 أغسطس 2006، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار 1701، الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل، بعد حرب استمرت 33 يوما بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
ويدعو القرار إلى إيجاد منطقة بين الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) ونهر الليطاني جنوبي لبنان، تكون خالية من أيّ مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا تلك التابعة للجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل). وسبق أن أكد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي استعداد بلاده لتطبيق القرار 1701 الصادر عن الأمم المتحدة “بحذافيره”، شرط انسحاب إسرائيل من أراض حدودية محتلة يطالب بها لبنان.
وبحسب مكتب ميقاتي، فإنه يشير إلى الأراضي التي يطالب بها لبنان ولا تزال تحتلها إسرائيل منذ انسحابها من جنوب لبنان عام 2000: مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من قرية الغجر. وتابع الخبير الإستراتيجي أن “لبنان موقفه صريح وواضح وهو انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة وتطبيق القرار الدولي 1701”.
واستدرك “لكن تل أبيب تناور وتراوغ ولا تريد تطبيق سوى نصفه (للقرار 1701) فقط فيما يتعلق به”، أي تطبيق إبعاد حزب الله عن الحدود وتجاهل الخروقات الإسرائيلية وعدم انسحابها من الأراضي المحتلة. وفي تصريح سابق له، قال وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بوحبيب “أبلغنا الجميع (المسؤولين الدوليين) أننا على استعداد لتنفيذ القرار 1701 بحذافيره، أي أنه تجب العودة إلى خط الهدنة لعام 1949، مما يعني انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي اللبنانية وأن توقف خروقاتها البرية والبحرية والجوية”.
وقال الخبير الإستراتيجي والعسكري العميد المتقاعد ناجي ملاعب، إن “حزب الله أثبت أن لديه تدريبات على وسائل قتالية حديثة ومعقدة واستطاع أن يفاجئ العدو (الإسرائيلي) بعمليات معقدة مثل إرسال صواريخ ومسيرات سويّا ومسيرات تحمل صواريخ”. وأضاف أن “هذه العمليات (المعقدة) ليست سهلة وتدل على أن الحزب يستطيع التعامل بتقنيات عسكرية حديثة لم يخرجها بعد”.
ومنذ 8 أكتوبر 2023، يتبادل حزب الله وفصائل فلسطينية في لبنان مع الجيش الإسرائيلي قصفا يوميا متقطعا؛ أسفر عن قتلى وجرحى، معظمهم في لبنان. ويقول الحزب إنه يتضامن مع قطاع غزة، الذي يتعرض منذ 7 أكتوبر الماضي، لحرب إسرائيلية بدعم أميركي، خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
وفي خطابه الأخير، يوم 24 مايو الماضي، قال أمين عام حزب الله حسن نصرالله إن إسرائيل “لم تحقق” أيّ هدف من أهدافها في الحرب على قطاع غزة باعتراف قادتها، وتوعدها بـ”مفاجآت” من جماعته. ورد عليه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، في 29 من الشهر نفسه قائلا إن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله يجر لبنان إلى واقع “صعب”.
العرب