جاءت زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي ( جيك سوليفان) ونائبه لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك للمملكة العربية السعودية ولقائه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان يوم 19 آيار 2024 لتعيد الكلام مرة أخرى حول اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين بعد أن توقفت المباحثات بينهما نتيجة الأحداث التي جرت يوم السابع من تشرين الأول 2023 في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية،لتعيد الإدارة الأمريكية تفكيرها واهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط من بوابة الرياض للعمق الإستراتيجي والمكانة الإقليمية والدولية التي تحظى بها والتي أسست لها زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية في 15 تموز 2023.
اتسمت مباحثات مستشار الأمن القومي الأمريكي حول وضع اللمسات الأخيرة لإعلان اتفاق تاريخي بضمانات أمنية أمريكية للرياض وتقديم المساعدة والاستشارات العلمية لتطوير البرنامج النووي المدني الذي تسعى اليه القيادة السعودية،
والذي سبقه عدد من
الزيارات الأميركية الأخيرة إلى الرياض والتي لم تقتصر على التعاون الاستراتيجي بل كانت زيارة مدير وكالة الفضاء الأميركية (ناسال) بيل نيلسون الذي ناقش الشراكة الاستراتيجية مع مسؤولين من وكالة الفضاء السعودية خلال زيارة إلى السعودية امتدت خمسة أيام، ثم تبعها في 15 آيار 2024 توقع وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان ونظيرته الأميركية جينيفر غرانهولم خطة تنفيذية من مجالاتها الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والتي تتضمن جدولًا زمنيًا يحدد المشاريع ذات الأهمية.
تأمل الولايات المتحدة الأمريكية من مجمل هذه الزيارات واللقاءات
أن تؤدي إلى تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية بعد انتهاء المواجهات العسكرية في قطاع غزة وتحديد موقف تل أبيب الواضح من أقامة الدولة الفلسطينية والانسحاب التام من المواقع والأماكن التي تواجدت فيها القوات الإسرائيلية بعد الأحداث الأخيرة.
وإذا ما أرادت واشنطن والرياض بناء علاقة متينة وإنشاء اتفاقية شاملة عليهما تشكيل هيكلية دفاعية تكون نواة لتبادل المنفعة بين البلدين وأساس لمعالجة جميع الأزمات التي تحيط بالمنطقة وأن تكون ذات تأثير فعال وتتصف بالمصداقية الحقيقية والرسوخ الميداني في العمل والتواصل في تبادل المعلومات والخبرات وأن تشكل رادعًا ملموسًا لأي تهديدات إقليمية ودولية تجاه منطقة الخليج العربي وخاصة أراضي المملكة العربية السعودية، وأن تتضمن التزامًا سياسيًا يؤسس لقدرات فعالة في طبيعة النسيج القائم في العلاقات بين الرياض واشنطن، وأن يكون قائمًا على تقديم جميع المساعدات والخبرات وتسخير الموارد العسكرية والأمنية التي ترتقي لمكانة العلاقات السياسية بين البلدين، وأن يتوافق التعاون العسكري في تحقيق أهداف البلدين عبر اتفاقية الدفاع المشترك التي ستكون حدثًا بالغ الأهمية في تاريخ المنطقة.
ولكن هناك العديد من الإجراءات التي تحقق الغاية الأساسية من الإتفاقية عبر قيام الولايات المتحدة الأمريكية بخطوات ميدانية لإقناع الجانب الإسرائيلي بشروط الرياض حول استئناف العلاقات بينهما عبر الإلتزام بقيام دولة فلسطينية وأن لا يكون هناك أي تراجع أو تردد في أي إجراء تتأخذه تل أبيب وأن يكون الإتفاق مع الإدارة الأمريكية على إبرام معاهدة الدفاع المشترك الكامل، وهذا ما يمكن أن يحقق نتائج إيجابية لإدارة الرئيس بايدن في سياسته التحويلية نحو الشرق الأوسط، ومن الممكن أن يتجه الإتفاق الثنائي إلى ثلاثي بوجود إسرائيل ولكن عبر عديد من المبادرات التي يجب أن تبديها جميع الأطراف.
لا تتم المعاهدة الدفاعية إلا بموافقة ( ثلثي) أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وإذا ما تحقق الأمر فيكون الحال ملزمًا قانونيًا ويعطي تصميم أمريكي في الدفاع والالتزام نحو أمن واستقرار منطقة الخليج العربي، وهو رسالة ردع غير مباشرة للتهديدات الإيرانية ودعم للقيادة السعودية الحليف الإستراتيجي، وأن موافقة الكونكرس تعني التوافق المزدوج للسلطتين التشريعية والتنفيذية بشأن معاهدة الدفاع المشترك في جميع الإدارات الأمريكية القادمة، على أن تتحقق هذه الغايات قبل بدأ عطلة الكونكرس وقبل انشغال الرئيس جو بايدن وتفرغه للانتخابات القادمة، لكي تأخذ المعاهدة أبعاد تاريخية ومستقبلية في العلاقات الأمريكية السعودية، وملاحظة التطورات السياسية في منطقة الشرق الأوسط بإستمرار الصين بتعزيز حضورها السياسي والإقتصادي لضمان الاستقرار في المنطقة وحماية مصالحها في تدفق النفط إليها، كما أن السياسة السعودية مستمرة في نهجها المستقل بتوسيع خيارات علاقتها مع بلدان العالم وفق رؤيتها ومصالحها ودعم قراراتها السياسية.
ان الرؤية السعودية لمعاهدة الدفاع المشترك قائمة على معالجة أوضاع المنطقة ومواجهة القدرات العسكرية الإقليمية المتنامية وخاصة من قبل إيران، ولهذا فهي بحاجة إلى مجالات واسعة وحلول طويلة تعالجها اتفاقية الدفاع، بعد أن لاحظت نتائج الإنفراج السياسي والعسكري الذي حدث مع الحوثيين بإيقاف الهجمات الصاروخية على الرياض وبعض المدن السعودية بعد الإتفاق مع إيران، وهو ما يعني حاجة الرياض لقوة عسكرية قادرة وعبر تحالف دولي واتفاق ثنائي مع واشنطن لتعزيز دورها في حماية رؤيتها لعام 2030.
ان الإقرار بمعاهدة الدفاع المشترك يعتبر إنجاز سياسي وهدف إستراتيجي لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وتعزيز للقدرات العسكرية السعوديه وتأمين دفاعاتها التي تتماشى والأهداف الإستراتيجية للأدوات الأمريكية في تعزيز حضورها الميداني والتأثير الفعلي على جميع الأوضاع السائدة في المنطقة عبر إقامة تحالفات إقليمية ومساهمات في إعداد برامج مشتركة للدفاع الجوي والصاروخي يؤمن حماية إسرائيل ودول الخليج العربي من أي تهديدات إقليمية قادمة.
ان المباحثات بين واشنطن والرياض أكدت على العمق الإستراتيجي للتفكير السياسي السعودي الذي اتصف بالصبر والمطاولة والحكمة وراحة العقل ورزانة الفكر والمرونة في التعامل وتخطي جميع العقبات التي اعترضت بنود وفقرات المعاهدة بغية تعزيز الجوانب الأساسية التي تحققت داخل المجتمع السعودي في كافة مجالات الحياة والإنجازات الإقتصادية والإجتماعية التي ساهمت في عملية الإصلاح والإعمار.
تدرك القيادة السعودية ان تطبيع العلاقات مع إسرائيل يعتبر في نظر الإدارة الأمريكية ( جوهرة التاج)، ولهذا فهي غير مندفعة لتحقيق السلام دون أن تكون هناك ضمانات جدية وإنجازات سياسية تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني، وأن أي سلام في المنطقة العربية يمثل رغبة أمريكية غربية.
جاء الإجتماع الموسع في 22 آيار 2024 لقادة مدنيون وعسكريون أمريكان ومن دول مجلس التعاون الخليجي العربي في المقر الرئيس بالعاصمة السعودية ( الرياض) لتشكيل فريق عمل يركز على الدفاع الجوي والصاروخي والأمن البحري وتأمين سلامة دول المنطقة، وجاء اللقاء بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل في 13 نيسان 2024 والرؤية الأمريكية لتعاظم التعاون العسكري الروسي الإيراني واستمرار طهران في إظهار قوتها وهجماتها فعالياتها عبر وكلائها فصائلها المسلحة في عدد من عواصم الأقطار العربية، وقرر المجتمعون استمرار التدريبات العسكرية المشتركة وتلبية الاحتياجات من الأسلحة والمعدات الثقيلة ومنظمات الدفاع الجوي والصاروخي وبناء التحالفات القائمة على أساس إدامة حالة الأمن والاستقرار وأبعاد أي تهديدات إقليمية تواجه المنطقة.
إن أي معاهدة قادمة للدفاع المشترك ستحمل إتفاق أمني وعسكري يمر عبر بناء علاقات عسكرية واسعة مع الأقطار العربية التي لديها علاقات دبلوماسية مع تل أبيب وإجراء تدريبات أمريكية مع دول الخليج العربي في مجالات الأمن البحري والدفاع ضد أي هجمات صاروخية وطائرات مسيرة وردع اي تدخل إقليمي أو تهديد من أي دولة في المنطقة، باعتماد أسس التخطيط المركزي والعمل بوسائل مريحة مع القوات العسكرية السعودية وتقديم المشورة الأمريكية في كافة المجالات الحيوية التي تدعم الأمن القومي السعودي وتحقيق الهدف الأمريكي في مخاطبة دافعي الضرائب الأمريكان من أن حلفاء دولتهم يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ولا يعتمدون فقط على إمكانيات الجيش الأمريكي وأن أي مواجهة أو حرب في المنطقة ستكون كلفتها بأقل من الخسائر الشريك والمادية الأمريكية بوجود الدعم العسكري والأمني السعودي.
ومن الأسس المهمة في إقرار أي معاهدة أن تكون عبر جهاز دفاعي مؤهل يتجاوز المعدات العسكرية بتموضع الولايات المتحدة في أراضي المملكة العربية السعودية وبناء بنية استشارية دفاعية جديدة تتجه نحو وحدة دعم العمليات الأساسية وإنشاء مكتب تعاون أمني والتنسيق مع الوزارات الأمنية وأن لا يقتصر الأمر على وزارة الدفاع السعودية، وتقديم المشورة الخاصة بواقع المملكة العربية السعودية وتطوير وإدارة مواردها البشرية في جميع المجالات.
وحدة الدراسات الخليجية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة