منذ ما قبل وصوله إلى البيت الأبيض عام 2020، يعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن، ومعه معظم الديمقراطيين، أن سلفه دونالد ترامب، “مُدان”، حتى قبل صدور أية إدانة قضائية بحق الأخير، وذلك بتهم عدة موجهة إليه، أدين أخيراً في إحداها (تتألف من 34 تهمة)، وهي التلاعب بحسابات شركته لإخفاء دفع رُشى لممثلة إباحية. فمنذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض في 2016، كان للديمقراطيين ميلٌ لاتهامه بأمور عدة، أولّها تعامل حملته الانتخابية مع روسيا، واعتبار روسيا متدخلة في الانتخابات الأميركية الرئاسية في ذلك العام، ليتوالى النبش في ملفات ترامب، وصولاً إلى بناء بايدن حملته الرئاسية قبل 4 أعوام على أساس إنقاذ البلاد من الرئيس الجمهوري السابق.
الانتخابات الأميركية ومتغيرات الإدانة
لا يبدو الوضع مختلفاً اليوم، مع انطلاق الرجلين في حملة جديدة، سيتواجهان فيها كما هو بات متوقعاً في الانتخابات الأميركية الرئاسية المقرّرة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حيث حرارة السباق تتلخص في وجود رئيسين، يتخطى عمر كل منهما الـ77 عاماً، ويتنافسان للمرة الثانية، وسط تراجع أجندتيهما السياسية والاقتصادية، سواء الخارجية أو الداخلية، خلال مراحل الحملة، لصالح تقدم الذمّ المتبادل. ووسط الانقسام السياسي الطاغي في الولايات المتحدة، تبدو أمور مثل ملف الهجرة غير النظامية، بالإضافة إلى مصير التضخم، والمساعدات الاجتماعية، وحدها قادرة على إثارة اهتمام الرأي العام، الذي بدوره يعيش تحولات عديدة، مع ارتفاع أعداد الناخبين الشباب المصوتين هذا العام (41 مليون ناخب من جيل زد، أي بين 18 و27 عاماً تقريباً)، وكذلك الأقليات (يصل عدد الناخبين من أصول أفريقية في نوفمبر إلى 34 مليوناً).
16% من ناخبي ترامب قالوا إنهم لن يصوّتوا له في حال جرت إدانته
في مقابل هذه المتغيرات، لا يشكّل ترامب وبايدن، عنصري جذب للناخبين في الانتخابات الأميركية المنتظرة، الذين يعتقدون أن عليهم مرة أخرى، أن يختاروا بين سيئين، لا سيما بعد الإدانة الجنائية للرئيس السابق، التي تبحث حملة بايدن ما إذا كان عليها استثمارها جيداً لحين الوصول إلى يوم الاقتراع. وبحسب كثر في الإعلام الأميركي، لن يغير الحكم القضائي بحق ترامب شيئاً في الاستراتيجيات لدى فريق بايدن تحضيراً لاستحقاق الانتخابات الأميركية لعلم الرئيس أن إدانة ترامب بتهمة دفع رُشى للممثلة الإباحية ستورمي دانيالز، لن تحدث فرقاً لدى قاعدة الأخير الصلبة، مع أن استطلاعاً للرأي أجرته محطة “آي بي سي” التلفزيونية الأميركية في إبريل/نيسان الماضي، أظهر أن 16 في المائة من ناخبي ترامب قالوا إنهم لن يصوّتوا للرئيس السابق في حال جرت إدانته.ورأت صحيفة “نيويورك تايمز”، أمس الأحد، في تقرير لها، أن أي قرار ستتخذه حملة بايدن في هذا الشأن، سيؤثر في حظوظه بالرئاسة، وبعضهم داخل الحزب الديمقراطي، يعتقد أن الاستراتيجية المتبعة، ستؤثر بمستقبل الديمقراطية في البلاد، على اعتبار أن هذا الطيف يرى أن عودة ترامب “المتعطش للانتقام” إلى السلطة، ستشكّل خطراً كبيراً على الولايات المتحدة، وسط اعتقاد لديهم أيضاً بأن هذا الرجل “يملك قوة خارقة”، تجعله يبقى حيّاً وقوياً سياسياً، رغم كل الملاحقات. وبعد إجرائها مقابلات مع أكثر من 50 ديمقراطياً، بمن فيهم أعضاء في الكونغرس، وخبراء استراتيجيون للحزب، ومسؤولون منتخبون، ومن أعضاء لجنة الحزب الوطنية، وجدت الصحيفة أن الحزب أيضاً “متعطش” لإخبار ناخبيه بعد إدانة ترامب، أن الأخير غير مؤهل للحكم، ويساورهم القلق من أن بايدن قد يفوت عليه فرصة استخدام هذا السلاح خلال حملته. ويحرص بايدن على الإدلاء بتصريحات حذرة عن ترامب، فيما يتولى فريق حملته الانتخابية، الهجوم. ويسعى الرئيس الديمقراطي من وراء ذلك، بحسب الصحيفة، إلى عدم تغذية الاتهامات له من قبل الجمهوريين بأنه يهندس القضايا القانونية التي تلاحق سلفه.
لحظة نادرة من الأمل
وتشير الاستطلاعات الداخلية التي تجريها حملة بايدن، بحسب “نيويورك تايمز”، إلى أن الإدانة ستؤثر بشكل أكبر في الناخبين الذين لم يبدوا بعد اهتماماً بالانتخابات، وبشكل خاص الشباب وغير الحاصلين على شهادة ثانوية، وهما فئتان من المجتمع الأميركي يسعى بايدن إلى جذبهما. لكن بالنسبة للكثير من الناخبين، فإن وقع الإدانة يتراجع أمام قضايا أكثر أهمية بالنسبة إليهم، مثل الهجرة والاقتصاد. وعلى الرغم من ذلك، فإن الإدانة قد منحت الأمل لبعض القادة الديمقراطيين المحبطين من ترشح بايدن مجدداً، وذلك بحسب الشهادات التي قدّموها للصحيفة، على اعتبار أن الإدانة “تمنح لحظة نادرة من الأمل”، بعدما كان ترامب يتقدم قبلها في كل الولايات المتأرجحة على بايدن.
يسعى بايدن إلى عدم تغذية الاتهامات له من قبل الجمهوريين بأنه يهندس القضايا القانونية التي تلاحق سلفه
وينصح أعضاء في لجنة الحزب الديمقراطي الوطنية، حملة بايدن، بحسب الصحيفة، ببدء بثّ إعلانات على محطات دينية مسيحية في الولايات المتأرجحة، للوصول إلى الناخبين المتدينين الذين يجدون أن ما فعله ترامب مع الممثلة الإباحية معارض لقيمهم. كما يعتبر آخرون أن على بايدن التطرق إلى كيفية استغلال الأثرياء مثل ترامب، لثرواتهم، لمراكمة النفوذ السياسي. ورأت “نيويورك تايمز”، بعد مقابلات مع ديمقراطيين في الولايات المتأرجحة، أن أمام حملة بايدن الكثير من العمل، لتبديل آراء الناخبين بناء على الإدانة القضائية لترامب، لأن الكثير من الناخبين “يعتقدون أن كل السياسيين فاسدون”، وليس ترامب وحده، وهو موقف شعبوي منتشر في الولايات المتحدة.
من جهتها، اعتبرت “وول ستريت جورنال”، أمس، في تقرير لآرون زيتنر وكاثرين لوسي، أن استراتيجية بايدن لإعادة انتخابه تعتمد بشكل كبير على تذكير الناخبين بـ”الأيام السوداء” لعهد ترامب، ومنها أحداث اقتحام الكابيتول (6 يناير/كانون الثاني 2021)، والعنف المرتبط بالعنصرية. واعتبرت أن إدانة ترامب تمنح بايدن الفرصة الذهبية لاستعادة 4 سنوات “من الفوضى”، والتشديد على أن عودة ترامب للرئاسة “تحمل مخاطر للبلاد”. إلا أن الصحيفة حذّرت من أن ذلك “قد لا ينجح”، فيما يواجه بايدن صعوبة لتغيير مزاج الناخبين المترددين، غير المهتمين بالسياسة، ولكن القلقين من ارتفاع الأسعار، والذين لديهم صورة “وردية” عن عهد ترامب. واعتبر نيل نيوهاوس، وهو يدير استطلاعات رأي لصالح الجمهوريين، أن حملة الانتخابات هذا العام، ستكون حملة “التذكير”، بما معناه فتح دفاتر الماضي. وقال نيوهاوس للصحيفة: “عوضاً عن الحديث عن المستقبل، سيتحدثان (بايدن وترامب) عن الماضي، وكل منهما يريد أن يرسم هذا الماضي على طريقته”.