سير العمليات على الأرض، وهذا ما يؤكد حجم المذبحة المستمرة، حيث أصبحت الأشهر الأخيرة هي الأكثر دموية في الحرب، والأسابيع الأخيرة هي الأكثر دموية في الأشهر الأخيرة، والأيام الأخيرة هي الأكثر فظاعة في الأسابيع الأخيرة.
أزمة ديمغرافيا
ولتقييم تأثير هذه الأرقام على الأمد الأبعد، يذكر الكاتب بالحالة الديمغرافية في البلدين، إذ انتقل عدد سكان أوكرانيا من نحو 52 مليون عند استقلالها عام 1991 إلى ما يزيد قليلا على 33 مليونا اليوم، بسبب الانخفاض المذهل في معدل المواليد والهجرة ثم الحرب، ولا يختلف الأمر كثيرا في روسيا، حيث الاتجاه هو نفسه ولكن بأعداد أكبر بكثير.
وفي هذه الظروف الصعبة للغاية، تقود حكومة كييف موجة جديدة من التعبئة لملء الرتب المنهكة من جيشها، مخفضة سن التجنيد إلى 25 عاما، ومانعة أي رجل سنه بين 18 و60 عاما من مغادرة البلاد.
وعلى الجانب الروسي، فإن تدفق المتطوعين الذين تجتذبهم المكافآت العالية لن يكون بلا نهاية، لضمان الحصول على الأعداد اللازمة لتحقيق نصر إستراتيجي، بعد أن استعاد الجيش الروسي زمام المبادرة منذ فشل الهجوم الأوكراني المضاد في صيف عام 2023، كما يقول الكاتب.
دوامة التصعيد
وفي بداية الصيف وصل مسار الحرب إلى عتبة جديدة، حسب هوسلي، وهذا ما يتطلب تبريرا أقوى وخطابا جديدا بسبب حجم التضحيات التي تم تقديمها حتى الآن والتي ستزيد في المستقبل في دوامة التصعيد.
ومن اللافت لنظر الكاتب تغير عرض الصراع وقضاياه على الجانبين، حيث تتغير لغة الزعماء السياسيين كل يوم، فمن حرب “محلية” تؤلب الروس والأوكرانيين ضد بعضهم، انزلقنا إلى حرب عالمية بين روسيا والغرب، حيث تصبح أوكرانيا مجرد مسرح للعمليات في المواجهة العامة.
ولا أدل على ذلك من الحديث عن إرسال وحدات عسكرية أوروبية، وإطلاق النار من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) لحماية المدن الأوكرانية، والسماح للصواريخ الأوروبية والأميركية بضرب الأراضي الروسية، بل والحديث عن مولدوفا وجورجيا وبيلاروسيا باعتبارها جبهات محتملة، وهو ما يعني أن على أوروبا أن تستعد ما دامت الحرب الأوكرانية أصبحت حربا في أوروبا.
انزلاق ماكر
وأشار الكاتب إلى أن اعتماد أوكرانيا الكامل على الغرب يتطلب منه أن يعمل على توسيع هذا المجال، لأن الجميع يدركون أن الحرب بالنسبة لأوكرانيا لا بد أن تكون عالمية أو أنها سوف تخسر، وهو ما يعطي الولايات المتحدة وأوروبا طريقة سهلة لإضفاء الشرعية على التزام ثقيل على نحو متزايد وربما طويل الأمد إلى جانب أوكرانيا.
ومع أنه لا أحد يريد أن يرسل مواطنيه للموت من أجل دونيتسك أو ماريوبول، فإنه ليس من الصعب إقناع الأوروبيين بدفع المزيد لإنقاذ الغرب، لأن الشعور بالخطر المشترك يعزز التحالف الأطلسي ويعزز الإصرار الذي يظهره الغرب تجاه موسكو، كما أنه ضروري لجهود إعادة التسلح العام المعلن عنه في العقد المقبل.
وعلى نحو مماثل، يستخدم الكرملين نفس آليات إضفاء الشرعية، فلم يعد جنوده يموتون من أجل باخموت أو أفدييفكا، بل من أجل الدفاع عن روسيا الأبدية، مثلما فعل أجدادهم من قبلهم، كما يبرز التهديد الغربي المتمثل في تسليم الأسلحة لأوكرانيا، والعقوبات والإجراءات التمييزية ضد الروس من الرياضيين والفنانين والسياح ونحوهم بسبب جنسيتهم.
وخلص هوسلي إلى أن عولمة القضايا عن عمد تضاعف عوامل الخطر، وبالتالي فكل طرف لديه أجندته الخاصة، وكل شرارة يمكن أن تفجر الترسانة بأكملها، لننزلق بمكر -كما يقول- نحو حرب أكبر وأطول، تقدم لنا على أنها غير مرغوب فيها ولكنها حتمية، ويواصل الجميع التصعيد مؤكدين أن الحرب العظمى لن تحدث، كما كان الاعتقاد السائد قبل الحرب العالمية الأولى.