قنبلة محافظات جنوب العراق تهدد حكومة السوداني

قنبلة محافظات جنوب العراق تهدد حكومة السوداني

موجة الغضب الشعبي التي تداهم محافظات جنوب العراق رغم تطابقها في أسبابها العميقة مع انتفاضة سنة 2019، إلاّ أنها مختلفة عنها في أسبابها المباشرة، إذ أن ما يحرّكها هذه المرّة هو حالة العداء التي استحكمت بين القوى الشيعية إثر الانتخابات المحلية الأخيرة، وما دار بعدها من صراعات شرسة للسيطرة على مجالس المحافظات وتقاسم مناصبها القيادية.

السماوة (العراق) – تشكّل حالة الاحتقان القائمة حاليا في محافظة المثنّى بجنوب العراق إنذارا لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السودان من خطر انفجار قنبلة المحافظات الجنوبية التي سبق لها أن تفجّرت في وجه رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي وأطلقت شرارة أعتى انتفاضة شعبية واجهها النظام العراقي الحالي في معاقل القوى الشيعية القائدة له.

وعلى مدى السنوات الأخيرة تحوّلت بداية كل صيف إلى موسم للتظاهر والاحتجاج الشعبي في المناطق العراقية الواقعة جنوبي العاصمة بغداد بسبب ما تشهده من ارتفاع في درجات الحرارة تبرز معه أزمة الماء والكهرباء التي تذكّر سكان تلك المناطق بالفساد الحكومي والإداري المستشري الذي ينعكس سلبا على جميع مظاهر حياتهم اليومية.

وتميّزت موجات الغضب السابقة في محافظات جنوب العراق، لاسيما انتفاضة سنة 2019، بقدر كبير من العفوية والتلقائية، لكنّ الموجة الجديدة المتفاعلة حاليا في محافظة المثنّى بصدد كسر تلك القاعدة، إذ إن من يقودها ليس سوى قيادي بارز بإحدى الميليشيات الشيعية.

ولهذا السبب شكّل الوضع في المثنّى قلقا استثنائيا لحكومة السوداني الذي تحرّك بسرعة لتطويق الوضع في المحافظة قبل أن يخرج عن السيطرة.

ويواجه سكان محافظات جنوب العراق من المصاعب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ما يفسّر تحفّزهم المستمرّ للاحتجاج والتظاهر ضدّ السلطات، لكنّ عاملا إضافيا مكرّسا لحالة التوتّر دخل على الأوضاع هناك وتمثّل في اشتداد التنافس على السيطرة على الحكومات المحلية لتلك المحافظات بعد الانتخابات المحلية التي أجريت في ديسمبر الماضي.

التوتر في المثنى إحدى نتائج التنافس الذي أطلقته الانتخابات المحلية بين الأحزاب للسيطرة على مجالس المحافظات

وتقاسمت أبرز الأحزاب والميليشيات الشيعية المناصب في مجالس محافظات الجنوب ومع ذلك لم ترض غالبيتها عن حصصها وبدأت تلجأ إلى طرق متعدّدة للتشنيع على خصومها ومنافسيها ومحاولة إرباكهم، بما في ذلك تحريك غضب الشارع ضدّهم مستغلة وجود أسباب واقعية مشروعة لذلك الغضب.

وخلال الأيام الماضية برز حميد الياسري آمر لواء ميليشيا أنصار المرجعية كقائد لحراك شعبي في المثنى مطالب بتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية في المحافظة وكف يد الفاسدين عن السيطرة على مقدّراتها وإهدار الموازنات المخصصّة لها.

وترتبط الميليشيا المذكورة بمرجعية النجف وتمتلك قدرا من الشعبية في محافظات جنوب العراق حيث يُنظر إليها باعتبارها ذات نهج “سيادي وطني” مختلف عن نهج الكثير من الميليشيات الأخرى وذلك بإعلان قادتها، ومن ضمنهم الياسري، رفضَ الولاء إلى الخارج في إشارة إلى إيران.

أمّا الطرف المقابل المستهدف بحراك المثنّى فهو قيادة الحكومة المحلية التي يتقاسمها حزب “النهج الوطني” (حزب الفضيلة سابقا) ممثلا بمهند العتابي في منصب المحافظ، وميليشيا عصائب أهل الحق ممثلة بأحمد دريول في منصب رئيس مجلس المحافظة، وتيار الحكمة ممثلا بمؤيد الأسدي في منصب النائب الأول للمحافظ، وميليشيا بدر ممثلة بحيدر الوهامي في منصب النائب الثاني.

ومن شأن توسّع عملية تصفية الحسابات بين القوى الشيعية في المحافظات في شكل احتجاجات شعبية يستطيع أكثر من طرف تأجيجها ضدّ خصومه، أن يخلق لحكومة السوداني حالة من الارتباك الشديد في وقت تحاول فيه بسط أكبر قدر من الاستقرار، لاسيما في الجهات حيث تطمح إلى تنفيذ برنامجها للتنمية وتحسين الخدمات.

ودعا الياسري إلى تنظيم احتجاجات شعبية عارمة في المثنّى يوم الأربعاء موعد انتهاء المهلة التي حدّدها للسلطات المحلية لـ”طرد الفاسدين” الذين اتهمهم في بيان بفتح مكاتب سياسية في المحافظة لتقاسم أموال الموازنة المرصودة للمشاريع هناك.

وقال في بيانه شديد اللهجة إنّه تعرض إلى “أشكال من المساومات والتهديدات والإغراءات” لدفعه إلى التراجع عن الدعوة إلى الاحتجاج والتظاهر التي لقيت بالفعل أصداء واسعة ليس فقط داخل المحافظة ولكن أيضا في عدد من مناطق الجنوب العراقي.

وتضمنت دعوته طرد أعضاء مجلس محافظة المثنى والمطالبة بإرسال حاكم عسكري نزيه للمحافظة.

ومهّد الياسري للانتفاضة التي يهدّد بإطلاقها في المثنّى بتعاليق نشرها قبل أيام ومما جاء فيها “بلغني أنّ هناك عدة مكاتب اقتصادية لعدة أحزاب تم فتحها في السماوة عشية إقرار مشاريع المحافظة، والكل يعلم أننا محافظة فقيرة جدا وشعبها يعيش حالة من الفقر الشديد، لذا على محافظ المثنى غلق هذه المكاتب التي جاءت من أجل أخذ عمولتها من الشركات المنفذة”.

وأضاف قوله “بلغني أن الأقضية والنواحي تم تقسيمها بين الأحزاب، وكل قضاء أو ناحية ذهب إلى جهة من الجهات وكأنها ميراث تستأثر به هذه الجهات.. وبلغني أنّه تم تقسيم المديريات في المحافظة على الأحزاب: الصحة لفلان، والتربية لفلان، والبلديات لفلان، من أجل امتصاص خيرات هذه المديريات وتحويلها إلى الأحزاب في بغداد”.

ورأى المحلل السياسي العراقي عدنان التميمي أن الحراك في محافظة المثنى قد يكون بداية شرارة تعصف بجنوب العراق. ونقلت عنه وسائل إعلام محلية قوله إن “المثنى مثل بقية محافظات الجنوب التي تعاني من ارتفاع معدلات الفقر الحاد ونسبة البطالة العالية يرافقها وضع خدمي بائس في ظل صراعات سياسية ارتفعت وتيرتها مع تشكيل الحكومات المحلية”.

ولفت إلى وجود عدّة عوامل ترجّح انفجار الوضع في الجنوب أهمها “الامتعاض الشعبي من وعود القوى السياسية في التغيير، والمحاصصة التي تتسابق إليها القوى التي انفردت بالقرار بعد الانتخابات المحلية الأخيرة، ناهيك عن التراكمات من الأخطاء في التعامل مع ملفات حيوية في محافظات تعاني من كمّ غير مسبوق في المشاكل”.

كما وجّه التميمي تحذيره لحكومة السوداني مما يجري في محافظات الجنوب معتبرا أنّ “إعادة تقييم المشاريع وأداء الإدارات ومحاسبة الفاسدين خطوات يجب أن تسارع إليها بغداد لأن المظاهرات إذا ما انطلقت وتوسعت ستنتقل شرارتها الى محافظات أخرى بسرعة لأن كل مقومات الغضب الشعبي موجودة”.

الوضع في المثنّى يشكّل قلقا استثنائيا لحكومة السوداني الذي تحرّك بسرعة لتطويق الوضع في المحافظة قبل أن يخرج عن السيطرة

وبدت الحكومة على بيّنة بإمكانية انفلات الأوضاع في مناطق جنوب العراق، وظهر ذلك في سرعة تفاعلها مع حراك المثنّى حيث استقبل السوداني وفدا عن المحافظة أصدر الياسري في إثره بيانا خيّر فيه الأهالي بين الاستمرار في تنظيم تظاهرات الأربعاء وإلغائها، معلنا قرار الحكومة تخصيص مبلغ مالي لإنجاز مشاريع في المحافظة.

وقال آمر لواء أنصار المرجعية في بيانه إنّ لقاء السوداني مع الشخصيات الأكاديمية والعشائرية الممثلة لأقضية ونواحي محافظة المثنّى أفضى إلى عدد من القرارات من بينها “تشكيل لجنة من مكتب رئيس الوزراء للإشراف على كل مشاريع السماوة وعدم السماح للمحافظ وأعضاء مجلس المحافظة بالتصرف بالأموال”.

وتقرر بحسب ذات البيان أن يشرف “ممثلو تظاهرات المحافظة على كل مشاريعها كجهة ساندة ومراقبة للدولة، وبأمر يصدر من رئيس الوزراء”، إلى جانب تشكيل “لجنة برئاسة رئيس هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية بكشف ملفات الفساد وهدر المال العام في السماوة منذ 2003 وإلى يومنا هذا، ودعوة كل المواطنين لتقديم ملفات الفساد لهذه اللجنة عن طريق ممثلي المظاهرات في مناطقهم، وتجتمع اللجنة بشكل مستمر مع ممثلي الجماهير لكشف الفساد”.

وكان من أبرز القرارات التي تمخض عنها لقاء السوداني بممثلي محافظة المثنّى، وفقا لبيان الياسري، “استحصال مبلغ 37 مليار دينار من رئيس الوزراء يسلم إلى لجنة من مهندسين من مكتبه لإقامة مشاريع خدمية تقترحها لجنة المظاهرات الشعبية، ولا يسمح للمحافظ ومجلس محافظة بالتدخل فيها”، إلى جانب “غلق كل المكاتب الاقتصادية وإعلام جهاز الأمن الوطني والاستخبارات عن وجود أي مكتب في السماوة”.

ورغم ما طبع تعامل حكومة السوداني من سرعة ومرونة في التعاطي مع الوضع في المثنّى، إلاّ أنّ مصادر عراقية قالت إنّ ذلك لا يجعلها بمنأى عن موجة توتّر في محافظات الجنوب، ليس فقط بسبب أوضاع سكّانها، ولكن بفعل قدرة أي من القوى السياسية المتنافسة على الحكومات المحلية على تحريك الشارع ضدّ بعضها البعض على غرار ما فعلته ميليشيا أنصار المرجعية ضدّ خصومها في المثنّى.

العرب