تواجه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطا، داخلية وخارجية، غير مسبوقة على خلفية الحرب في غزّة، دفعت بعض المراقبين إلى توقع انهيارها قريبا. وتأتي هذه الضغوط من ثلاثة اتجاهات متعارضة: من المعارضة التي خرجت من الحكومة، ممثلّة بالوزير في مجلس الحرب بيني غانتس وحزبه، “المعسكر الرسمي”، ومن داخل حزب الليكود نفسه، الذي يقوده نتنياهو، على خلفية معارضة بعض رموزه الاستمرار في إعفاء طلاب المدارس الدينية اليهودية (الحريديم) من الخدمة الإلزامية، ومن جانب الإدارة الأميركية التي ترغب في ذهاب حكومة نتنياهو ومجيء حكومة “يمين وسط” في إسرائيل، كمعطى انتخابي أميركي يمكن أن يُحسِّن حظوظ الرئيس بايدن في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فهل توشك حقّاً حكومة نتنياهو على السقوط؟
مع خروج الوزيرين في كابينت الحرب، غانتس وإيزنكوت، تعود حكومة نتنياهو إلى أصلها قبل تشكيل حكومة “الطوارئ الوطنية” على أثر عملية طوفان الأقصى، بوصفها الحكومة الأكثر تطرّفا في تاريخ إسرائيل، رغم أن تطرّفها لم يكن أقل بوجود غانتس وحزبه فيها، حيث شارك هذا الأخير في جميع القرارات الخاصة بغزّة بصفته عضواً في مجلس الحرب. مع ذلك، يمثل خروج غانتس، بالنسبة لبعض المراقبين، ضربة للحكومة، لأنه يحرمها من وجه “مقبول” على الساحة الدولية، حيث كان ينظر إليه باعتباره، وللمفارقة، “الصوت العاقل” فيها. لكن خروجه، وهذا الأهم، يضعف نتنياهو ويضيق هامش المناورة أمامه في وجه الأحزاب اليمينية المتطرّفة في حكومته، حيث بات رهينة بيد الوزيرين المتطرّفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. لكن الواقع يمكن أن يقول شيئاً آخر، ذلك أن نتنياهو، الذي يتقن كل الألاعيب السياسية التي جعلت منه أطول رئيس وزراء حكماً في تاريخ إسرائيل، ومن واقع خبرته التي تتجاوز اليوم 35 عاما في الحياة الحزبية الإسرائيلية، يمكن أن يقلب المشهد تماماً، بحيث يصبح كل من بن غفير وسموتريتش، بعد خروج غانتس، هما الرهائن في يد نتنياهو، إذ لن يجرؤ المذكوران، على الأرجح، على مغادرة الحكومة وإسقاطها، لأن سموتريتش يعرف أنه بذلك يخرُج كليا ليس فقط من الحكومة، بل من الكنيست أيضا، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزبه، “الصهيونية الدينية”، لن يتجاوز العتبة الانتخابية (3.25% من الأصوات)، وهو، من ثم، لن يحصل على أي مقعدٍ في الكنيست القادم. أما بن غفير، الذي تذوّق طعم السلطة، للمرّة الأولى مع نتنياهو، فيعرف أيضا أنه وإن ربح حزبه، “العظمة اليهودية”، مقعداً أو اثنين إضافيين في أي انتخاباتٍ مبكّرة، إلا أنه سيبقى خارج الحكومة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى خسارة معسكر اليمين المتطرّف أغلبيّته الراهنة، وأي شخص آخر يشكل الحكومة غير نتنياهو، لن يقبل، على الأرجح، أن يجلس على طاولة واحدة مع “thugs” من أمثال بن غفير.
وبخصوص المعارضة من داخل الليكود، والتي يقودها وزير الحرب يؤاف غالانت، ضد قانون إعفاء “الحريديم” من الخدمة الإلزامية، فالواضح أنه لا يشكّل تهديداً حقيقيّاً لنتنياهو، إذ انفراد الوزير غالانت بالتصويت ضد القانون الذي جرت المصادقة عليه في القراءة الأولى، يوم أول من أمس الاثنين، فيما التزم أعضاء معسكر اليمين جميعاً، وعددهم 63 عضو كنيست، بالتصويت مع الحكومة، جعله يبدو معزولاً في أوساط معسكره، فيما تعالت أصوات لإقالته لعدم التزامه بموقف حزبه.
أما الضغوط التي تشتدّ من إدارة بايدن لإسقاط حكومة نتنياهو باعتبارها العقبة الكأداء أمام إنهاء الحرب في غزّة التي تأكل من رصيد الرئيس الانتخابي، وتحول دون إبرام صفقة للتطبيع بين إسرائيل والسعودية، تسجّل منجزاً لبايدن قبل الانتخابات، فيبدو أنها تأتي بنتائج عكسية. إذ يستفيد نتنياهو منها للظهور بمظهر القائد الصلب الذي يقاوم الضغوط، حتى لو جاءت من أقرب حلفائه ومن القوة العظمى الوحيدة في العالم.
الخلاصة، أنه قد يكون من غير المفيد بناء استراتيجية إنهاء الحرب في غزّة كليا على فرضية سقوط حكومة نتنياهو قريباً، وضرورة النظر في خياراتٍ أخرى بديلة، فهذه الحكومة المتطرفة باقية، على الأرجح، ما بقي لديها ما يكفي من مقاعد في الكنيست.