يرى المحللان الأمريكيان آرثر هيرمان وبراندت باسكو أن العالم الحر متحد اليوم في دعم أوكرانيا في صراعها ضد العدوان الروسي، ويتفهم أن المنتصر النهائي يجب أن يكون الشعب الأوكراني، وليس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولكن بينما كسب أي حرب أمر مهم ، فإن كسب السلام أمرٌ له نفس القدر من الأهمية أيضاً.
وقال هيرمان، وهو زميل كبير في معهد هدسون، ومؤلف كتاب “تشكيل الحرية: كيف حققت الأعمال الأمريكية النصر في الحرب العالمية الثانية”، وباسكو، المستشار العام المساعد السابق لشركة “أي إن – كيو -تل”، إنه عندما تضع الحرب الحالية في أوكرانيا أوزارها، فإن إعادة إعمار البلاد سوف تكون أمراً مهماً لمستقبل الحرية والديمقراطية.
التقرير: أوكرانيا تبشر بأن تكون في فترة ما بعد الحرب مجتمعاً مدنياً نابضاً بالحياة، ربما يكون حتى مركز التكنولوجيا المتقدمة الجديد في أوروبا
وأضاف هيرمان وباسكو، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، أن أوكرانيا تبشر بأن تكون في فترة ما بعد الحرب مجتمعاً مدنياً نابضاً بالحياة، ربما يكون حتى مركز التكنولوجيا المتقدمة الجديد في أوروبا .
ومع ذلك، فإن مستقبلها يبدو قاتماً ما لم تتوفر كميات ضخمة من الأموال لإعادة بناء واستعادة اقتصادها وبنيتها التحتية.
وأصدرت مجموعة البنك الدولي والمفوضية الأوروبية والأمم المتحدة تقريراً جديداً يقدّر تكاليف إعادة إعمار البلاد المدمرة بـ486 مليار دولار، مقارنة بـ411 مليار دولار قبل عام فقط.
ويتضمن هذا المبلغ استبدال نسبة الـ 10% من المساكن الأوكرانية التي دمرت في الحرب، إضافة إلى إصلاح الأضرار التي لحقت بنظم النقل (73مليار دولار )، والتجار والصناعة (68 مليار دولار ) والزراعة (58مليار دولار ) وقطاع الطاقة (49مليار دولار).
وتعد خطة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تم الإعلان عنها مؤخراً لتخصيص 225مليون دولار لإعادة بناء شبكة الكهرباء الأوكرانية بمثابة قطرة في بحر مقارنة بحجم المشكلة .
وحتى مع تعهد حكومات أخرى وكيانات خاصة بأموال لإعادة إعمار أوكرانيا التي دمرتها الحرب، بما في ذلك تحويل أموال من الأصول الروسية المجمدة، يعتبر الكم المطلوب من الأموال صاعقاً، وعبئاً محتملاً على كاهل دافعي الضرائب في كل مكان .
ومع ذلك، فإنه مع صياغة الإطار القانوني الصحيح، والضخ المناسب للتمويل من خلال رأس المال الاستثماري، يمكن أن تمهد سياسة إعادة إعمار موجهة للسوق الحر الطريق لعودة المستثمرين .
وحققت خطة مارشال الأصلية، التي وزعت أكثر من 150 مليار، بقيمة الدولار اليوم، لإعادة إعمار أوروبا التي دمرتها الحرب، نجاحاً لم يخطر ببال أيّ شخص.
وأضاف هيرمان وباسكو أن أحد الأسباب وراء ذلك هو أن مهندسي الخطة فهموا أن الأمر ليس بيد الحكومة الأمريكية لكي تقرر أو تملي الكيفية التي يتم بها استخدام أموال إعادة الإعمار، ولكن المتلقين هم الذين يقررون ذلك. وكان مهندسو الخطة واثقين من أن أولئك الأشخاص الموجودين على أرض الواقع سوف يتوصلون إلى الطريقة الأسرع والأنجع لإعادة بناء اقتصادياتهم ومجتمعاتهم. وكما يوضح التاريخ، كانوا على صواب.
وكان العمود الفقري لخطة مارشال الأصلية هو إدارة التعاون الاقتصادي، التي أنشأها الكونغرس الأمريكي لتوزيع المساعدات التي تضخها الخطة .
وبعد مرور 76 عاماً، يتعين على الكونغرس أن يسعى لـتأسيس هيئة تعادل إدارة التعاون الاقتصادي لأوكرانيا، بحيث لا تقدم هذه الإدارة قروضاً للحكومة الأوكرانية، نظراً لأن وكالات مثل البنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية هي الأنسب لتلك المهمة، ولكن تقدم الأموال على نحو مباشر للشعب الأوكراني لإعادة بناء مؤسساته التجارية ومناطقه وحياته.
التقرير: يجب، بصفة خاصة استبعاد دول، مثل الصين أو إيران، قدمت لبوتين أسلحة ودعماً مادياً آخر من العضوية في كونسورتيوم إدارة التعاون الاقتصادي
وبدلاً من تكبيل دافعي الضرائب بالفاتورة، سوف تحصل إدارة حديثة للتعاون الاقتصادي على رأسمالها الأولي من خلال كونسورتيوم من دول تساهم في صندوق عام لإعادة إعمار أوكرانيا.
وسوف يضم هذا الكونسورتيوم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كأعضاء، إضافة إلى قوى اقتصادية غير غربية، مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية والسعودية .
وربما لا تكون المجر وسلوفاكيا، اللتان عارَضَتا إمداد أوكرانيا بالأسلحة، مستعدّتين للمساعدة في إعادة إعمار جارتهما التي دمرتها الحرب.
ويجب، بصفة خاصة استبعاد دول، مثل الصين أو إيران، قدمت لبوتين أسلحة ودعماً مادياً آخر من العضوية في كونسورتيوم إدارة التعاون الاقتصادي.
وكخطوة أولى، سوف تحول إدارة التعاون الاقتصادي رأس المالي الأولي للكونسورتيوم إلى قروض مباشرة للقطاع الخاص الأوكراني، بما في ذلك الهيئات التجارية والأسر والأفراد.
ويمكن أن يكون التأثير الكلي للتمويل المقدم من إدارة التعاون الاقتصادي على إعادة أعمار أوكرانيا هائلاً .
ومن خلال تطبيق صيغة سرعة المال القياسية، يمكن أن يحشد ضخ أولي بقيمة 150 مليار دولار في صورة رأس مال أولي قرابة نصف تريليون دولار لإعادة إعمار أوكرانيا، بصفة خاصة إذا تضمن رأس المال الأولي أصولاً مجمدة تم مصادرتها من حسابات مصرفية روسية، وهو الأمر الذي وافق الاتحاد الأوروبي بالفعل على القيام به.
وفي الواقع، يمكن أن تكون إدارة التعاون الاقتصادي هي السلطة المنوطة بتوزيع هذه الأموال المصادرة في صورة منح معينة لإعادة بناء مدارس وبنية تحتية محلية، وهي مشاريع تعد مهمة لمستقبل أوكرانيا، ولكن لا يمكن توقع أن تدرّ الأرباح الضرورية لسداد القروض الأصلية لإدارة التعاون الاقتصادي.
وأخيراً، فعندما تكون إدارة التعاون الاقتصادي مستعدة لغلق أبوابها وتوقف عملياتها، فإنه يتعين عليها أن تكون مستعدة لإعادة عائدات ضخمة إلى المستثمرين في رأس المال الأولي، وهذا احتمال لا يمكن أن تضمنه الخطط الحالية لإعادة الإعمار، ناهيك عن تقديم رأس المال.
وتابع هيرمان وباسكو أن السؤال المهم هو متى يمكن أن تتحرك الإدارة الأمريكية والكونغرس لمنح التفويض بتشكيل إدارة للتعاون الاقتصادي لأوكرانيا؟ وكما هو معروف، ليس من المبكر على الإطلاق البدء في كسب السلام.
وليس هناك أيّ سبب للانتظار حتى تنتهي الحرب في أوكرانيا لبدء مهمة إعادة الإعمار. ويمكن أن تكون أجزاء من غرب أوكرانيا أقل تضرراً من الحرب بمثابة مواقع لبرامج تجريبية.
التقرير: سوف تكون عملية إعادة الإعمار السريعة لأوكرانيا كاقتصاد سوق حر نابض بالحياة بمثابة حصن ضد المخططات الإمبريالية الروسية في شرق أوروبا
ورغم أن هذه الخطة تعتمد على رأس المال الاستثماري والقطاع الخاص، فإنها سوف تحقق فوائد إستراتيجية ومالية .
وبنفس القدر الذي ساعدت فيه خطة مارشال الأصلية في وقف نشر النفوذ السوفيتي في أوروبا، في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، سوف تكون عملية إعادة الإعمار السريعة لأوكرانيا كاقتصاد سوق حر نابض بالحياة بمثابة حصن ضد المخططات الإمبريالية الروسية في شرق أوروبا.
واختتم هيرامان وباسكو تقريرهما بالقول إن عملية إعادة الإعمار السريعة يمكن أيضاً أن تفتح صفحة جديدة لأوروبا ككل، وتثبت أنه يمكن إعادة إحياء الديمقراطية والحرية من رماد الحرب.